سكان المدينة الحمراء في خطر كبير عبد الحق كدام

بينما كنت أزور أخا من إخواننا في دكانه بحي الموقف فإذا بي ألاحظ حالة غير عادية، إذ توافد على الحي عدد كبير من رجال الأمن والشرطة التقنية ورؤساء القسم الجنائي، فلما سألت عن السبب أخبرت أن هؤلاء جميعهم أتوا ليحضروا تشخيص جريمة قتل نكراء، وقعت بعين المكان كانت ضحيتها طفلة لا يتعدى عمرها اثني عشر سنة، فقلت في نفسي: أنتظر لأرى كيف هو هذا المجرم الذي سولت له نفسه غصب الطفولة البريئة بهذا الشكل الشنيع؟

فلم يمض وقت طويل حتى أتي به وسط عناصر أخرى من الأمن، وإذا به شاب في الثلاثينيات من عمره باد على وجهه وملامحه تعاطي المخدرات والخمور، ولما سألت عن سبب القتل! أجبت أن زوجة القاتل وابنته كانتا تبيعان الخبز بجانب دكان والد الطفلة الضحية، فوقع لهما معها سوء تفاهم، فلما أتى زوجها المجرم وبدون مقدمات ضربها بسيفه المخفي في حقيبة له يدوية، وهو سيف لا يفارقه دائما إذ يستعمله كلما جن الليل في قطع الطريق على الناس، وتهديدهم، وسرقتهم..
وإذ أحكي فصول هذه الجريمة التي وقعت في الأسبوع الأول من شهر يونيو، فإني أتذكر بعضا من الجرائم والحوادث الأخرى التي وقعت في الأسابيع الأخيرة في أحياء متفرقة من مدينة مراكش، كالجريمة التي وقعت بحي رياض الزيتون و كان ضحيتها شاب في مقتبل العمر، كان على متن دراجته النارية قبل أن يتعرض طريقه ويطعن بسكين ويسرق ما عنده من طرف الجاني. ونفس الملابسات وقعت بحي سيدي بن سليمان و كان ضحيتها أيضا شاب في مقتبل العمر والقاتل شخصان. وكذالك ما وقع بحي “سوكوما” حيث أن شابا قتل الضحية التي ليست إلا أباه. وما وقع بغابة الشباب إذ أقدم ثلاثة مجرمين على قتل شخص. و أيضا الزوج الذي قتل زوجته بدوار الكدية..
وأما ما يقع في أسواق المدينة كسوق الخميس فحدث ولا حرج، فهناك من المجرمين واللصوص من يسرقون و يبتزون الناس بكل حرية دون أن يعترض سبيلهم أحد من رجال الأمن، رغم أنهم معروفون عند الباعة المتجولين وتجار السوق ورواده، وهو الأمر الذي دفع الساكنة إلى القول بأن هناك من رجال الأمن والقوات المساعدة من يتعامل مع هؤلاء المجرمين قصد منفعة من المنافع! وإلا كيف يفسر تصرفهم بكل هذه الحرية. ولا ننسى ما يقع من إجرام وسرقة بمواقف الحافلات، كموقف حافلات أيت اورير الموجود بباب أغمات.
وهكذا، لا يكاد يمر يوم إلا ونسمع بجريمة قتل أو سرقة أو جرح وتشويه، حتى أصبح المواطن المراكشي لا يأمن على نفسه و أهله في الطرقات ومع وجود الأمن، خصوصا في أحياء معينة كحي الموقف، باب دكالة، بين العراصي، عرصة البردعي، سيدي بن سليمان، اسبتيين، باب أيلان، رياض الزيتون، الزاوية العباسية، عين ايطي..
وأما حي الملاح الذي يعرف حاليا باسم حي السلام فلا سلام ولا أمن ولا طمأنينة هناك للمواطن، لأنه مهدد بالقتل و السرقة و الاغتصاب والضرب والجرح في أي وقت من الأوقات، وهذا على مرمى حجر من مخفر رجال أمن غير مؤهلين للقبض على مجرم يحمل سيفا، وبالتالي يغمضون الطرف على كثير من الحوادث لم تكن لتقع لو تدخلوا في الوقت المناسب..
إن هذا الواقع المفجع الخطير أصبح لسان حال الساكنة وحديث الشارع، الذي يتساءل عن كثرة هذه الحوادث وأسباب تزايدها في الآونة الأخيرة؟ خصوصا وأنهم يرون تقصيرا كبيرا من الجهات الأمنية التي من المفروض أن تكون حامية لنفس وعرض ومال المواطن!
حدثني بعض من أثق به أن صهره لما كان راجعا من عمله إذا بأربعة شبان قطعوا طريقه وسرقوا منه ما يقارب خمسة آلاف درهم، ثم سبّوه و تركوه غير مأسوف عليه، وهذه مصيبة والأكبر منها أنه لما اشتكى في مخفر الشرطة، قابله رجال الأمن ببرودة تامة، وزادوا حسرته لما أخبروه بأنه تاسع حالة تأتيهم في فترة قليلة، وأنه محظوظ إذ لم يمثلوا به و يشوهوا وجهه، بل اكتفوا باغتيال جيبه، فأربع حالات من التسع كان مصيرها الجرح و تشويه الوجه وأماكن من الجسد.
ما السبيل للخروج من هذا الكابوس ؟
1- تظافر الجهود: فكل الساكنة تجمع على أنه إذا تظافرت الجهود سيتم القضاء على هذا الواقع المخزي، فرجل الأمن من خلال وظيفته والمواطن عبر معلوماته التي يمكن أن يساعد بها.
2- القضاء على أوكار بيع المخدرات والخمور والأقراص المهلوسة: لا يكاد يخلو حي من أحياء المدينة إلا ونجد فيه شخصا أو شخصين ممن يبيع المخدرات أو الخمور رغم مجهودات رجال الأمن التي لا تكفي، حيث أن الوضع يزداد من السيء إلى الأسوء، فكلما ألقي القبض على فرد أو فردين يظهر مروجون جدد تتناسلهم أوكار الجريمة، وهؤلاء من العوامل الأساسية في تفاقم وكثرة الجرائم إذ من المعروف في الوسط المراكشي أن أغلب مرتكبي الجرائم من المدمنين على الخمور والمخدرات.
3- تأهيل عناصر الأمن وتدريبهم على كيفية مواجهة المجرمين: إذ معظم رجال الأمن عندما يضبطون مجرما حاملا سيفه، فإنهم لا يجرؤون على القبض عليه، و إن أقدموا على فعل ذلك فإنهم يعلمون أنهم يعرضون حياتهم للخطر، وحال الشرطي الذي قتل بحي لكحيلي بمنطقة سيدي يوسف شاهد على ذلك.
4- توفير الإمكانيات والعناصر اللوجستيكية والبشرية لرجل الأمن حتى يكون قادرا على مجابهة الجريمة.
5- دور الدعاة و الإعلام المرئي والمكتوب وخطباء الجمعة في توعية الناس بخطورة الإجرام وتعاطي المخدرات والظلم والتعدي على الغير، فكم من شاب تحوَّل من مجرم محترف إلى مواطن صالح بسبب مقال قرأه أو كتاب تصفحه أو موعظة سمعها.
6- توعية السجناء: تخصيص السجناء بدورات علمية منتظمة ومستمرة يقوم بها دعاة ومصلحون اجتماعيون وأطباء نفسانيون، القصد منها توجيه وتوعية ووعظ السجناء، فكم من سجين دخل السجن بجنحة صغيرة فخرج منه متعلما أنواعا كثيرة من فن الإجرام، ولو كان استفاد من دروس الوعظ والتوجيه والتوعية بشكل منتظم ومستمر لخرج السجين يوم يخرج رجلا آخر، ومواطنا صالحا قد تاب وآب ورجع إلى العزيز الوهاب، قال تعالى: “قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ” سورة الزمر.
أخيرا، وإذ ننتقد عمل رجال الأمن في مدينة مراكش فليس المقصود الطعن، فنحن نعلم علم يقين أن في المدينة من رجال الأمن رؤساء ومرؤوسين من له حنكة وغيرة وحرص على أمن وسلامة المواطن المراكشي، ولكن حتى ننبه أولئك الذين تهمهم مصلحتهم وما يدخل جيوبهم على مصلحة وأمن وصحة المواطن، كان لزاما على الغيورين والصادقين في الجسم الأمني بمراكش رؤساء ومرؤوسين أن يصلحوا أو يفضحوا المنتفعين المشجعين على الجريمة والإجرام.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *