لقد مرّ في مقالات سابقة أن رواد الفجور ودعاة الإباحية لن يكلّوا ولن يملوا في نشر باطلهم، وبسط شرهم بين الأنام وأنهم محدثون لفوضى ولكن لا عمَر لها. إنها الحكاية نفسها والمدلول ذاته لا تتبدل إلا الوجوه والعبارات وتقاسم الأدوار، والأبطال هم رموز الحداثة في الوطن الإسلامي، فهم على قلب رجل واحد تجمعهم الشعارات البراقة والعناوين المزيفة والعبارات الرنانة التي تستهوي النفوس المريضة والقلوب العليلة. فالكلام الذي يقال في المغرب يتردد صداه بالمشرق، والقصة التي تحكى في المشرق يصغى لها في المغرب، والحدث الهام والعمل الجريئ في منظور هؤلاء الأيتام اللئام؛ هو رواية ماجنة هنا أو فلم مأفون هناك أو قصة هابطة هنالك أو مقال محشو بالأكاذيب بين كل أولئك أو صورة عارية لامرأة إن صح القول أنها مغرر بها كما في المغرب بلد الأولياء!!! غير هذا فلن تتنسم عطر الحداثة الفواح الذي يفوح نتانة ويفيض بخَرا وتأمل حروفها تعطيك خبرا.
مرة أخرى وحلقة جديدة من ذاك المسلسل الطويل المتحدث عنه من قبل؛ والحمد لله الذي يفضح أهل الحداثة على رؤوس الأشهاد في الدنيا قبل المعاد فالقوم لما دوخت رؤوسهم رائحة حداثتهم وتعرت امرأة من زمرتهم تعلن بذلك فتحا من فتوحات جيش الحداثة المنهار الذي لا يفرق بين ظلمة ليل أو ضوء نهار، فأقبلوا عن صوت واحد ينعقون بأن ذلك العمل هو نفس حداثي، والله إنه لنفس وما كذبوا؛ إنه نفس يزكم الأنوف ويعمي الأبصار وتلك حمولة الأقذار أن يبينوا لمن لا زال منبهرا بخطابهم الضوضائي وضجيجهم الصاخب أن الحداثة لا تعدوا إظهارا للإست وكشفا للعورة ونشرا لذلك على ظهر مجلة، وبذلك تكون قد فزت ونلت درجة حداثي بامتياز بفعل لا يخالف عمل الجاهلية رغم أنه عندهم سلوك تقدمي وضد الرجعية، وأي رجعية وامرأتهم لا تخالف امرأة الجاهلية حينما كانت تكشف عن عورتها وهي تطوف بالكعبة ولا تغطي من جسدها إلا السوءتين بيديها -تماما كما فعلت صاحبة الصورة- أو تضع طرفا من الثوب على فرجها وتقول “اليوم يبدو بعضه أو كله فما بدا منه لا أحله” إحساسا بشيء من العار وقبح الفعل الذي لا يحس به هؤلاء فكانت أحسن حالا من نسوة التحرر والتقدمية.
وشتان بين هذه وبين تلك الصحابية الجليلة التي ما رضيت أن تتعرى وهي تصرع والقلم عنها مرفوع، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو الله لها أن لا تتكشف وتصبر على مصابها رغبة في الجنة. فمن المجنون إذن؟ فنعم الجنون هذا وبئس العقل ذاك المقدس عندهم!
إن التأمل في صنيع هؤلاء الذي يبشروننا بالرخاء والتمكين القادم على ظهر العورات والخصور لأمر يدعو إلى السخرية الممزوجة بالشفقة. لأن أفعالهم وما يدعون إليه ما هو إلا شطحات مفضوحة وصراع مع الريح من أجل الغلبة. ولأن في الرد عليهم ضياع للجهود التي يحتاجها الخٌلّص من هذه الأمة لخدمة الدين والوطن وتحصيل النافع من العلوم وتعليمها للأجيال التي وجدت نفسها رهينة عند هؤلاء يفعلون بها كما يفعل الصبيان بدُماهم المفككة.
فهؤلاء الذين يملئون الدنيا زعيقا ويصرخون واحداثتاه! إنما يفعلون ذلك مقابل دراهم معدودة من جهات خارجية أوجدت لها موضع قدم بين الشعوب الإسلامية وبشكل أخص في وطننا العزيز الذي لن نتركه عرضة لهم يفترسونه سرا وجهارا ويبيتون له المكائد ليلا ونهارا ويجلبون له المصائب ويلحقون به المثالب؛ فللوطن رب يحميه ثم رجال أوفياء يذودون عنه لدحر كل خائن متربص من الداخل أو الخارج. وليطمئن القوم فإن المخلصين لهذا البلد لهم بالمرصاد وإنهم لا محالة خائبون خاسرون وجهودهم ستكون عليهم حسرة ثم يغلبون، ومظاهر غلبتهم بادية حين يشتكون في بعض ما يكتبون من ممانعة الشعب الذي يرفض قيم حداثتهم العفنة، وإن كان يبدو لعيونهم المريضة أنه متماه مع مخططاتهم التدميرية التي تروم الفساد والإفساد وكل ما يؤول إلى البوار والكساد.
إن سؤالا بسيطا حول القيمة المضافة للصورة العارية التي يعتبرونها العنوان الأبرز لرسالة الحداثة التي يبشرون بها هو هل تغير من شيء ونحن نعرف على مستوى الوطن حركة غير عادية لمظاهر السفور والعري ومنذ عشرات السنين؟
أي رقي حصلناه؟ وأي تقدم حققناه؟
وأين بحبوحة العيش الكريم منذ ذلك الحين؟
فشوارعنا وشواطئنا ومدارسنا وأسواقنا كلها شاهد حي على عري فاضح فأين نحن الآن في رتب التصنيف؟
إننا في مؤخرة الترتيب على كافة الأصعدة ولا نأتي في المقدمة إلا عند تقديرات المصائب والكوارث؛ رشوة ودعارة ومخدرات وإرهاب… الظاهر أنه لا جواب لديكم لأن يقينكم أنكم لا تنشدون شيئا من ذلك، وإنما مهمتكم التي وكلتم بها هي أن نبقى في الحضيض في كل ما يفيد.
أما تقدمنا في سلم الانحراف فذلك هو ما تقدرون على فعله وأنى لكم ذلك ما دمنا في تدافع قيمي البقاء فيه للأصلح “كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ”. فليربع العلمانيون على أنفسهم فإنهم لا تحاربون رعديدا ولا مخبولا ولا حتى بشرا سليما معافى وإنما يحاربون رب الكون المتصرف فيه بمشيئته وقدرته -علموا أم لم يعلموا- والأسلم لهم أن يعودوا إلى رشدهم ويطلبون العفو من ربهم فإنه لغفور رحيم وإنه لشديد العقاب.