باقي الموارد الجبائية الثابتة والدورية إبراهيم بوحمرة

النظام الجبائي المالي في الإسلام

إضافة إلى مورد الزكاة الأساسي تتنوع الموارد الجبائية لبيت مال المسلمين، وتتسم بالدورية والانتظام، ويتكرر ورودها في الميزانية العامة للدولة الإسلامية، وتتولى الدولة جبايتها، لذلك فهي تشكل إلى جانب الزكاة أهم الموارد المالية لبيت مال المسلمين وتتكون من الجزية والخراج والعشور.
أولا: الجزية
تتحمل الدولة الإسلامية الكثير من الأعباء والتكاليف الكثيرة في سبيل توفير الحماية الكريمة لرعاياها من المسلمين وغيرهم، حيث توفر لهم الأمن والحماية والاستقرار وغيرها من الخدمات الأخرى، فليس من العدل أن يكلف المسلمون فقط في الإسهام في هذه التكاليف عن طريق دفع الزكاة دون أن يكلف غيرهم من الكفار في الإسهام في هذه التكاليف، لذا فقد فرض الإسلام على غير المسلمين دفع الجزية كإسهام منهم في تحمل جزء من هذه التكاليف والتي يحصلون في مقابلها على كثير من الحقوق والمنافع في ظل الدولة الإسلامية منها عدم التعرض لهم والإقامة في دار الإسلام ينتفعون بما ينتفع به المسلمون من خدمات ومرافق عامة بالإضافة إلى حمايتهم وعدم اشتراكهم في القتال مع المسلمين ضد الأعداء(1 ).
1- تعريف الجزية في اللغة والاصطلاح الشرعي
تعريفها في اللغة:
قال في المقاييس “الجيم والزاي والياء قيام الشيء مقام غيره ومكافأته إياه”(2 ).
“الجزية بالكسر: خراج الأرض وما يخرج من الذمي”(3 ).
وهي بمعنى “الجزاء والمكافأة على الشيء، والجزاء يكون ثوابا وعقابا( 4) ويؤكد هذا المعنى صاحب الأحكام السلطانية بقوله “الجزية: اسمها مشتق من الجزاء، إما جزاء على كفرهم، لأخذها منهم صغارا، وإما جزاء على أماننا لهم، لأخذها منهم رفقا”(5 ).
تعريفها في الاصطلاح الشرعي:
“الجزية مبلغ من المال يفرض على فئات معينة من أهل الذمة إما صلحا وإما قهرا”( 6).
وقيل: “هي الخراج المجعول على رأس الذمي، كأنه جزاء للمن عليه بالإعفاء من القتل، أو إكراهه على الإسلام”( 7).

وقيل: “هي الوظيفة المأخوذة من الكافر لإقامته بدار الإسلام في كل عام”(8 ).
2- حكمها الشرعي:
هي ثابتة بالكتاب والسنة والإجماع(9 ).
أما الكتاب فقوله تعالى: قاتلوا الذين لا يومنون بالله ولا باليوم الاخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون سورة التوبة: 30، قال ابن العربي في تفسير قوله تعالى: حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون: “للفرق بين ما يؤدى عقوبة وهي الجزية، وبين ما يؤدى طهرة وقربة وهي الصدقة”( 10)، وقال القرطبي في نفس السياق: “فجعل يد المعطي في الصدقة عليا، وجعل يد المعطي في الجزية سفلى…، ذلك بأنه الرافع الخافض يرفع من يشاء ويخفض من يشاء ولا إله غيره”(11).
وأما السنة فما روى المغيرة بن شعبة أنه قال لجند كسرى يوم نهاوند: أمرنا نبينا رسول الله  أن نقاتلكم حتى تعبدوا الله وحده أو تؤدوا الجزية…”( 12). فجاء الأمر بقتالهم وأجمع المسلمون على جواز أخذ الجزية في الجملة(13 ).
وهي فريضة شخصية تفرض على رؤوس غير المسلمين المقيمين في بلاد الإسلام “وهي واجبة على جميع أهل الذمة… من اليهود والنصارى والمجوس… وإنما تجب الجزية على الرجال منهم دون النساء والصبيان”(14 ).
وتعتبر الجزية من الإيرادات العامة الدورية للدولة الإسلامية لأنها تجبى من أهل الذمة كل سنة، لذا فهي من الإيرادات العادية للدولة الإسلامية التي تعتمد عليها في تمويل نفقاتها العامة.
والجزية غير محددة المقدار شرعا، مما يترك المجال للدولة الإسلامية لزيادته أو نقصانه متى ما رأت المصلحة في ذلك، بحيث تُقدّر طبقا لطاقة أهل الذمة وحاجة الدولة(15 ).
ثانيا: الخـراج.
1- تعريف الخراج في اللغة والاصطلاح الشرعي:
تعريفه في اللغة: يطلق في اللغة على الإتاوة( 16) الكراء(17 ).
تعريفه في الاصطلاح الشرعي: هو ما وضع على رقاب الأرض من حقوق تؤدى عنها( 18) وهو الفريضة التي فرضها الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه على الأراضي الزراعية المفتوحة، عندما رأى عدم قسمتها وتوزيعها بين الفاتحين، وإبقائها وقفا على جميع المسلمين، على أن يضرب عليها خراجا معلوما تستخدمه الدولة في تمويل نفقاتها العامة التي زادت وتوسعت مع زيادة واتساع الفتوحات وأراضي الدولة الإسلامية.
2- أسس تقدير الخراج:
يأخذ الإمام عدة أمور بعين الاعتبار في تقدير الخراج على الأرض منها:
أ- ما يختص بالأرض من جودة ورداءة وخصوبة يزيد بها ريعها.
ب- ما يختص بالزرع من اختلاف أنواعه من الحبوب والثمار، فمنها ما يكثر ثمنه، وما يقل ثمنه فيكون الخراج بحسبه.
ج- ما يختص بالسقي والشرب لأن ما التزم المؤنة في سقيه بالنواضح والدوالي، لا يحتمل من الخراج ما يحتمله سقي السيوح والأمطار(19 ).
وتبرز الأهمية المالية للخراج فيما يلي:
– غزارة ووفرة حصيلته: فقد كانت حصيلة الخراج وفيرة لدرجة أن الدولة الإسلامية كانت تعتمد عليه أساسا في تمويل نفقاتها العامة.
وقد بلغت حصيلة الخراج على عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب مائة ألف ألف درهم (مائة مليون درهم) (20).
– مرونته إذ كانت للدولة الإسلامية الحرية في زيادة أو تخفيض مقدار الخراج حسب الأراضي والمنتوجات الزراعية.
والخراج المفروض في عهد عمر بن الخطاب هو الذي يجب على الأرض سنويا، بما يفيد أن هذا المورد يعتبر إيرادا ماليا سنويا ثابتا للدولة الإسلامية تستخدمه الدولة في تغطية نفقاتها العامة.
ثالثا: العشــور:
العشور هي الفريضة المالية التي فرضها الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه على التجار المسلمين وغيرهم على أموالهم المعدة للتجارة في مقابل ما ينتفعون به من مرافق وخدمات عامة كالطرق والموانئ والحماية والأمن وغيرها من الخدمات تقدمها الدولة عند تنقلهم في بلاد الإسلام.
1- تعريف العشور في اللغة والاصطلاح الشرعي:
تعريفه في اللغة: عشرت القوم أخذت عشر أموالهم(21 ) جمع عشر، عشر أموال أهل الذمة في التجارات( 22).

تعريفه في الاصطلاح الشرعي: هي شرعا: القدر المأخوذ من تجار أهل الحرب إذا دخلوا دار الإسلام(23 ).
