«بالعدل» نصنع الأمجاد ونحقق الأهداف.. هكذا فعل عمر الحسين باروش

لا تنطلق التربية من فراغ في بناء مناهجها سواء تعلق الأمر بمضامينها أو أهدافها أو طرقها البيداغوجية أو أنشطتها التربوية، ذلك أن التربية هي فعل قصدي ومقاصدي، لذلك فهي شاءت أم أبت تصدر عن إطار معرفي معين متعدد أو أحادي الأصول، وأيا كان هذا الإطار المعرفي فهو مسكون بقيم ما، لبسته وتلبس بها، كيف لا وواجب التربية أصلا هو ضمان البقاء للنظام السائد وتكوين المواطن الصالح له؛ أو ليس فعل رب أو ربا مسكون بالقيم غارق فيها؟ أو ليست أهداف التربية كلها قيما إما عليا أو أداتية؟ وإذا كان الأمر كذلك فإن المرء مدفوع لا محالة للتساؤل عن دور التربية على القيم في سيرورة التطور في مغربنا المعاصر؟.[1]
إن امتثال القيم في حياتنا اليومية ضرورة ملحة للرقي بسلوكات الإنسان، وهذا الأمر موجود وحاضر بقوة في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وفي سيرة الصحابة رضوان الله عليهم، ومن الشخصيات التي اخترتها في هذا المقال القليل الذكر عظيم الشخصية ألا وهي شخصية الخليفة الراشد عمر ابن الخطاب الفاروق رضي الله عنه الذي فرق به الله عز وجل بين الحق والباطل، والذي يعتبر فترة حكمه ملحمة تاريخية مهمة أبدع فيها الوفاء لحكمه ولأمته، فكان نعم الرجل الصادق الصدوق، ولعل حياته مليئة بالقيم التي لا بد أن تكون لنا نبراسا في حياتنا، توفي وعمره 63 سنة، فقد رضي الله عنه رجلا طويلا جسيما أصلع أسمر وكان من فرط طوله يركب الدابة ويرفع رجليه عن الأرض، ولذا كان يقال له الراجل الراكب، وكان نقش خاتمه «كفى بالموت واعظا يا عمر».
إن حياة الفاروق عمر رضي الله عنه إنما هي قدوة للدعاة، والعلماء، والساسة، ورجال الفكر، وقادة الجيوش، وحكام الأمة، وطلاب العلم، وعامة الناس، لعلهم يستفيدون بها في حياتهم، ويقتدون بها في أعمالهم، فيكرمهم الله بالفوز في الدارين.
إن حياة عمر بن الخطاب رضي الله عنه تمثل نموذجا في غاية الروعة لمن يريد أن يصنع مجدا، أو يحقق هدفا، أو يغيّر من حياته إلى الأحسن، ونحن إذ نعيش دقائق من حياتنا مع هذا العملاق العظيم عمر بن الخطاب رضي الله عنه، يجدر بنا أن نضع نصب أعيينا هدفا واضحا نحاول تحقيقه، بل وننتقل من حياة الترف والبذخ والتنافس في الدون؛ إلى حياة الجد والاجتهاد والتسابق إلى النعيم الدائم، والعيش الرغد، بل إن تربية أولادنا على هذه القيم الإسلامية النبيلة التي لطالما اكتسبناها كفيل بالرقي في كل المجالات، فقد قال رسول الله عليه وسلم: “لقد كان فيما كان قبلكم من الأمم ناس محدثون، فإن يكن في أمتي أحد فإنه عمر”، فهذه شهادة من النبي صلى الله عليه وسلم لعمر ابن الخطاب الذي يصادق قوله كلام الوحي.
فكان من أول القيم التي قد نستمدها من هذه الشخصية الفذة:
قيمة العدل؛ فلا يمكن الحديث عن هذه القيمة المركزية التي يتوجب على كل إنسان أن يمتثل لها ويلبسها في سلوكاته وتعامله مع الآخر، لا يمكن أن نتلفظ بكلمة وقيمة العدل إلا ويذكر معها عمر والعكس، وهذا الأمر جليّ في كتب السلف الصالح، وقد شاع على ألسنة الخلف والسلف قولهم في عهد عمر رعت الذئاب الغنم من كثرة عدله فكان يعدل بين رعيه، وصدق فيه كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته»، فلم يقتصر الفاروق رضي الله عنه بهذه القيمة لنفسه بل تعامل بها مع غيره سواء المسلمين منهم أو المشركين فهذه الشخصية النيّرة كان لا يُظلم عنده أحد، وهذا ما أشار إليه في أول خطبته عند توليه الخلافة، وهناك أمثلة كثيرة في حياته رضي الله عنه تجسد لنا هذه القيمة ومن الأمثلة على ذلك:
حينما كان هناك سباق في مصر وولي مصر هم عمر بن العاص شارك فيه المسلمون والأقباط سباق للخيول، وكان من ضمن المشاركين ابن الوالي فسبق قبطي من الأقباط (غير المسلمين)، فغضب ابن الوالي أن القبطي قد سبقه فأخذ السوط فضربه فقال له خذها مني وأنا ابن الأكرمين، فسافر القبطي من مصر إلى المدينة ليشكوا مظلمته إلى عمر رضي الله عنه، فلما وصل الخبر إلى عمر كتب إلى واليه وقال له إن وصلك كتابي هذا فأتني أنت وولدك، فجاء عمرو بن العاص ومعه ولده، فوقف بين يدي عمر أول ما وقف أخذ عمر رضي الله عنه السوط وأعطاه للقبطي وقال اضرب من ضربك فضربه، ثم قال لعمرو بن العاص أزل عمامتك، فأزال عمرو بن العاص عمامته والصحابة ينظرون، قال للرجل القبطي اجلدها على صلعة عمرو، فقال الرجل لقد ضربت من ضربني يا أمير المؤمنين، فقال اجلدها على صلعة عمرو إنما ضربك بسلطان أبيه، ثم التفت عمر ابن الخطاب إلى عمرو بن العاص وقال قولته الخالدة يا عمرو «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا».
فهذه القصة وما تحتويها من قيم عليا كان لزاما علينا أن نرفع راية الإسلام الذي ينشر العدل والحرية في كل زمان ومكان، وقد قال عمر رضي الله عنه هذه القولة قبل قرون من الزمن والآن أصبحت المنظمات الدولية لحقوق الإنسان تتبجح بمفهوم العدل وغيره من القيم، وهو وارد في أول بند لهم وفيه «يولد جميع الناس أحرارا متساوين في الحقوق»، فلا يجوز أن نرجع لهذه المنظمات ونستند إليها وفي ديننا هي أصل أصيل فيه، وكما قيل أن كل يغني بهذه القيم وغيرها لكن تنزيلها يكون كل على حسب هواه، فسيرة عمر ابن الخطاب الذي اقترنت قيمه بتصرفاته اتجاه غيره فرحمة الله عليه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] مركز الدراسات والأبحاث في القيم، أجرى الحوار الأستاذ عبد الخالق بدري مع الأستاذ عبد الجليل أميم. http://alqiam.ma/Article.aspx?C=5657

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *