من آثار الإيمان باسم الله البصير ناصر عبد الغفور

الحلقات الأولى من مدارستي لاسم الله البصير خصصت لورود هذا الاسم في الكتاب والسنة، ثم للمعنى اللغوي والمعنى في حقه سبحانه. وسأشرع في ما يلي من الحلقات في ذكر بعض آثار الإيمان بهذا الإسم من أسماء الله جل في علاه.

1- إثبات صفة البصر لله تعالى:
من آثار الإيمان باسم الله تعالى البصير إثبات صفة البصر له سبحانه، وأنه يبصر بصرا يليق بجلاله، خلافا للمعطلة بأصنافهم، وإن اختلفت درجات تعطليهم لصفات الباري سبحانه.
وأخص بالذكر الجهمية الذين عطلوا كل الأسماء والصفات، وكذا المعتزلة الذين يقولون: “بصير بلا بصر” فأثبتوا اسم البصير كعلم مجرد دون إثبات ما دل عليه من المعنى والوصف، كما هو شأنهم في كل الأسماء الحسنى، ومن أثبته منهم فقد تأوله تأويلا باطلا، حيث فسره بالعلم، مخالفين بذلك النص والعقل والإجماع.
عن أبي هريرة رضي الله عنه في قوله تعالى: “إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا” – النساء:58-، قال: “رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع إبهامه على أذنه والتي تليها على عينه” ( ).
يقول العلامة الهراس رحمه الله تعالى: “ومعنى الحديث: أنه سبحانه يسمع بسمع و يرى بعين، فهو حجة على المعتزلة وبعض الأشاعرة الذين يجعلون سمعه علمه بالمسموعات وبصره علمه بالمبصرات، ولا شك أنه تفسير خاطئ، فإن كلا من السمع والبصر معنى زائد على العلم، قد يوجد العلم بدونه، فإن الأعمى يعلم بوجود السماء ولا يراها، وكذلك الأصم يعلم بوجود الأصوات ولا يسمعها.
وأعجب من هذا: قول الأشاعرة: إن كلا من السمع والبصر متعلق بجميع الموجودات، فكيف تعلق السمع بما لا يسمع من الأشخاص والألوان؟ وكيف تعلق البصر بما لا يرى من الأصوات المسموعة بالآذان؟” .
والحديث كذلك حجة على الجهمية المعطلة الذين ما تركوا اسما ولا صفة ثابتة لله تعالى إلا أتوا عليها بمعول التعطيل وتأولوها بباطل التأويل عليهم ما يستحقون من العلي الجليل.
قال ابن يونس قال المقرئ( ) يعني إن الله سميع بصير يعني أن لله سمعا وبصرا، وقال أبو داود رحمه الله تعالى: “وهذا رد على الجهمية”.
ومن أئمة هؤلاء الجهمية بشر بن غياث المريسي( ) الذي وصف الله بغاية النقص وأثبت في حقه سبحانه أفسد قياس وأتى بكلام في حقه جل في علاه لم يسبقه إليه أحد من الناس، من ذلك تأوليه لقوله سبحانه: “إن الله سميع بصير”-الحج:75-، قال: “يسمع الأصوات ويعرف الألوان بلا سمع ولا بصر” وفي قوله تعالى: “والله بصير بالعباد”-آل عمران:15-: “يعني عالم بهم، لا أنه يبصرهم ببصر، ولا ينظر إليهم بعين، فقد يقال لأعمى: ما أبصره، أي: ما أعلمه، وإن كان لا يبصر بعين.”( ).
وقد رد عليه الإمام عثمان بن سعيد الدارمي رحمه الله تعالى أقوى رد وأفحمه إلى أقصى حد في كتابه العظيم الفرد الموسوم: “نقض الإمام أبي سعيد عثمان بن سعيد على المريسي الجهمي العنيد فيما افترى على الله عز وجل من التوحيد”( )، فأتى على ادعاءاته وافتراءاته في باب الصفات من القواعد فخر عليه وعلى أتباعه السقف.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *