ظاهرة الانتحار في المجتمع المغربي.. والفراغ الروحي ذ. عبد العزيز وصفي

 

أولا: بين يدي الموضوع:

الموضوع الذي أود إثارته في هذا المنبر الإعلامي، وأطرق بابه، وألفت الأنظار إليه للاعتبار والتبصر، هو تلك الظاهرة الخطيرة التي ظهرت في مجتمعنا وتظهر غالبا مع تقدم الحضارات وتوسع العلوم؛ وهي قتل النفس التي حرّم الله إلا بالحق؛ وهو ما يعبّر عنه في ثقافة عصرنا اليوم باسم “الانتحار” أو وضع حد للحياة، مع العلم أن الله سبحانه حرّم قتل النفس إلا بالحق كما أوردنا ذلك بالنصوص الكثيرة والقطعية ثبوتا ودلالة.

ثانيا: تحيد الإشكالية:

يجد المتتبع لصفحات الأخبار ووسائل الإعلام، أنها لا تكاد تخلو من الإشارة إلى وقوع حالات الانتحار في مجتمعنا المغربي، فكل يوم تطالعنا الصحف والمجلات والمواقع الشبكية وغيرها بأخبار في الموضوع من قبيل:

أستاذ للتعليم الابتدائي وضع حدا لحياته بتوجيه طعنات إلى نفسه بواسطة سلاح أبيض على مستوى أوردة يديه…!! ومدير مدرسة خاصة انتحر شنقا تاركا رسالة إخبار لأهله… ورجال أمن انتحروا.. أحدهم شرطي قضى بإطلاق رصاصة من سلاحه الوظيفي على صدغه…!! وثلاثة سجناء اختاروا أخيرا الانتحار حلا لهم وسط زنازينهم…!! فيما تلميذات وبائعون متجولون لجأوا إلى المصير المفجع ذاته….!!

والسؤال العريض والشائك هنا: لماذا يلجأ مثل هؤلاء إلى باب الانتحار؟ وما الذي يحدث في مجتمعنا المغربي المسلم اليوم بخصوص هذا الموضوع؟

ولكي نغوص في هذه الظاهرة الدخيلة على مجتمعنا يصعب علينا مقاربتها من زوايا مختلفة؛ لأنها معقدة ومتشابكة الأطراف وممتدة في التاريخ، لكنني اخترت البحث فيها من جانب ديني شرعي، وأترك باقي الجوانب الأخرى لأهل الاختصاص كي يدلوا بدلوهم وينوّروا الرأي العام في هذا الموضوع الخطير والمتفاقم يوميا بظلاله القاتمة.

وبداية أقول وبالله التوفيق:

الإنسانُ هو المخلوق الأول، هو المخلوق المكرَّم الذي سخَّر الله له ما في السموات والأرض؛ لأنه حمل الأمانة، ورضي أن تكون نفسُه وهي أثمنُ ما يملك عنده أمانة، خلقها بعلمه وقدرته فسواها ونفخ فيها من روحه؛ وهو رحيم بها.

ومن هذه النظرة الربانية الرحيمة، نهى المسلم عن قتل نفسه التي بين جنبيه، ويستوي في ذلك أن يقتل نفسه أو غيره من الأنفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق، قال سبحانه -وهو أحكم القائلين-: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29) وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا(30)}[1].

قال الشيخ عبد الرحمن السعدي -رحمه الله- شارحا الآية: «لا يقتل بعضكم بعضًا، ولا يقتل الإنسان نفسه، ويدخل في ذلك: الإلقاءُ بالنفس إلى التهلكة، وفعلُ الأخطار المفضية إلى التلف والهلاك، {إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} ومن رحمته أن صان نفوسكم وأموالكم، ونهاكم عن إضاعتها وإتلافها، ورتب على ذلك ما رتبه من الحدود»[2].

ومن صور العدوان في القتل: قتل النفس بالانتحار، وفي الحديث الصحيح ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَتَوَجَّأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ شَرِبَ سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَرَدَّى فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا)[3].

فهذا الوعيد الشديد في حق من قتل نفسه، يدعونا إلى التأمل والتدبر والنظر، لماذا يا ترى هذه العقوبة القاسية؟

والجواب: لا شك أنها لحكمة عظيمة بالغة، فهذا العمل اعتبرته الشريعة كبيرة من كبائر الذنوب، فقتل النفس ليس حلاًّ للخروج من المشاكل التي يبثها الشيطان، والوساوس التي يُلقيها في النفوس، ولو لم يكن بعد الموت بعث ولا حساب، لهانت كثير من النفوس على أصحابها، ولكن بعد الموت حساب وعقاب، وقبر وظلمة، وصراط وزلة، ثم إما نار وإما جنة؛ ولهذا جاء تحريم الانتحار بكل وسائله.

ويتأكد هذا الأمر في الحديث الآخر: (مَن حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ بِمِلَّةٍ غَيْرِ الإِسْلاَمِ كاذِبًا مُتَعَمِّدًا، فَهُوَ كما قَالَ، وَمَن قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ عُذِّبَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَيْسَ عَلَى رَجُلٍ نَذْرٌ فِيمَا لاَ يَمْلِكُ…)[4].

وفي روايَةٍ: (وَلَعْنُ المُؤْمِنِ كَقَتْلِهِ).

ومعنى الحديث:

أن مَن قتلَ نفسَهُ بشيءٍ، بسَيْفٍ، أَوْ سِكِّينٍ، أَوْ رَصاصٍ، أَوْ غيرِ ذلكَ من آلاتِ القتلِ، عُذِّبَ بهِ يومَ القيامةِ؛ وذلكَ لأنَّ نفسَهُ ليستْ مِلْكًا لهُ؛ وإنَّما هيَ مِلْكٌ للهِ تعالى، وَهُوَ المتصرِّفُ بها سبحانه؛ فهيَ عندهُ وديعةٌ وأمانةٌ خانَ فيها بانتحارِهِ.. فالجزاءُ من جنسِ العملِ، فاستحقَّ العذابَ وَالقصاصَ، بمثلِ ما فعَلَ.

ومَن لَعَن مؤمنًا، فكأنما قتلَه؛ لاشتراك اللاعنِ وَالقاتلِ بانتهاكِ حرمِ اللهِ تعالى، وَاكتسابِ الإثمِ، وَاسْتِحْقَاقِ العذابِ.

والذي يُستفاد من الحَدِيثِ ما يلي:

  • تحريمُ قتلِ الإنسانِ نفسَه، فإنَّ إثمَه كإثمِ القاتلِ لغيرِه، ويعذَّبُ بما قتلَ بهِ نفسَه؛ فإنَّ الجزاءَ منْ جنسِ العملِ.
  • أنَّ لعنَ الإنسانِ كقتلِه فِي المشاركةِ فِي الإثمِ، وإنْ لم يستوِيَا فِي قدْرِه.

وفي حديث آخر من رواية أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الَّذِي يَطْعَنُ نَفْسَهُ إِنَّمَا يَطْعَنُهَا فِي النَّارِ، وَالَّذِي يَتَقَحَّمُ فِيهَا يَتَقَحَّمُ فِي النَّارِ، وَالَّذِي يَخْنُقُ نَفْسَهُ فَخَنَقَهَا فِي النَّارِ)[5].

وفي قصةٌ رواها من الصحابة جُنْدَبُ بنُ عبد الله -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ رَجُلٌ بِهِ جُرْحٌ فَجَزِعَ، فَأَخَذَ سِكِّينًا فَحَزَّ بِهَا يَدَهُ، فَمَا رَقَأَ الدَّمُ حَتَّى مَاتَ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: بَادَرَنِي عَبْدِي بِنَفْسِهِ، حَرَّمْتُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ)[6].

فمهما تكن من أسباب للانتحار نفسية أو الهشاشة الاجتماعية أو الاقتصادية، فهي لا تشفع لصاحبها  كونه ارتكب فعلا من الآثام العظيمة والذنوب الكبيرة التي توعد النبي صلى الله عليه وسلم فاعلها بالعذاب الأليم؛ لأنه دليل على ضعف الإيمان ورقة الدين، وسخط عن الواقع والقدر الإلهي. والمؤمن حقاً لا يقدم على الانتحار مهما أصابه من بلاء الدنيا وهمومها، بل يصبر ويحتسب مقتدياً في ذلك بالنبيين صلوات الله وسلامه عليهم، مدركاً حقيقة الحياة الدنيا وأنها دار امتحان وابتلاء، وواضعا دائما نصب عينيه قول المصطفى صلى الله عليه وسلم -وهو يتعجب لحال المؤمن-: (عَجَبًا لأمرِ المؤمنِ؛ إِنَّ أمْرَه كُلَّهُ لهُ خَيرٌ وليسَ ذلكَ لأحَدٍ إلا للمُؤْمنِ، إِنْ أصَابتهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فكانتْ خَيرًا لهُ، وإنْ أصَابتهُ ضَرَّاءُ صَبرَ فكانتْ خَيرًا لهُ)[7]، وقوله تعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ(2)}[8].

فالمؤمن الكامل -في الحديث الشريف- في الحالَينِ على خَيرٍ هو عِند اللهِ إِن أصَابتهُ نِعْمَة بَسْط ورخاءٌ في الرِّزق وغير ذلك يَشْكُرُ اللهَ، وإنْ أصَابَتهُ ضَرَّاءٌ، أي: بلية ومُصِيبة يصْبرُ ولا يَتسَخّطُ عَلى ربِّه بل يَرْضَى بقَضَاءِ ربِّه؛ فيكونُ لهُ أجْرٌ بهذِهِ المصيبةِ.

فالنتيجة المفضية للسخط والتسرع في اقتراف جريمة قتل النفس، عدها العلماء من كبائر الذنوب، قال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله- في كتابه “الزواجر عن اقتراف الكبائر”: «الكبيرة الرابعة عشر بعد الثلاثمائة: (قتل الإنسان لنفسه)»، وذكر في الموضوع أمورا فصّل القول فيها.

والمتفق عليه بين السادة العلماء: أن الانتحار كبيرة نكراء وجريمة شنعاء في حق النفس البشرية، باعتبار أن الحياة هبة من الخالق عز وجل لا يحق لنا إزهاق الروح عن قصد… وحتى في بعض البلدان والقوانين الوضعية تعتبر مجرد الشروع في هذا الفعل جريمة يعاقب عليها القانون، حتى ولو كانت لا تطبق في غالب الأحيان؛  وكما قيل: ” من هانت عليه نفسه هانت عليه العقوبة“.

ظاهرة الانتحار في المغرب

برجوعنا إلى مجتمعنا المغربي المسلم، نجد هذه الظاهرة بدأت تتسارع وتستفحل نيرانها لتأكل الكبير والصغير والغني والفقير، ففي إحصائيات حديثة لسنة 2015م، أجرت بعض المواقع الالكترونية استطلاعا عاما في الموضوع، شارك فيه 33.090 زائرا، ذهب 63.41 بالمائة منهم إلى أن الفراغ الديني هو السبب، بينما وجد 32.27 بالمائة أن السبب هو هشاشة الواقع الاجتماعي.

ومن هنا يظهر بوضوح أن النسب الواردة دالة ومعبرة، بغض النظر عن طبيعة العينة المساهمة فيه، ومدى توفر الشروط العلمية في اختيار عينات البحث، حيث احتل الفراغ الروحي ما يقارب الثلثين من المصوتين.. وأن هذه النسبة تبين طبيعة البيئة التي جرى فيها الاستطلاع، وبأن منسوب القيم الروحية لا يزال مرتفعا فيها، وبأن الدين لا تزال له مكانته الجليلة في نفوس المغاربة.

ومما هو متفق عليه حاليا في جل الدراسات الاجتماعية والنفسية أن الفراغ الروحي والوازع الديني سبب رئيس في مأساة تنامي الانتحار؛ لأن العقيدة الراسخة السليمة، وتوفر العبادة التي تقوي الصلة بين العبد وربه، وتشيع في النفس السكينة والطمأنينة، والإيمان بالقضاء والقدر، معانٍ إذا خالطت بشاشة النفوس تكون بعيدة عن الفعل الشنيع بقتل النفس وانتهاك حرمتها المقدسة…

إنه فقدان الثقة بالله، واليأس والقنوط من رحمته سبحانه، ومن الفرج بعد الكرب، الأمر الذي يجعل المنتحر يختار الانتحار كحلٍّ للخلاص من أزماته[9].

فالنتيجة التي يكاد يتفق عليها الجميع، هي أن ضعفَ الوازع الدينيِّ هو أهمُّ وآكدُ أسباب الانتحار والجرأة على قتل النفس مع سبق الترصد والإصرار ودون سابق إنذار…[10].

إن الانتحار جريمة كبرى وسوء خاتمة، والذي يقتل نفسه فرارا من مصيبة أو ضائقة أو فقر أو نتيجة انفعال وغضب، يعرّض نفسه لعقوبة الله، وديننا الإسلامي -ولله الحمد- تؤسس أحكامُه وعقائده مناعة صلبة تقي العبد من الإقدام على هذه الجريمة في حق نفسه، فالمسلم حين يتشبع بدينه تنبعث في روحه مشاعر العزة والكرامة والقوة لمواجهة تحديات الحياة، فالإيمان بحكمة تقسيم الأرزاق وتقلباتها يجعله يرضى برزقه في غير تكاسل وخمول فيجتهد لتحسين معيشته بالأسباب الشرعية دون إضرار بنفسه أو بغيره، فيصبر على الابتلاءات وساعات الضيق والكرب.

بالإضافة إلى الاعتقاد الصحيح في باب الإيمان بالقضاء والقدر خيره وشره، كل هذه الأمور تجعل العبد على نور وتوفيق في مواقفه، يغلب جانب الرجاء في ساعة الضيق حتى لا يصاب باليأس والقنوط، كما يغلب جانب الخوف ساعة الرخاء حتى يحافظ على عبوديته لله سبحانه وتعالى، فيعمل ولا يتكل، ويوقن أن لا حول ولا قوة إلا بالله[11].

ومن هذا المنطلق، لا بد من تظافر الجهود المخلصة من أجل إشاعة التحذيرات والأوامر والنواهي الربانية، كي تردع النفوس عن الإقدام على الانتحار؛ لأنه سيسلم صاحبه إلى مصير أكثر شقاوة وقتامة؛ ويسبِّب الانتكاسة والحرمان من الجنة؛ مما قد يرى عليه حاله في هذه الدار الفانية، وأي تغييب لهذه المعاني في التعليم والإعلام والثقافة والتنشئة الاجتماعية كفيل بإشاعة الانتحار…

يقول الإمام ابن القيم الجوزية رحمه الله: «لو أن رجلًا وقف أمام جبل وعزَم على إزالته، لأزَاله»، ويكفي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (خير الناس مَن طال عمره وحسُن ‏عمله، وشر الناس من طال عمره وساء عمله)[12].

علاج الظاهرة

ومن هنا نعلم أن معالجة ظاهرة الانتحار لا تكمن في التصدي لها من خلال عرض الحالات التي تعاني من الإحباط والقلق المؤدي للانتحار في المصحات وعند الأطباء النفسانيين؛ لأن هذا تحصيل حاصل، بل تحتاج منا إلى تجديد الوعي بمنظومتنا الأخلاقية والدينية، ونشر قيم الخير والصلاح التي ترتقي بالمجتمع إلى درجات الرقي الإيماني والأخلاقي والسلوكي، حيث قمة الحضارة الإنسانية الواعية بسلوك أفرادها، وبمآلات تقدمها، فخطط التقدم الموغلة في المادة والعارية من القيم الدينية الصحيحة غالبا ما تفرز ظواهر اجتماعية كالانتحار والإجهاض والبغاء والشذوذ الجنسي…

ويبين هذا ما ذكرته منظمة الصحة العالمية من أن نحو 800.000 شخص يقدمون على الانتحار سنويا في العالم، في حين أن هناك لكل حالة؛ 20 محاولة انتحار أو أكثر. (أي شخص واحد في كل 3 ثوان)، وفي الـ45 سنة الأخيرة، قفزت معدلات الانتحار بنسبة 60 في المائة في جميع أنحاء العالم.

وفي بلدنا المغرب قالت المنظمة أن ما بين 5 إلى 10 أفراد انتحروا من مجموع 100.000 نسمة، وأنه احتل مرتبة جد متقدمة بين الدول في هذه الجريمة، والنتائج المخيفة للتقرير كشفت أن نسبة الانتحار عندنا محددة في 5.3 لكل 100 ألف نسمة، وهي ثاني أعلى نسبة في العالم العربي بعد السودان المتصدر ب 17.2 لكل 100 ألف.

وأشار التقرير الذي أنجز أواخر العام الماضي إلى أن عدد المنتحرين المغاربة تضاعف بين سنتي 2000 و2012، ليرتفع خلال 12 سنة بـنسبة 97 في المائة، لينتقل العدد من 2.7 إلَى 5.3 حالات انتحار بين كل مائة ألف مغربِي.

وقالت المنظمة إنها تسعى وهيئاتها الشريكة، بالتعاون مع الرابطة الدولية لمنع الانتحار، إلى الدعوة من أجل توفير العلاج المناسب لمن يحاولون الانتحار ومتابعتهم.

والسؤال العريض هنا: هل نحن في حاجة إلى أن ننضم للرابطة الدولية لمنع الانتحار، ونحن الأمة التي تمتلك وحي القرآن والسنة، ومن أصول إيمانها الإيمان بالقضاء والقدر خيره وشره، ومن مبادئ هديها: “نحب لقاء الله عز وجل وهو راض عنا، ولا نسأل الموت ونطلبه إلا إذا كان خيرا لنا، ولا نقتل أنفسنا فنخسر الدنيا والآخرة”؟

ومن خلال ما ذكرنا وبينا من آيات بينات وأحاديث واضحات وإحصائيات مساقة في الموضوع، أنها كلها تضفي ضوء كاشفا على ما يحيط بهذه الظاهرة الخطيرة من المخاوف والمآسي، ردعا لمن توسوس له نفسه بمحاولة الإقدام عليها، ظانا أنها الخلاص من الأزمات، والفرج من الملمات، كلا ثم كلا، بل إنها الهلاك والدمار والحسرة والخزي والعار، والعذاب والشقاء، أجارنا الله جميعا من عذابه المهين[13].

وختاما للموضوع: يجب أن نعلم أن كل شيء ممكن، وليس هناك مستحيل، وأن الإنسان هو مَن يصنع الظروف، لا الظروف التي تصنعه، فكن أخي المسلم متفائلا وإيجابيا، وتذكر قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ}[14].

اللهم إنا نسألُك العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدنيا والآخرة.

وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين.

——–

[1] – النساء:29 – 30.
[2] – تيسير الكريم الرحمن، ص 175.
[3] – أخرجه البخاري ومسلم.
[4] – رواه مسلم.
[5] – رواه البخاري. وينظر: أمالي ابن بشران، 1/186.
[6] – أخرجه الشيخان من حديث جندب بن عبد الله رضي الله عنه.
[7] – رواهُ مُسْلِمٌ.
[8] – الملك:2.
[9] – ينظر في هذا السياق بحثا أنجزته جريدة السبيل، بعنوان: ارتفاع عدد المقدمين على الانتحار في المغرب (عندما يصير الانتحار ظاهرة تؤرق المجتمع المغربي)، العدد 87، نونبر 2010م.
[10] – ينظر في هذا المعنى: مشكلة الانتحار لمكرم سمعان، نشر دار المعارف.
[11] – ينظر مقالة جريدة السبيل المشار إليها سابقا.
[12] – رواه أحمد والحاكم، والترمذي وصحَّحه.
[13] – الانتحار.. ظاهرة خطيرة في عصر الحضارة، علي سقراط، صحيفة رسالة الفتوة، العدد 24، الجمعة 03 جمادى الأولى الموفق 04 غشت 2000، ص 16.
[14] – الرعد:11.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *