د. عصام المراكشي*: إذا نسفت الهوية الإسلامية فلن يعود ذلك بالنفع على أحد
سادت مؤخرا في جل المجتمعات الإسلامية موجةُ تشكيك في التراث، وأصوله ورموزه وأعلامه، ورفعَ متزعمو هذه الحملة، للتسويق لأفكارهم، شعار العلم واحترام العقل والتطور الذي وصلت إليه البشرية اليوم، واعتبروا أن كثيرا من النصوص الشرعية تعارض العلم التجريبي الحديث. وبالنظر إلى سرعة نقل الأفكار عبر وسائل الاتصال الحديثة فقد تأثر بهذه الموجة عدد غير قليل من الشباب وغيرهم.
فما هي يا ترى دوافع هذه الحملة التشكيكة؟ وكيف يمكن أن نتعامل معها؟
بسم الله والحمد لله وصلى الله على رسول الله، التشكيك في التراث مبني على التباس في المفهوم والتراث مفهوم حمال أوجه في الحقيقة، فهو يمكن أن يشمل نصوص الوحي أو بعض نصوص الوحي أو يمكن أن يشمل أقوال العلماء والفقهاء من المتقدمين أو من المتأخرين، فلما كان التراث الذي هو الإرث العلمي والثقافي للأمة يشمل هذا كله فإنه يمكن لأي أحد أن يدعي أنه يريد تنقيح التراث أو يشكك في التراث ثم يتطرق إلى التشكيك في هذا المفهوم الملتبس إلى طعن في ثوابت الأمة.
فيمكن أن يقول أنا أشك في التراث ويعطينا مجموعة من الأمثلة من أشياء يمكننا أن نوافقه عليها لكن حين يرسخ المفهوم في أذهان الناس، فإنه بعدئذ يمكن أن يبدأ في التشكيك في نصوص الوحي ذاتها أو في قطعيات الدين المبنية على إجماعات يقينية مأخوذة من النصوص.
إذن هذا هو الإشكال الحقيقي لتنقيح التراث أو التشكيك فيه لأننا نحن لا نمانع مبدئيا في تنقيح بعض المظاهر من التراث لأن التراث عندنا ليس مقدسا من حيث هو لأن فيه مجالات مقدسة وأخرى غير مقدسة. وهذه الحملة الذي يميزها عن الحملات السابقة، أزعم أن المضمون واحد تقريبا فأنا لا أكاد أعرف شبهة عصرية غير موجودة إما في كتابات المستشرقين وإما في كتابات من قبلهم من الزنادقة الذين وجدوا في تاريخ الأمة.
الذي تغير أمران، رغم أن المضمون واحد. أولا، الأسلوب، لذلك نجدهم يأخذون شبهات المستشرقين ويعيدون صياغتها بما يلائم الذهنية المعاصرة. ثانيا، جرأة المعاصرين أكثر من الأقدمين.
وهل ما تطرحه من معطيات علمية تناقض فعلا الحقائق الشرعية؟
هذا يذكرني بقضية قديمة اسمها تعارض العقل والنقل وقد تكلم فيها العلماء كثيرا، شيخ الاسلام ابن تيمية انفصل من الإشكال كله بأن ينظر في مرتبة اليقين والظن بمعنى أنه يقول لا يمكن ان يوجد عقل يقيني مخالف لنقل يقيني لكن يمكن ان يقع الخلاف في المراتب الأخرى، ظني مع ظني، أو يقيني في النقل مع ظني في العقل أو العكس أما يقيني هنا ويقيني هناك فلا يمكن، بعبارة أخرى هذا الذي يسميه “لا يمكن أن يوجد تعارض بين العقل الصريح والنقل الصحيح”، فإذا وجد اليقين هنا وهناك لا يمكن ان يتصور التعارض، فكذلك نحن تقول في قضية العلم: لا يمكن ان توجد حقيقة علمية راسخة تعارض نصا او حكما يقينيا.
مثلا عند بعض المعاصرين الجهلة أنهم يقولون بأن القرآن يخالف كروية الأرض أو السنة أيضا، فنحن نقول كروية الأرض نعتقد أنها كروية الشكل وبالتالي لا يمكن أن يوجد في القرآن والسنة اليقينيين القطعيين ما يخالف الحقيقة، ثم ننظر في كلام العلماء المتقدمين فنجد أنه حكي الإجماع بغض النظر عن صحته أم لا بأن الأرض كروية، وهذا منذ زمان.
بعبارة أخرى أنت ترى الحقيقة العلمية حين تكون حقيقة فعلا لا مجرد نظرية فلا تعارض يقينيات الشرع في هذا المثال الذي ذكر، لكن من الأشياء الخطيرة التي تقع هي أنهم يعمدون إلى بعض التفسيرات العصرية لآيات قرآنية أو أحاديث نبوية في إطار ما يسمى الإعجاز العلمي فيقولون انظروا الى هذا الذي يقوله العلماء المسلمون، يخالف الحقائق العلمية، وهنا أقول لا إشكال عندي لو سقط الإعجاز علمي كليا فهذا لا يؤثر في القرآن والسنة والتراث.
ما هو دور المؤسسات الدينية الرسمية وغيرها لوقاية الشباب بصفة خاصة والمجتمعِ بصفة عامة من خطر هذا الانحراف الفكري والعقدي؟
في الحقيقة هذا ليس خاصا بالجهات الدينية الرسمية عندنا، لكن الأمر “عالمي” خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر، صارت جميع دول العالم بمؤسساتها الدينية والثقافية مطالبة بأن تعمل في اتجاه محاربة التطرف وما يسمونه الإرهاب، ومؤسساتنا تشتغل في نفس السياق، على هذه المؤسسات ان تستحضر معنى مهما وهو أن الهوية الدينية هي اللحمة الجامعة بين أفراد هذا الشعب المغربي، وهو شعب مسلم. وإذا نسفت هذه الهوية فلن يعود ذلك بالنفع على هذه المؤسسات بل سيكون الأمر خطيرا أكثر من الارهاب والتطرف.
ولذلك التشكيك في التراث هو جزء من حملة تستهدف الإسلام بشكل أكبر. القضية ليست في التشكيك بالتراث، هم لا يستطيعون مصادمته ويعرفون أن الشريعة مقدسة عند عموم المسلمين فلذلك يتحدثون عن التراث ويحاولن أن يمروا من هذه الحيثية فإذا نسف التراث فإن ذلك سيعود على الهوية الإسلامية للأمة وهذا ليس من مصلحة أحد في هذا البلد.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
*مدير مركز إرشاد للدراسات والتكوين