– والعشور التي تفرض على الذمي في أمواله التجارية التي ينتقل بها من بلد لآخر داخل الإسلام مقدارها نصف العشر، وأما التي تفرض على الحربي في أمواله التجارية التي يدخل بها بلاد الإسلام مقدارها العشر… وأما التاجر المسلم فإن الذي يؤخذ منه هو زكاة تجارية فقط لأن المسلم لا يعشر… وهي لا تؤخذ في السنة إلا مرة واحدة(24 ).
2- أهمية العشـور:
للعشور أهمية مالية كبيرة، فهي إيراد عام سنوي ودوري تحصله الدولة كل سنة تستطيع من خلاله تمويل بعض نفقاتها العامة مما يجعله من الإيرادات الأساسية التي تعتمد عليه الدولة في تمويل نفقاتها العامة كما يتميز هذا المورد بمرونته حيث يجوز للدولة متى ما دعت الحاجة إلى زيادة الفريضة أو تخفيضها كما فعل الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع تجار النبط الذين كانوا ينقلون المواد الأساسية مثل القمح للمدينة. فقد روى الإمام مالك عن ابن شهاب أن عمر بن الخطاب “كان يأخذ من النبط من الحنطة والزيت نصف العشر، يريد بذلك أن يكثر الحمل إلى المدينة ويأخذ من القطنية العشر”(25 ).
والعشور في وقتنا الحالي تقابل ما يسمى بالضريبة الجمركية التي تفرض على الأموال التجارية، وهي بهذا اللفظ لا تظهر في الموازنة العامة الحديثة للدول الإسلامية لأنها استبدلت وأدخلت ضمن ما يسمى بالضرائب الجمركية(26 ).
———————————–
(1 ) المدخل إلى المالية العامة الإسلامية للدكتور وليد خالد الشايجي، ص:56.
(2 ) معجم مقاييس اللغة لابن فارس: ( 1/ 233)
(3 ) القاموس المحيط للفيروزآبادي( : 4/ 289)
(4 ) لسان العرب لابن منظور ج ص، ( 3/ 143)مختار الصحاح للرازي، ص:65.
(5 ) الأحكام السلطانية للماوردي، ص:163.
(6 ) بداية المجتهد ونهاية المقتصد لابن رشد القرطبي، ص:779.
(7 ) نظام الحكومة النبوية المسمى التراتيب الإدارية للكتاني،ص:424.
(8 ) المغني لابن قدامة : ( 12/ 655)
(9 ) المصدر نفسه.
(10 ) أحكام القرآن لابن العربي : ( 2/ 391)
(11 ) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي : ( 4/ 458)
(12 ) صحيح البخاري كتاب الجزية والموادعة: باب الجزية والموادعة مع أهل الذمة والحرب : ( 2/ 92)
(13 ) المغني لابن قدامة : ( 12/ 656)
(14 ) كتاب الخراج لأبي يوسف، ص:404.
(15 ) المغني لابن قدامة : ( 12 /663 )
(16 ) معجم المقاييس لابن فارس : (1/ 356)، ولسان العرب لابن منظور : ( 5/ 40) ومختار الصحاح للرازي ص102، والقاموس المحيط للفيروزآبادي : ( 4 / 291)
(17 ) كتاب الأموال لأبي عبيد ص138، والأحكام السلطانية للماوردي ص168.
(18 ) الأحكام السلطانية للماوردي ص:167، وكتاب الخراج لأبي يوسف ص:147.
(19 ) الأحكام السلطانية للماوردي، ص:170.
(20 ) كتاب الخراج لأبي يوسف، ص:148.
(21 ) معجم المقاييس لابن فارس : ( 2 / 269) مختار الصحاح للرازي ص: 243.
(22 ) لسان العرب لابن منظور 🙁 10 / 157)
(23 ) كتاب الخراج لأبي يوسف، ص: 429.
(24 ) كتاب الخراج لأبي يوسف، ص:428 وكتاب الأموال لأبي عبيد ، ص: 502.
(25 ) الموطأ للإمام مالك كتاب الزكاة: باب عشور أهل الذمة، : ( 2/ 399)
(26 ) المدخل إلى المالية العامة الإسلامية للدكتور وليد خالد الشايجي ص: 60.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *