تـأهـيــــل الخطـيـــب ذ.عبد الحق معزوز

كثيرا ما نسمع في الأوساط التربوية والتعليمية “التكوين المستمر” ولا أظن اثنان يختلفان في أن أعظم مؤسسات التربية والتعليم والتوجيه هي المساجد، ولذلك كان أولى الناس وأحقهم بتكوين مستمر أطر هذه المؤسسة الشرعية التربوية التعليمية الدعوية، ويأتي في طليعتهم خطيب الجمعة الذي يحتاج إلى تأهيل وإعداد مسبق قبل ترشيحه وندبه للقيام بمهام الخطبة، ليكون أهلا لما يسند إليه من هذا الأمر الجلل، فهو جزء مهم؛ وركن أساس؛ في رسالة الدعوة ووظيفة الأنبياء والمرسلين؛ يحتاج إلى تكوين علمي، وتأهيل معرفي، وتقويم سلوكي، وتربية إيمانية، ليرقى إلى ما يدعو إليه من المثل العليا والقيم النبيلة، وليوفق إلى ما يناط به من مهمة إقامة الحجة وبيان المحجة وهداية الأمة وصيانة الملة.
ولأن الأحكام قد تُنسى، وعن المعارف قد يُسهى، والنفس تُبتلى بالفتن فتغفل وتتلهى، وقد يصيبها العجب فتطغى، كان خطيب الجمعة أولى الناس وأحقهم بتكوين مستمر يُواكِب به الخطيب ويُواكَب؛ يواكِب مستجدات العصر وتطوراته، وتحولاته وتقلباته -سياسية وثقافية وفكرية وإعلامية ومعلوماتية…ـ، ويواكَب الخطيب من حيث أدائه، وحسن علاقاته مع من يحيط به من أفراد ومؤسسات، ومن حيث قوام تصرفاته وزكاة نفسه، إذ الذكرى تنفع وللغفلة ترفع، فقد يغرق الخطيب في ظلمات ما يحيط به من بحار فتن يصعب عدها وحصرها.
إنه لمن المسلمات البديهية أن التأهيل العلمي شرط أساس لكل متخصص في أي مجال، ولا يتأهل شخص للتصدي للمهام المنوطة به إذا كان مجردا من الإطلاع في مجال بحثه واشتغاله وتخصصه، ففاقد الشيء لا يعطيه، ولما كان الخطيب في مجال تربية وتعليم وإفتاء ومساءلة ورد، كان لابد أن يملك ناصية ذلك كله.
لا أقول هذا تعجيزا بل تحفيزا وتذكيرا لنفسي ومن هم قائمون على المنابر يجاهدون بالكلمة ويصدعون بالحق ويردون الباطل ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا. فعلى الخطيب أن يجتهد ليضرب في كل علم بسهم، ويحرص على الاستزادة الدائمة بما أوصى الله به نبيه صلى الله عليه وسلم في محكم قرآنه، في سورة طه الآية:114 ﴿وقل رب زدني علما).
إنه أدرى بأهمية التكوين والتأهيل، وأعرف بضرورة الملازمة للكتب، وإدمان النظر فيها، مع المحاسبة للنفس وإدامة اللوم لها، تهذيبا تزكية، وتقويما وتحلية.
إنه أحوج الناس حقا إلى تكوين مستمر، وتربية دائمة، وتوجيه متواصل لكونه القدوة للناس، والملجأ عند حيرتهم فيما ينزل بهم من قضايا ومشكلات، عليه يلقون تساؤلاتهم، وبين يديه يحطون خلافاتهم، وإليه يرفعون قضاياهم وهذا كاف في بيان ضرورة تأهيل كل خطيب.
قد صار لزاما إذا أردنا أن نكون في مستوى المواجهة للتحديات التي تحيط بالأمة المسلمة من مختلف الجهات أن ننهض بخطبائنا علميا وإيمانيا وتربويا، فنكثف الجهود بعقد دورات علمية وجلسات إيمانية ولقاءات توجيهية تربوية، بشكل دائم -وهو أحب العمل إلى الله-، وفي ذلك تنوير وتبصير، وتذكير وتحذير لكل خطيب؛ تنوير بواقعه، وتبصير بأحكام دينه، وتذكير بواجبه مع ربه وتجاه نفسه، وتحذير من الشيطان وهمزه ونفخه ونفثه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *