إن اعتراف الأمم المتحدة بالإسلام، هو إقرار بوجوده واعتراف بحرية ممارسته، لكن بصفة شخصية كمظهر من مظاهر الحريات الفردية، ولا يعني ذلك أنها تعترف بشريعته ونظام حكمه، وترضى أن ترجع الدول الإسلامية إلى نظام الخلافة الإسلامي، ويدل على هذا آلاف التقارير التي تحررها منظماتها بشأن الدول التي تطبق الشريعة الإسلامية كالسعودية والسودان حاليا، والصومال وأفغانستان سابقا، وكذا تقارير الخارجية الأمريكية، وتصريحات قادة الدول الأوربية.
ترفع الدول الديمقراطية شعارات من قبيل حرية الاعتقاد، حرية التعبير، حق الإنسان في العيش الكريم وغيرها من الحقوق والحريات، هذه الحريات والحقوق كانت من أهم المسوغات التي يدلي بها الساسة الغربيون لدى شعوبهم لتفسير دوافع حشدهم للجيوش الجرارة لغزو بعض البلدان الإسلامية التي استعصت أنظمتها الاجتماعية على الاختراق العلماني الشامل.
فحملات الاحتلال والغزو التي قادتها الدول الديمقراطية للسيطرة على مقدرات وخيرات وشعوب الدول الإسلامية كانت باسم تحضير شعوب هذه الدول وتمدينها، وكذلك الحرب على العراق وأفغانستان والصومال، كل هذه الحروب كانت من أجل تحضيرنا وتمدين شعوبنا، نحن الذين حكمنا العالم بالسلام والنور، أيام كانت أوربا تعيش ظلمات القهر والفقر والتخلف.
إن الدول الديمقراطية تعمل منذ سقوط الإسلام من سدة الحكم على أن تهيمن مدنيتها وحضارتها على الشعوب الإسلامية حتى تضمن عدم رجوع نظام الخلافة الإسلامي، الذي يعتبره الغرب تهديدا لوجوده، فساسته لا ينسون التاريخ، ويؤمنون أن له دورات يعملون بكل جهد أن لا يعيد نفسه من جديد، وذلك من خلال نشر ثقافتهم العلمانية بين شعوبنا، حتى صار من بيننا من يدافع عن اللواط، ويعتبره حرية شخصية، ومن يدعو إلى تحرير الجنس (الزنا) من قيود الدين والعرف والقانون…
لقد بات واضحا أن الشعوب الإسلامية تعيش حربا تقودها الدول الديمقراطية ضد هويتها ودينها، مستغلة ما أنشأته من منظمات دولية وما سَنّته من قوانين ووضعته من معاهدات تجبر الدول الإسلامية على التوقيع عليها تحت طائل العقوبات أو الحرمان من القروض أو المضايقات في القضايا الحدودية أو افتعال المشاكل السياسية.
فكيف مثلا يمكن أن نفهم موقف الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة، من قضية الصحفية اليسارية السودانية التي وجه لها القضاء السوداني تهمة ارتداء ملابس غير محتشمة وتواجه عقوبة الجلد طبقا للقانون الجنائي السوداني، حيث قال: “إن الجلد مخالف لمعايير حقوق الإنسان العالمية، أدعو جميع الأطراف إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب جميع المعاهدات الدولية ذات الصلة”؟
ومثله المتحدث باسم الخارجية الفرنسية حيث صرح: “إن فرنسا تدين بشدة تطبيق الجلد”.
هكذا، دون أي اعتبار لمشاعر مليار وستمائة مليون مسلمة ومسلم يؤمنون أن الجلد حد من حدود الله أنزله في كتابه الكريم “القرآن” -نستثني منهم العلمانيين فهم وكلاء الغرب ومروجو ثقافته في البلدان الإسلامية-، ألا يعتبر تصريح الأمين العام مسا بسيادة الدول الإسلامية التي ما زالت تطبق الشريعة الإسلامية؟
وما يقال في الجلد يقال في قطع اليد والرجم، فكل هذه الحدود الشرعية هي بالنسبة للأمم المتحدة وكل منظماتها والغرب برمته عقوبات وحشية منافية لحقوق الإنسان، فكيف يمكن أن نجمع بين اعتراف الأمم المتحدة بالإسلام وبين موقفها من الحدود الشرعية؟
إن اعتراف الأمم المتحدة بالإسلام، هو إقرار بوجوده واعتراف بحرية ممارسته، لكن بصفة شخصية كمظهر من مظاهر الحريات الفردية، ولا يعني ذلك أنها تعترف بشريعته ونظام حكمه، وترضى أن ترجع الدول الإسلامية إلى نظام الخلافة الإسلامي، ويدل على هذا آلاف التقارير التي تحررها منظماتها بشأن الدول التي تطبق الشريعة الإسلامية كالسعودية والسودان حاليا، والصومال وأفغانستان سابقا، وكذا تقارير الخارجية الأمريكية، وتصريحات قادة الدول الأوربية.
إلا أن هذا الموقف العدائي للغرب لا يقتصر على الحدود الشرعية بل يشمل كل ما خالف علمانيته ولو كان مجرد قطعة قماش تضعها امرأة مسلمة على رأسها أو تغطي بها وجهها، فأين حرية التدين وأين الحرية الشخصية والحقوق الفردية.
إن الغرب لا يعادي مظاهر التدين الإسلامي من حيث كونها ممارسات أو قناعات لمجموعة من البشر، وإنما يرفضها لأنها تحيل على نظام للحكم ما زال يسود في بلدان لها وزنها الدولي والاستراتيجي استعصت على الهيمنة الكاملة، ويعارضها لأنها ترمز إلى ثقافة ودين يكثر كل يوم المطالبون بتطبيق شريعته.
فموقف الرئيس الفرنسي السابق من الحجاب، وموقف خلفه الحالي من النقاب لم يكونا موقفين خارجين عن الاعتبارات المذكورة، فشيراك جمع مجلس الحكماء الأربعين فأفتوه بحظر الحجاب لأنه يهدد علمانية بلاده، بينما “ساركوزي” شكل في يونيو الماضي لجنة تقصي الحقائق مؤلفة من 32 من أعضاء مجلس الشعب الفرنسي للنظر في وسائل كبح استخدام البرقع.
وفي كلمة له أمام البرلمان قال: “إن البرقع فيه احتقار لإنسانية المرأة وامتهان لكرامتها”، وأضاف “لا يمكننا أن نقبل أن يكون في بلدنا نساء سجينات وراء قماش، منعزلات عن كل أوجه الحياة الاجتماعية”.
فعلمانيته لا ترى في الحجاب إلا سجنا للمرأة سواء كان داخل فرنسا أو خارجها، أما العفة والحشمة والوقار، وامتثال الأوامر الإلهية فكلها أمور لا تعترف بها العلمانية بل تراها من الظلامية والرجعية التي يفرزها الإيمان بوجود خالق للكون أمَر أن يُعبد وفق ما شرعه وأنزله على رسله صلوات الله وسلامه عليهم.
من هنا نقول إن موقف المسلمين من الغرب ليس نابعا من ثقافة الحقد والكراهية التي يصفهم بها العلمانيون، بل الدافع إليه هذه الحرب المعلنة والخفية للإنسان الغربي على مقومات دينهم وهويتهم، وهذه الهيمنة على مقدرات دولهم وشعوبهم، والغرب لو كان صادق في ديمقراطيته لما احتفظ لنفسه بحق النقض “الفيتو” ليشرع ما يشاء، ولما قصر حق امتلاك الأسلحة النووية على دوله ليرهب من يشاء.
ونحن عندما نكتب مثل هذا الكلام نرمي إلى تنبيه مسؤولينا ونخبنا إلى طبيعة الديمقراطية وماهية حقوق الإنسان التي يطلب منا ساسة الغرب أن نمتثلها، فهي مجموعة قناعاتِ ومعتقداتِ الإنسان الغربي كما سطرها قادته، وأي تعديل أو تحفظ منا فهو مرفوض، بحيث نصبح والحالة هذه أمام عملية إجبار وإكراه على اعتناق “العلمانية” دين الدول الغربية التي تمارس الديمقراطية داخل حدودها فقط، أما خارجها فهي دكتاتورية، تستخدم سلاح حقوق الإنسان للهدف نفسه الذي تستعمل من أجله الصواريخ والمدافع، وصدق الله سبحانه القائل: “وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ”البقرة.
وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.