غاية ما يريده الغربيون الرابضون خلف أسوار الدفاع عن حقوق الإنسان أن يقولوا لنا: ليكن الإنسان عندكم كالإنسان عندنا.. لتكن الشرائع عندكم كالشرائع عندنا.. لتكن الأخلاق عندكم كالأخلاق عندنا، لتكن مجتمعاتكم مثل مجتمعاتنا في كل شيء، إلا.. في الأشياء المحترمة!
فما حال إنسانهم الغربي حتى نعتبره نموذجاً محتذىً لإنساننا الشرقي: الإسلامي والعربي؟!
سنضطر هنا أن ننقل على ألسنتهم ووفق إحصاءاتهم لمحات من واقع حياة الإنسان هناك لنعرف كيف وقعوا في هذا الواقع، ولماذا يريدون منا أن نقع في مثل واقعهم. (انظر مقال أي حقوق.. وأي إنسان؟ عبد العزيز كامل).
ففي المجتمع الأمريكي الذي تشرئب إلى التشبه به أعناق الذين لا يفقهون، والذي تقود دولته العالم اليوم وتريد أن تعمم عليه أنموذجها الثقافي والحضاري والقيمي، فقد تضاعف عدد نزلاء السجون فيه فيما بين الثمانينيات والتسعينيات إلى ثلاثة أضعاف ما كان عليه من قبل؛ حيث بلغ عدد المسجونين 950.000 نزيل فيما بين عامي (1980، 1993م)، ليحقق -كما كشف تقرير نشر في مارس 2009- ارتفاعا قياسيا سنة 2007، حيث بلغ عدد نزلاء السجون الأمريكية في هذه السنة أكثر من 7.3 مليون سجين، مما يشكل ربع المساجين في أرجاء العالم. وأوضح التقرير الذي أعده مركز Pew حول الولايات المتحدة الأمريكية، أن هذا العدد يشمل نزلاء السجون والمعتقلات ومراكز الإصلاح والتأهيل، مما يعني أن ما نسبته واحد إلى 31 من السكان الأمريكيين البالغين موجود داخل السجن.
وفيما يخص نفقات السجون، فتحتل المكانة الثانية في ميزانيات الولايات بعد القطاع الصحي، ونظراً للتكاليف الباهظة للمساجين، فقد دعت ولاية كاليفورنيا في فبراير الماضي إلى خفض عدد نزلاء السجون لديها، والمقدر بنحو 58.000 سجين، إلى 40% فقط.
وإذا علمنا أن نسبة ما لا يكشف عنه من الجرائم تكون عادة أضعاف ما يكشف عنه تبين لنا أن العدد الحقيقي للمتهمين بالإجرام يمكن أن يمثل شعباً من المجرمين يفوق عدد بعض الشعوب الصغيرة.
وكشفت دراسة رسمية نشرت مؤخرا نتائجها صحيفة “ديلي إكسبريس” أن بريطانيا تشهد كل عام أكثر من 1.15 مليون جريمة مثل القتل وهجمات السكاكين وإطلاق النار والاعتداءات الجسدية، ويواجه مواطنوها احتمال الوقوع ضحايا جرائم العنف وبمعدل يفوق أربع مرات مواطني فرنسا والدنمارك وبمعدل سبع مرات مواطني إسبانيا وألمانيا.
وأشارت الدراسة أن بريطانيا شهدت خلال العام 2007 وقوع مليون و158.957 جريمة بالمقارنة مع 324.765 جريمة في فرنسا.
أما جرائم انتهاك الأعراض فقد فاقت الوصف، وخرجت أرقامها عن حد السيطرة، إذ أفادت الإحصاءات أن امرأة من كل أربع نساء أمريكيات تخون زوجها، ورجلاً من كل ثلاثة أشخاص يخون زوجته، والاعتداءات على الأعراض لا تقتصر على البالغين فقط بل تعدتهم إلى الأطفال والقاصرين، فواحد من كل سبعة من الأمريكيين تعرض للابتزاز الجنسي عندما كان طفلاً.
وذكرت صحيفة “الإندبندنت” البريطانية، أن هناك أكثر من 5.000 طفل في بريطانيا يتم إجبارهم على ممارسة رق الجنس.
وقالت الصحيفة -نقلاً عن دراسات استطلاعية أجرتها مؤسسة بريطانية خيرية- أنّ بريطانيا تحولت إلى منطقة عبور كبرى للأطفال الرقيق.
وقد أنشئ في مدينة “ليدز” البريطانية خط هاتفي خاص لمساعدة الأطفال الذين يتعرضون لاعتداءات جنسية، وتلقت محطة تلفزيون B.B.C البريطانية ما يتراوح بين 30 -50 ألف مكالمة هاتفية خلال الاثنتي عشرة ساعة الأولى التي فُتحت فيها الخطوط الهاتفية للأطفال..
إن السبب وراء هذا الانحراف والتسيب الجنسي لا يقتصر على فساد البيئة المادية فقط، أو الخواء الروحي فحسب، وإنما يرجع أيضاً إلى فساد المنظومة الأخلاقية التي تخيم على رؤوس تلك الشعوب، والتي جعلت من اقتراف جريمة الزنا شيئاً قريباً من احتساء فنجان القهوة أو تدخين السيجارة.
فحاضر المجتمع الغربي اليوم أكبر شاهد على جريرة التسامح مع الجريمة وعدم وجود معايير موضوعية للعدالة تفرض على المجرم العقوبة التي تتكافأ مع جريمته، وتكون قاسية بقدر قسوة الجريمة، وهي قضية قد تذهب بكل منجزات الحضارة الغربية لأنها تدس لها السم في الدسم بعدم التفرقة بين الخير والشر، وتوهن من مقاومتها بحيث تستسلم تدريجياً لوازع الشر استسلامها لوازع الربح.
فكل شيء في بلدان الحضارة المعاصرة وحقوق الإنسان! يحرض على الرذيلة والجريمة وبصفة قانونية ورسمية أيضا، ويحارب من يحارب الجريمة أو يحاول أن يقف في طريقها.. إنها مبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي وقفت عاجزة عن الحد من الفوضى الجنسية والأخلاقية، إنها نظم القانون الوضعي القائم على مثل نظرية “فرويد” الحيوانية، و”ميكيافيلي” الفاصلة بين السياسة والأخلاق، و”آدم سميث” و”ماركس” الفاصلة بين الاقتصاد والأخلاق.. إنه باختصار البعد عن منهج الله.. إنه الضياع..