التقصير في فهم كتاب الله -4-

لو قرأ المسلم كتاب الله بروية وفهم واستيعاب واتباع لقوله تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً}، لعلم أن عليه أن يصاحب الأخيار حتى لو كانوا أكثر جدية وحزما من غيرهم، ولذا أوصاه بتصبير نفسه على جديتهم فقال تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ}، ذلك أن همهم الشاغل رضى الله وذكره في الصباح والمساء، وألا يبتعد عنهم ويتركهم طلباً للدنيا الفانية مع الغافلين.
لو قرأ المسلم كتاب الله بروية وفهم واستيعاب واتباع لقوله تعالى: {أَوَمَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}، لعلم أن الله بين في أكثر من ثلاثين آية في كتابه الكريم أن القرآن نور، وكلنا يعرف أن النور ينطفئ تماماً بقطع التيار عنه، فانظر إلى شدة وضوح هذا المثال الذي أشارت إليه الآية، إذا انقطع الإنسان بالكلية عن القرآن، كحال أهل الكتاب مثلاً، لمات قلبه، تماماً كما ينطفئ النور عند قطع التيار عنه، وإن بقي جسده يتحرك، فبكتاب الله يحيا قلب الإنسان، ولذا سماه الله أيضاً روحاً، قال تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا}، وفي آية أخرى بين تعالى أن الإنسان يتخبط في الظلمات إذا فقد النور، سواء النور الحسي للإبصار، أو المعنوي للبصيرة، قال تعالى: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ}، وكذلك يصح أن نقول أن المسلم الموحد إذا ضعُف أخذه من هذا النور (القرآن الكريم) فإنه يضعف بقدر بعده منه، تماماً كضعف وانخفاض النور واصفراره إذا ما ضعُف التيار عنه فقط ولم ينقطع، وهذا مُشاهد ومعروف.
يقرأ المسلمون في كل أسبوع سورة الكهف العظيمة، كما سن لنا ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن القليل من يقف عند معانيها العظيمة، بسبب الممارسة الخاطئة للقراءة في كتاب الله تعالى، ولو قرأ المسلم هذه السورة بروية وفهم واستيعاب واتباع لَعَلِم منها الفتن الأربع الكبيرة التي حذر منها القرآن في مواطن متفرقة من الوحي المطهر، وذكرها تعالى مجتمعة في سورة الكهف، وهي: الفتنة في الدين كما في قصة الفتية، وفتنة المال كما في قصة صاحب الجنتين، وفتنة العلم كما في قصة موسى والخضر عليهما السلام، وفتنة المنصب والجاه كما في قصة ذي القرنين، وقد بينت هذه السورة العظيمة الحل الأمثل لمواجهة هذه الفتن الأربع.
يتبع..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *