أي شيء علَّمنا رمضان؟؟ محمد أبو الفتح

رحل عنا شهر رمضان وانقضى أجلُه، ودَّعنا شهر الصيام والقيام، وقلوبنا تتفطر حزنا على فراقه، نعم! ذهب عنا رمضان، فوا أسفاه على لياليه وأيامه؛ لكنه وإن كان قد رحل عنا فإنه أبقى لنا دروسه وعبره، فشهر رمضان مدرسة من تخرج منها بنجاح أثمرت عنده ثمرة التقوى التي ذكرها الله تعالى في قوله: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ” البقرة، فإذا كان الأمر كذلك، فأيُّ شيء علمنا رمضان؟
1. علمنا رمضان أن نتعبد لله تعالى بعبادة الصيام، فلِمَ لا نكون بعد رمضان من الصائمين، فقد صمنا لله تعالى شهرا كاملا، عملا بقوله تعالى: “فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ” البقرة، أَفَيَعْجِزُ أحدُنا عن صيام ثلاثة أيام من كل شهر؟!
2. علمنا رمضان أن نحتسب أعمالنا لله تعالى، فقد كان الواحد منا حريصا على ذلك عملا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: ” مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ”، فلِمَ لا نكون في أعمالنا كلها من المحتسبين، نخلصها لله ونبتغي عليها الأجر والثواب؟!
3. علمنا رمضان أن نتعبد لله تعالى بعبادة القيام، فقد صلينا التراويح شهرا كاملا، عملا بقوله صلى الله عليه وسلم: “مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ” (متفق عليه)، فَلِمَ لا نكون لله تعالى بعد رمضان من عباد الرحمن الذين ” يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً” الفرقان، والذين” كَانُوا قَلِيلاً مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ، وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ” الذاريات.
4. علمنا رمضان أن نصبر على طاعة الله فنطيعه، وأن نصبر عن معصيته فلا نعصيه، وأن نصبر على أَلَمِ الجوع والعطش فلا نتسخط على قضائه وقدره، فلم لا نكون بعد رمضان من الصابرين؟! من الذين قال الله فيهم: “وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ” البقرة.
5. علمنا رمضان أن نتحكم في النفس وشهواتها، فقد منعناها الطعام اللذيذ في رمضان وهي تشتهيه، ومنعناها الماء البارد، العذب الزلال وهي تتعطش له، فلم لا نسيطر على أنفسنا وشهواتها بعد رمضان؟! وقد قال تعالى: “وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا، فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا، قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا، وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا” الشمس.
6. علمنا رمضان أن نتحلى بالجود والكرم، تأسيا بالنبي صلى الله عليه وسلم إذ “كَانَ أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنْ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ” (متفق عليه)، فلِمَ لا نكون بعد رمضان من الكرام الأجواد؟!
7. علمنا رمضان أن نعتني بالقرءان قراءة وتجويدا وتدبرا ومدارسة، تأسيا بالنبي صلى الله عليه وسلم إذ كان يلقاه جبريل في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرءان، فلم لا نعتني بكتاب الله تعالى سائر العام، حتى لا نكون من الذين شكاهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى ربه فقال: “يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً” الفرقان.
8. علمنا رمضان أن نكون أمة واحدة مجتمعة على صيام هذا الشهر، فلم لا نكون كذلك بعد رمضان، فنجتمع على كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، عملا بقوله تعالى: “وَأَنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ”المؤمنون.
9. علمنا رمضان أن نحافظ على صلواتنا في أوقاتها، وأن نحرص على عمارة بيوت الله، فلم لا نكون كذلك بعد رمضان فنكون من الذين قال الله فيهم: “وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ” المؤمنون.
10. علمنا رمضان أن للانتصار على النفس لذة ونشوة، وأن صبر ساعة تَعْقُبُه فرحة الانتصار على النفس وعلى الشيطان خير من شهوة قصيرة يعقبها ندم طويل، قال النبي صلى الله عليه وسلم: “لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ” (متفق عليه).
11. علمنا رمضان أن نكظم الغيظ عند الغضب، وأن نقول خيرا أو نصمت، فقد كنا حريصين على ذلك في أثناء رمضان، عملا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: “إِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَصْخَبْ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ” (متفق عليه).
12. علمنا رمضان أن نجتنب الزور والباطل من الأقوال والأعمال، حرصا منا على أن يُتقبل منا صومنا، وخشية أن يصدق علينا قول النبي صلى الله عليه وسلم: “مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ” (متفق عليه).
وبالجملة فقد علمنا رمضان كيف نكون من عباد الله المتقين، فسلام الله عليك يا شهر الصيام والقيام وتنـزل القرءان، فلقد كنت لنا نِعْم المُرَبِّي ونِعْمَ المُعَلم، وإنا بفراقك يا رمضان لمحزونون.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *