قصة مغني الراب العالمي الذي اعتنق الإسلام مصطفى الونسافي

من الظلمات إلى النور (2)

نعرض في هذه السلسلة قصصا مؤثرة لأناس عاشوا فترة من أعمارهم بعيدين عن ربهم، تائهين عن طريق الهدى، تتقاذفهم أمواج متلاطمة من الشهوات والشبهات، قبل أن يتسلل نور الإيمان إلى قلوبهم، ليقلب بؤسهم نعيما، وشقاءهم سعادة..
إنه نور توحيد رب العالمين، إنه قوت القلوب وغذاء الأرواح وبهجة النفوس

«لم أكن أتوقع أبدا أنني أستطيع التغير بأن أترك نمط الحياة المنحرف الذي كنت أعيشه» هذا ما قاله مغني الراب العالمي «مؤتة بيل» بعد أن نطق الشهادتين مقررا بذلك إنهاء حياة الضلال والتيه، ومعلنا ولاءه لله رب العالمين، وانقياده لتعاليم شرعه القويم.
«نابوليون»، وكان هذا هو اسمه قبل أن يعتنق الإسلام، لم يكن نجما مغمورا في ميدانه، بل حقق شهرة واسعة لا في بلده أمريكا وحسب، بل في العالم بأسره، حتى إنه -كما يقول- أصبح في مدة وجيزة ثَريا، حيث جمع ثروة هائلة بعد ارتفاع مبيعات أقراص ألبوماته الغنائية، ويؤكد أنه باع أكثر من 40 مليون نسخة حول العالم، فعاش في بذخ وترف كالملوك على حد وصفه، وكان يملك طائرة خاصة يجول بها حيث شاء في العالم الفسيح، معتقدا أن كل ذلك سيحقق له السعادة والاستقرار.
يحكي كيف أنه جرب قبل دخوله في الإسلام كل المخالفات التي تخطر على البال.. حرب عصابات، مشاجرات في النوادي الليلة وفي الشوارع، حياة صاخبة وانحراف أخلاقي…؛ كان حلمه يدور حول قضية واحدة: كيف يجلب المال الكثير، لأن السعادة والمجد والقوة، كل ذلك ارتبط عنده -مثل باقي أقرانه- بتحصيل المال، ولم يكن يعبأ بطريقة الحصول عليه مهما كانت سيئة؛ لكنه بعد أن حقق الحلم إذا به مكتئبا لا ينعم بذاك السراب الذي تراءى له قبل الثراء.
يروي وقائع مأساوية مر بها في طفولته، حيث تعرض والداه للاغتيال حين كان عمره لا يجاوز الثلاث سنوات، وبقي هو وشقيقه محبوسين مع جثثي والديهما في المنزل لأربع وعشرين ساعة؛ ثم نشأ في بيت جدته، وتأثر منذ صغره بما انتشر في مجتمعه من تجارة المخدرات، والجريمة المنظمة، وغيرها من صور الفساد؛ لكن كل ذلك كان بالنسبة له مادة للإبداع الأدبي، حيث يقول إنه بدأ يكتب أشعارا يصف فيها ما يعايشه في مجتمعه من ظواهر وسلوكات غريبة.
موهبة كتابة الشعر ستتطور مع الوقت لدى «نابوليون»، ليصبح فيما بعد مؤلفا لأغاني الراب التي يؤديها صديقه «توباك»، هذا الأخير الذي ذاع صيته، وأنشأ شركة للإنتاج الفني بالاشتراك مع «نابوليون» الذي دخل بدوره عالم الغناء وانضم إلى فرقة «الخارجون على القانون» التي أسسها «توباك»، فأصبحا ينظمان الحفلات الموسيقية حول العالم، محققين بذلك مداخيل مالية تنمو يوما بعد آخر، فكانت الانطلاقة الكبرى نحو الثراء، قبل أن يتعرض «توباك» لطلقات نارية أدت إلى مقتله بعد إحيائه لإحدى الحفلات الصاخبة.
كانت المرأة عند «نابوليون» مجرد سلعة رخيصة، وفي ميدان عمله كان يستغلها في كليباته الغنائية لتقوم بحركات مهينة لكرامتها، وهكذا كان يفعل أصدقاؤه أيضا، «لم يكن هناك أدنى احترام للنساء، بل لم يكن لدينا احترام لأنفسنا؛ فالمرأة في الغرب محتقرة، إلى درجة أن احترامها في أمريكا اليوم يقارب العدم».
وفيما كان جسده يتنعم في غمرة اللعب واللهو، والانغماس في شتى ألوان الشهوات والمتع، كانت روح «نابوليون» تعاني وتصرخ في صمت، كانت أسيرة في ظلمات الخطيئة، تتوق للخلاص، والتحرر من أغلال الشرك والمعاصي، وتنَسُّم عبير التوبة إلى الرحيم الرحمن؛ كان يتعذب إلى حد تمني الموت، لأن الأخير في ظنه سينهي المأساة؛ ثم فجأة تسلل نور الحق إلى قلبه.
دخل الإسلام قلبَه كنداء أيقظه من الغفلة، وأنقذه من الضياع؛ وبدأ «مؤتة» يدرك أن هذه الحياة ليست هي ما يرضاه الله له، وكلما قرأ أكثر عن الدين الحنيف زاد إدراكه لحجم الانحراف الذي يعيشه، وعَظُم إعجابه بشرائعه المُحْكمة، فهو لم ير في حياته قط دينا أو معتقدا يحترم الإنسان، ويحترم المرأة بوجه خاص، مثل الإسلام، إذ دعا إلى تكريمها أما وبنتا وأختا وزوجة، ونهى عن ظلمها بأي شكل، «فدعوا عنكم ما يحاول الإعلام ترويجه عن الإسلام لتشويه صورته؛ وإذا كان هناك مسلمون يظلمون نساءهم فهذا ليس حجة على وجود الظلم في الإسلام، لأن كل من يتبع الكتاب والسنة فسيكون ألطف الناس في معاملة المرأة.
والإسلام يأمرنا أيضا ألا نظلم أي إنسان مهما كان معتقده، يهوديا أو نصرانيا أو بوذيا أو هندوسيا…، لأن النبي عليه الصلاة والسلام حذر من الظلم ومن دعوة المظلوم، وفي المقابل حث على العفو والتسامح، وقصته مع أهل الطائف تشهد على عفوه ورحمته، وهذا يرينا صدق قول الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}».
بهذا الحماس يتحدث «مؤتة» اليوم عن الإسلام، ويدعو المسلمين إلى التحلي بأخلاق هذا الدين العظيم، الذي جعل الله فيه كل خير ورحمة وفضيلة، ووعد من سار على نهجه بالحياة الطيبة في الدنيا والآخرة.. {ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *