بعد تجريم شرع الله، والرد على هذا التجريم، خاض بنو علمان في النتيجة، ولم يكتفوا بقلب السبب نتيجة، وجعل النتيجة سببا، بل دافعوا عن هذا التجريم، وتجرؤوا أكثر، لأنهم لم “يكتفوا” أيضا بتجريم تعدد الزوجات، خرج علينا مجرم آخر من طينة شجرة الزقوم، في إحدى فضائياتهم العلمانية ليفتي فتوى علمانية مضمونها أنه لا يجوز الحديث في هذا العصر عن نصوص قطعية، والسياق الذي كان يتحدث فيه، يفهم منه بوضوح أنه يقصد القرآن الكريم، وحتى يَقْطَع الشك “باليقين”، والحق بالاستئصال والإقصاء، وبكل وقاحة وصفاقة، حظر على الإسلام أن يتدخل في السياسة، وأوجب على السياسة والسياسيين أن يتدخلوا في الإسلام، لأن ذلك، في زعمه، من صميم اهتمامهم وعملهم.
هكذا إذن على العالم أن ينزوي للعبادة، كالطرقي في زاوية، بينما السياسي والمثقف والمفكر وأي إنسان علماني عليه أن يصول ويجول ويعربد في أحكام الدين، ولو أنه لا يعرف حتى فرائض الوضوء، ومع ذلك يتكبر بجهله، لأن الذي يمثل الإسلام في الحلقة، دعاه إلى تعلم الدين، إلا أنه -لعجرفته ادعى أن لديه خمسمائة كتاب عن الإسلام، فأرجع النصيحة إلى حِجْر خصمه، وحَسِب المسكين أن اقتناء الكتب، وتزيين المكتبات بها، يغني عن دراستها فضلا عن مطالعتها.
وهل من عنده خمسمائة كتاب عن الإسلام يختزل هذا الدين العظيم في الأخلاق كما يفهمها في إطار النسبية التي يدندن بها هو ومن على شاكلته، للقضاء على كل الأخلاق، ومن ثم القضاء على هذا الدين العظيم برمته.
يغضبون عند إخراجهم من الإسلام عند ولوغهم في المعلوم من الدين بالضرورة، وعند خوضهم في قطعي الثبوت والدلالة، بيد أنك لن تجدهم يثنون على الإسلام، والإسلام في غنى عن ثنائهم، ولو بنصف كلمة، بل كل كلامهم تجريح فيه وفي علمائه، إنهم يريدون الإجهاز على الإسلام باسم الإسلام، كمن يريد إبادة أبنائه بدعوى الأبوة والحب.
بنو علمان “المسلمون” ليس نموذجهم الإسلام، كما جاء على لسان ضيف القناة العلمانية، بل نموذجهم أمريكا التي تتعايش فيها الأديان في عقر دارها، متجاهلا أن أمريكاه التي يثني عليها تحارب المسلمين ودينهم في عقر دارهم، وهم يصفقون لها، وهم المسلمون !
ولأن زعيقهم ونعيقهم لم يؤت أكله حول العلمنة الكاملة للحياة، فلابد من علمنة التعليم، وإخراجه بالكلية عن الإسلام، حتى تمسخ فطرة الطفل التي فطره الله عليها، ألا وهي الإسلام، لأنه كلما كان هناك تدافع بين الإسلام والعلمانية، علق بنو علمان فشلهم في إقناع الناس بالتخلي عن إسلامهم، على التعليم.
في بلاد المسلمين يجب أن ينشأ الأطفال غير مسلمين، وفي أرض الحداثة والعلمانية والعقلانية والتنوير، ألمانيا، بدأت المدارس الحكومية فيها بتدريس التربية الإسلامية، ولو أن الهدف كان هو محاولة الحكومة الألمانية دمج الأقليات المسلمة في المجتمع، ثم التغلب على شيخوختها الديمغرافية التي أصبحت تهدد حيوية مجتمعها، إلا أنها تصرفت بعقلانية كثيرا ما ادعاها بنو علمان من بني الجلدة، دون أن نلمس منهم رأس دبوس منها.
ولذلك أسست جامعة منستر الألمانية مركزا للدراسات الإسلامية، ومعهدا للبحوث الإسلامية من أجل تدريب معلمي المستقبل ليقوموا بمهمة تدريس الدين الإسلامي في المدارس بولاية “شمال الراين فيستفاليا”.
وفي نفس السياق سبق للمحكمة الإدارية في مدينة “دوسيلدوف ” في ولاية “شمال الراين فستيفاليا” الألمانية أن أصدرت قرارًا يتعلق بإمكانية عمل المسلمات في المؤسسات والدوائر الحكومية بحجابهن، بناءً على شكوى تقدمت بها امرأة محجبة، تم رفض طلبها، حينما تقدمت للعمل في إحدى الدوائر التابعة للدولة في مدينة “ميتمان”. انظر ماذا عندنا، وماذا عندهم؟
أما بالنسبة للتكفير الذي “يناضل” بنو علمان من أجل تجريمه، دون أن يجرموا من يصف الناس بالتطرف والتشدد والإرهاب والرجعية والماضوية.. وهلم جرا، فقد جعل له العلماء ضوابط دقيقة، مما يعني أنه من صميم الدين، ويندرج في عقيدة الولاء والبراء.
فلو كان بنو علمان منصفين -وهم ليسوا كذلك- كما عودونا في كل أزمة على جورهم وعدم إنصافهم، لكان عليهم أن يمحوروا نقاشهم حول أصل الأزمة، أي حول وقوع مجرِّم تعدد الزوجات في الكفر من عدمه، دون أن ينقلوا النقاش ويركزوه حول ما ترتب عن الأصل، وهم بذلك يمارسون سياسة الهروب إلى الأمام، وتحميل رد الفعل تبعات الفعل.
وعودا على بدء أقول: لا تخلو حالات العبد المسلم مع الكفر من ثلاث:
“الأولى: ألا يقصد الكفر ولا يقصد الفعل الذي يكون به الكفر.
فهذا لا يكفر اتفاقا ودليله قول ذلك الرجل الذي أضل راحلته (اللهم أنت عبدي وأنا ربك) فقال صلى الله عليه وسلم: (أخطأ من شدة الفرح) ولم يكفره.
الثانية: أن يقصد الكفر ويقصد الردة، فهذا كافر مرتد، باتفاق المسلمين، وأحسن ما يمثل هذه الحالة الذي تنصر أو ألحد.
الثالثة: أن يقصد الفعل الذي يكون به الكفر، ولا يقصد الكفر والردة والخروج على الإسلام، وهذه الحالة هي التي تنازع فيها الناس.” .
فأين يندرج إدريس لشكر والضيف العلماني بالنسبة للحالات الثلاث؟
هذا هو السؤال الذي يجب على بني علمان طرحه، وهم المسلمون.
لكن بني علمان يشفقون على الكفار من نعتهم بذلك، مع أن الله كفرهم في كتابه العزيز، والناس منقسمون، حسب عقيدة الإسلام، إلى مسلم وكافر، فلا يصادرنّ أحد على المسلمين حقهم في تسمية الناس بما هم عليه، بدعوى الأخوة الإنسانية التي لم يلق إليها الغرب بالا، عبر سلوكه الإجرامي الممتد تاريخيا وجغرافيا إلى أيام الناس هذه، ومع ذلك فمجرد كفر الكافر الأصلي لا يبيح دمه، أما المرتد فأمره، بعد ثبوت الردة عليه، لولي الأمر، وليس لآحاد الناس، كما يوهم بذلك بنو علمان، ويروجون له على نطاق واسع.
أما التسامح الذي كثيرا ما يدندنون حوله في مثل هذا السياق، فليس المقصود به عندهم سماحة الإسلام في حق الإنسان، بل وحتى الحيوان والنبات، وإنما المقصود به أن يتسامح المسلم في الاعتداء على إسلامه، بينما هم يعضون بالنواجذ على علمانيتهم، ولسان حالهم في حق الدين الذي ينتسبون إليه أدنى وأحط من قول ذلك النصراني الذي يقول: أنا مسيحي أعشق الإسلام.
والدليل على ذلك أن مقدسات الإسلام لا اعتبار لها عندهم، فهذا إبراهيم عليه السلام أبو الأنبياء ذكره الضيف العلماني على القناة آنفة الذكر، و كأنه بواب في عمارة، في حين رفع من شأن “غاندي” إلى عنان السماء.
بيد أن السؤال المطروح بشدة هو: لماذا هذا الهلع المفرط من بني علمان من التكفير، وهم ظاهرا لا يقيمون وزنا للإسلام، وهم الحداثيون، لأنهم يتحدثون عن كل الأديان باحترام، حتى النصرانية التي على أنقاضها قامت العلمانية، إلا الدين الذي ينتسبون إليه، ويكيلون له كل النقائص والشتائم، باسم السياسة والثقافة والفن وحرية التعبير والفكر؟
والجواب هو أنهم يعرفون قيمة الإسلام وقوته وشدة إقناعه، على الرغم من أن الضيف العلماني ادعى، بجهل غريب، أو تعمُّد غاية في الغباء، أن الإسلام ينتشر تناسليا، وليس بالإقناع، ولا أدري هل يعيش فيما وراء المريخ، حتى يسمح لنفسه باستغباء المشاهدين، لأن الشواهد أشهر من نار على علم!
فهل كانت “جيمي” الأمريكية، مثلا، التي اعتنقت الإسلام، “تناسلت” من أبوين مسلمين؟ وهي التي نشأت في أسرة نصرانية تكره الإسلام والمسلمين، وكانت هي تعمل عارضة أزياء في مجلة بلاي بوي.
وهل “تناسل” مغني الراب العالمي “مؤتة بيل”، الذي اعتنق هو الأخر الإسلام، من أبوين مسلمين؟
وهل “جنيفر جراوت” الأمريكية التي اعتنقت الإسلام أيضا، “تناسلت” هي الأخرى من أبوين مسلمين؟
وهل محمد المهدي، ميخائيل شيرنوفسكي سابقا، الذي كان متطرفا يهوديا في الأرض المحتلة، ومن الله عليه بالإسلام، “تناسل” من أبوين مسلمين؟
هذه نماذج للتمثيل لا للحصر ليطأطئ هذا العلماني رأسه أمام الواقع الذي يحدث له صداعا في الرأس، وإلا فإنه في أرجاء المعمور من أقصاه إلى أقصاه، مسلمون اعتنقوا الإسلام، ولم يكونوا مسلمين أصليين تناسلوا من مسلمين، كما ذكر المرفوع عن الواقع، المفعم بالأحكام المسبقة والمعيارية، وهو العقلاني زعم، في حين أنه أبعد ما يكون حتى عن الواقع، فما بالك بما هو أكثر تجردا.
خلاصة القول إن بني علمان يستغلون كل حدث لممارسة إقصائهم واستئصالهم، متوسلين في ذلك باستدعاء السلطة، واستجلاب القوانين، ليبقى الاختلاف وحرية التعبير حكرا عليهم.