دراسات في العقيدة.. أبو الحسن الأشعري وعلاقته بالعقيدة السلفية محمد أبوالفتح

يسعى بعضُ أعداءِ الدعوة السلفية في المغرب إلى إظهارها على أنها دعوةٌ دخيلةٌ على الأمة المغربية، ومن ذلك ادعاؤُهم أنها دعوةٌ مخالفةٌ لعقيدةِ أبي الحسن الأشعري، الذي اختاره المغاربةُ إماماً لهم في باب الاعتقاد.

فمن هو أبو الحسن الأشعري؟ وما هي عقيدته؟ وما علاقتها بالعقيدة السلفية؟

تعريف موجز بأبي الحسن الأشعري
أما أبو الحسن الأشعري فهو: علي بن إسماعيل بن إسحاق، ينتهي نسبه إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، بَصْرِيٌّ سكن بغداد، ولد سنة 260هـ.
أخذ الحديثَ عن زكريا الساجي، وأبي خليفة الجمحي، وسهل بن نوح، ومحمد بن يعقوب المقرئ، وعبد الرحمن بن خلف الضبي، وتفقه على أبى إسحاق المروزي.
نقل الخطيب عن أبي محمد بن حزم أن مصنفاته بلغت خمسا وخمسين مصنفا (تاريخ بغداد 11/346)، وَرَدَّ عليه ابنُ عساكر فقال: “قد ترك ابن حزم من عدد مصنفاته أكثر من مقدار النصف، وذكرها أبو بكر بن فورك مسماة تزيد على الضعف” (تبيين كذب المفتري ص:92)، ومن أشهر مؤلفاته وأنفعها في نصرة عقيدة السلف: «الإبانة»، و«مقالات الإسلاميين»، و«رسالة إلى أهل الثغر». توفي رحمه الله سنة 324هـ.

عقيدة أبي الحسن الأشعري
كان الأشعري في أول أمره على مذهب المعتزلة، متأثرا بعلم الكلام المذموم، الذي أخذه عن زوج أمه أبي علي الجبائي شيخ المعتزلة في زمانه، ثم تاب من الاعتزال، وصنف التصانيف في الرد على أصحابه.
قال الحافظ ابن عساكر الدمشقي في كتابه «تبيين كذب المفتري» (ص:39) نقلا عن ابن عزرة قوله: “الأشعري شيخنا وإمامنا، ومن عليه معولنا، قام على مذاهب المعتزلة أربعين سنة، وكان لهم إماما، ثم غاب عن الناس في بيته خمسة عشر يوما، فبعد ذلك خرج إلى الجامع، فصعد المنبر، وقال: معاشر الناس! إني إنما تغيبت عنكم في هذه المدة؛ لأني نظرت فتكافأت عندي الأدلة، ولم يترجح عندي حق على باطل، ولا باطل على حق، فاستهديت الله تبارك وتعالى، فهداني إلى اعتقاد ما أودعته في كتبي هذه، وانخلعت من جميع ما كنت أعتقده، كما انخلعت من ثوبي هذا، وانخلع من ثوب كان عليه، ورمى به”.
وقد ذكر رجوع الأشعري عن الاعتزال جمعٌ من أهل العلم منهم: ابن عساكر كما تقدم في «تبيين كذب المفتري» (ص:39)، والسبكي في «الطبقات الكبرى» (3/219-220)، وابن خلكان في «وفيات الأعيان» (3/285)، والذهبي في «تاريخ الإسلام» (24/154)، وابن فرحون المالكي في «الديباج المذهب» (ص:112)، وغيرهم.
وقال ابن كثير فما نقله عنه المرتضى الزبيدي في كتابه «إتحاف السادة المتقين بشرح أسرار إحياء علوم الدين» (2/3): “ذكروا للشيخ أبي الحسن الأشعري ثلاثة أحوال:
– أولها: حال الاعتزال التي رجع عنها ولا محالة.
– والحال الثاني: إثبات الصفات العقلية -وهي: الحياة، والعلم، والقدرة، والإرادة، والسمع، والبصر، والكلام- وتأويل الخبرية كالوجه واليدين..
– الحال الثالث: إثبات ذلك كله، من غير تكييف ولا تشبيه، جرياً على منوال السلف، وهي طريقته في الإبانة التي صنفها آخراً”.
وقد صحت نسبة كتاب «الإبانة» إلى الأشعري خلافا لما زعمه المنكرون، فقد نسبه إليه جمع من أهل العلم منهم: ابن عساكر في «تبيين كذب المفتري» (ص:388)، والبيهقي في «الاعتقاد» (108)، والسبكي في «الطبقات الكبرى» (1/97)، وابن تيمية في «بيان تلبيس الجهمية» (2/334) وفي غيره من كتبه، وابن قيم الجوزية في كتابه «اجتماع الجيوش الاسلامية» (182)، وقال في أحكام أهل الذمة (2/1138): “اتفق أصحابه على أنه تأليفه، وذكره ابن فورك، وذكره أبو القاسم ابن عساكر في تصانيفه”، وكذا نسبه إليه الذهبي في تاريخ الإسلام (24/157)، وابن العماد الحنبلي في شذرات الذهب (2/300) وقال: “هو آخر كتاب صنفه”، وكذا نسبه إليه المرتضى الزبيدي الحنفي في كتابه «إتحاف السادة المتقين بشرح أسرار إحياء علوم الدين» (2/3)، وابن فرحون المالكي في «الديباج» (112)، وغيرهم من أهل العلم من مختلف المذاهب الفقهية.

علاقة عقيدة الأشعري بالعقيدة السلفية
عقيدة الأشعري التي مات عليها هي عقيدة الإمام مالك، والإمام أحمد وغيرهم من أهل السنة، وليس بين هؤلاء الأئمة خلاف في الأصول، وإنما حصل بينهم خلاف في الفروع الفقهية. ولكن أعداء السنة يحاولون خلق خلاف وهمي بين الحنابلة والمالكية وغيرهم في باب الاعتقاد، طعنا في الدين، وسعيا منهم لتفرقة كلمة المسلمين.
فهذا أبو الحسن الأشعري يصرح في كتابه «الإبانة» (ص:20) بأنه على عقيدة الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله، حيث قال: “قولنا الذي نقول به وديانتنا التي ندين بها التمسك بكتاب ربنا عز وجل وسنة نبينا عليه السلام وما رُوي عن الصحابة والتابعين وأئمة الحديث، ونحن بذلك معتصمون، وبما كان يقول به أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل نضر الله وجهه ورفع درجته وأجزل مثوبته قائلون، ولما خالف قوله مخالفون لأنه الإمام الفاضل والرئيس الكامل الذي أبان الله به الحق ورفع به الضلال وأوضح به المنهاج وقمع به بدع المبتدعين وزيغ الزائغين وشك الشاكين فرحمة الله عليه من إمام مقدم وجليل معظم مفخم”.
وقال تاج الدين السبكي في «طبقات الشافعية الكبرى» (4/127 ): “أبو الحسن الأشعري كبير أهل السنة بعد الإمام أحمد بن حنبل، وعقيدته وعقيدة الإمام أحمد رحمة الله واحدة، لاشك في ذلك ولا ارتياب، وبه صرح الأشعري في تصانيفه، وذكره غير ما مرة، من أن عقيدتي هي عقيدة الإمام المبجل أحمد بن حنبل، هذه عبارة الشيخ أبي الحسن في غير موضع من كلامه”.
فإذا كان أبو الحسن الأشعري قد مات على عقيدة الإمام أحمد، والتي هي نفسها عقيدة الإمام مالك وغيره من أئمة السنة، فلماذا يحاول بعض الناس الطعنَ في عقيدة الحنابلة ووصفها بالوهابية، وخلقَ عداوة وقطيعة بين أبي الحسن الأشعري وإمامه -الإمام أحمد- الذي ينتسب إليه في باب الاعتقاد؟
وإنما انتسب إلى الإمام أحمد -دون غيره من أئمة السنة كالإمام مالك- لأن الإمام أحمد اشتهر بالرد على الجهمية وغيرهم من أهل البدع الذين ظهروا في زمانه وقويت شوكتهم، فلما تصدى لهم رحمه الله بقلمه ولسانه، وثبت في محنة خلق القرآن حتى أظهر الله السنة على يده، وقمع به البدعة؛ صار الانتساب إليه انتسابا إلى السنة، وصار الطعن فيه شعارا لأهل البدع؛ لذلك انتسب إليه الأشعري رحمه الله في باب الاعتقاد مع أنه لم يكن حنبليا في الفروع.
نسأل الله تعالى أن يؤلف بين المسلمين، وأن يجمعهم على الكتاب والسنة، وأن يكفيهم شر من يريد أن يفرق كلمتهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *