خيرية ثريد الإسلام على عصيد المنافقين واللئام عبد المغيث موحد

دخل العرب في دين الإسلام أفواجا، فهيأ لهم هذا الولوج العروج في مدارج العز والكرامة التي أذابت مقوماتها العقدية صلب العصبيات التي أنهكت قضاياها الصاغرة قوتهم وبددت تماسك جنسهم حينا من الدهر، واليوم بعد أن منّ الله عليهم بهذه الرسالة العصماء، التي ألَّف الله بها بين القلوب المتنافرة، فحوّل تسلطها بتهور إلى شجاعة يعقلها العدل، وبدّل نعرة اعتزازها بجاهليتها إلى اعتداد بالحق واستبشار بلوازمه، وأخرجها من ضيق القبلية إلى رحابة الأممية، لتصير أمة ذات خصائص كريمة تصبوا إلى نشر تراثها بالعرض والفرض في زوايا من الأرض سحيقة.

وإذا كان الناس معادن كما يقال، فإن العرب لا يخرجون عن كونهم من الناس، غير أن هذا الدين العظيم قد هذّب معدنهم، وصقل أشابة مادتهم، فإذا هم بعد ردهة من الزمن يطوفون بالمعمور من أرض الله، يحملون هذا النور لينقذوا به عباد النار والأشجار والأحجار والأغيار، وليخرجوهم من أرحام الذل ودياجير الظلم إلى محجة النور ورحمانية العدل، فهم بعد هذا الفتح والاصطفاء الرباني كانوا خير أمة أخرجت للناس، يعلمون الحق ويرحمون به الخلق.
ولا يفوتنا أن نذكر بعمد أننا كعرب كنا على شر وجاهلية فأنقذنا الله بهذا الدين، فمتى ما حصل انفكاك بين هذا التلازم المبارك، فرمنا العزة خارج دائرة النفيس، سلّط الله علينا ذلا لا ينزعه عنا حتى نعود إلى النهل من معين هذا الدين خلفا عن سلف، فلا يعود ينفعنا بعد هذا الانسلاخ؛ لساننا العربي المبين وقوميتنا العاربة ورحلة أجداد الجاهلية رحلة الشتاء والصيف، إننا بهذا الاستدراك العمدي نريد أن نقطع الطريق عن الذين ما فتئوا يرمون لغتنا العربية بلغة الجمود والخشبية من أحفاد كسيلة، الذين غلت مراجلهم بالنقد والحقد بعدما تحركت عصبياتهم المكبوتة، وتفلتت خواطرهم من رباط الدين وعصمة التزامه، لترتمي في أحضان الخرافات والأساطير ذات الأسانيد المترهلة؛ أسانيد لا تخرج عن: قال زعزعة لزوبعة: “بلغنا أن شيشونغ هزم مجهولا من الفراعنة في معركة سينية العدد والاسم، مبهمة الأسباب والمقاصد”، وفجأة صار لزعزعة سند من ذهب، وصار لزوبعة عرض وطلب، فاستعاض الذين ولغوا من لبان الفتنة اليوم عن سنة الهجرة وتأريخها العمري المبارك، بسنة لا يلقى لها بال ولا يدرى لها حال، وبحرف فنيقي، وعَلم خاص يتوسطه رمز النزوع حرف التفيناغ.
إننا ونحن نستدرك، نحب أن نذكر أننا لا نملك أدنى ذرة حقد تجاه إخواننا في الدين والمصاهرة والوطن والاستعراب، أحفاد أهل الثغور الذين أذاقوا الاحتلال صنوفا من العذاب، وألوانا من الأعطاب في ريف المغرب ووسطه وجنوبه، والذين وجهوا فوهات بنادقهم باسم الإسلام وعلى وفق منهجه في دفع الصائل ومجاهدته، ووقفوا لمخطط الظهير البربري؛ ظهير التفرقة بكل أناة وإباء، والذين قبل هذا وذاك كانت تشد لهم الرحال على كل ضامر ليتعلم العرب العاربة منهم وهم العرب المستعربة؛ لغة الضاد وفنونها البديعة، وليقفوا مع أهل العلم منهم على كشف اللبس وتحلية النفس، وسلك المسالك الدقيقة في علوم الشرع.
إننا نرمي بسهم العتاب اليوم على الذين احتلوا منابر الاحتجاج بغير وكالة أو ترخيص لزرع بذور الفتنة والفرقة، من الذين يمنعون الطعام ولا يلقون السلام ويستنصرون بالأزلام، أزلام الغرب الذين تربوا في كنفهم، ونهلوا من أجاج فيضهم وملح غيضهم، فخدعتهم ناطحات السحاب وسعي الغراب، فظنوا ظن اليقين أن بياض الوجه ونظافة الملبس هي فيض من بياض القلوب وسلامة الضمائر وصفاء الأرواح، وهذا هو ظن الإثم، إذ الواقع يشرح بالصوت والصورة: أن القوم لا يزالون على طبعهم القبلي الأول، أيام كانت تسكن أوربا أجناس وأخلاط من قبائل الغال والقوط والوندال والسكسون وغيرهم، بل زاد من حدة طبع العنف وجبلة القتل فيهم، ما وصلوا إليه اليوم من تطور في تكنولوجيا الإبادة والفتك التي وسعت أمامهم هامش العدوان والسطو، المغلفين بقناع الوداعة التي دأب إعلامهم المقيت أن يخلع عليها ثوب “رمتني بدائها وانسلت”.
فأمريكا اليوم ومعها أزلام دول محور الشر لا يستحيون من احتضان وتشجيع الأصوات المارقة من الأقليات، أو ما يصطلح عليه بالشعوب الأصيلة، وحقها في تقرير مصيرها، أي حقها في إخراج الغازي العربي من فضاء تمازغا، ثم تقسيم المقسم من دولة الأمة وهم من هم؟
هم الذين أحرقوا شعوب الهنود الحمر، والأبورجين والاسكيمو، وسكان جزيرة مدغشقر، وشعوب الجنوبن والقائمة طويلة من ضحاياهم التي لا ينم رقمها في بورصة الهرج، إلا على أن الغرب المستبد قد مات فيه الإحساس بمعنى الجريمة، بل استطاع أن يجد التبرير والعزاء في نظرية الفداء، التي يؤمن مصدقوها بأن عيسى عليه الصلاة والسلام قتل كفارة لخطاياهم، فلا ضير إذا استهان أتباع الذي شبه لهم بالآثام المتكالبة، وأقبلوا على ارتكابها بلذة وسادية، آملون بيقين أن وزرها محمول عنهم، ورحم الله أمير الشعراء عندما قال في إشارة إلى مثل هكذا عقيدة:
يا حامل الآلام عن هذا الورى كثرت عليك باسمك الآلام
إننا وعبر هذا الاستدراك نريد أن نصدع بمحبة الأمازيغي، الذي اعتنق الإسلام ودعا له ووالى وعادى من أجله، بينما سنظل نمقت العربي الذي جعل العلمانية والتثليت شرعة ومنهاجا له، دعا له ووالى وعادى من أجل بث سمومه في محيط جغرافية الإسلام، وهيأ المناخ البرغماتي القافز على مصالح التماسك، والموثر للنفخ في رماد فتنة الفرقة وتمزيق الممزق من الإمبراطورية التي فاض بيت مالها يوما من أيام العز السوالف؛ بخراج الغيمة والديمة أينما حطت ركائب مائها، فأنبتت من كل زوج بهيج، مناخ ترفع فيه أعلام النزوع العنصري بديلا عن العلم الوطني، وينبز فيه المسلمون بالغزاة والمتطرفين، وتكتب فيه على بعض واجهات الجرائد الأمازيغية عبارة تهديد ووعيد واستفهام مفادها: “هل ستنتقل ثورة الياسمين إلى باقي دول تمازغا؟”.
يقع كل هذا وزيادة أمام صمت المحفل العلماني ورواده من الذين يبغونها عوجا والذين طالما أرادوا زعما أن يعالجوا جسد الأمة من الزكام، فدخلوا به إلى عضال الجذام، وليست أحداث مخيم العيون ببعيدة عنا في باب الاستدلال على صحة ما نقول، ولكن البعيد هو ما يخاله الكثير من العلمانيين من كون هذا المخيم، هو نصب “ابستيمولوجي” خرج إلى الوجود بغير سابق مقدمة أو تخطيط، وخرجت خلاياه السرطانية لتنخر تراص البناء الوطني، بينما ظل يحسبها البعض وهي في المهد بعمد وسوء طوية أنها لا تخرج عن كونها حصى من الجماد لا يزيد حجمه ولا يهدد رميه، وعندما اتسع الخرق نادى راتق الظن الأول بوجوب الرجوع إلى الأغنية الوطنية والخرص الغيواني والإنفاق على المهرجانات الراعنة من أجل إعادة السقط إلى رحم الوطن الأم.
فإلى أمثال هؤلاء المهرطقين من أمثال عصيد نوجه نداءنا العاجل بالإقبال على ثريد الإسلام، فإنه يغني من الجوع، ويسمن على الطوع، وتتوحد على مائدة فضله الكرام لا اللئام، وتتحلق حول زاده السباع لا الضباع، ويعمل الشكر عمل الزيادة في نفوس الوطنيين على الحق والصدق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *