تتعدد الانتقادات التي يواجهها المسلمون في أوروبا تجاه خططهم لبناء مساجد جديدة لتتناسب مع وضع الإسلام بصفته ثاني ديانة في القّارة.
فعلى الرغم من أن المسلمين في شتى أنحاء أوروبا يصلّون في مواقف السيارات المغطاة، والمصانع القديمة؛ منذ فترة طويلة، إلا أن رغبتهم ببناء مساجد ملائمة تُواجَه برفض بعض المنتقدين الذين يرون فيها إشارات على “الأسلمة”، بينما يتحجج آخرون أن المآذن ستشوه صورة الأفق في مُدنهم.
نظرة خاطئة
ساهمت الصورة التي كوّنها الأوروبيون في أذهانهم بالربط بين المساجد ومراكز الإرهابيين، بجعل البعض يعتبر المساجد المزمع إنشاؤها بمثابة تهديد أمني محتمل.
ويعترف المتحدث باسم الجاليات الإسلامية في أوروبا طارق رمضان أن التواجد المرئي بشكل متزايد للمسلمين أثار تساؤلات في المجتمعات الأوروبية، مشيراً إلى مقترحات الجماعات اليمينية المتطرفة في موطنه سويسرا العام الحالي بحَظْر المآذن.
وتصدرت هذه القضية عناوين الصحف في بريطانيا لفترة من الوقت بالتزامن مع إرسال اِلتماس ضد بناء “المسجد الكبير” بالقرب من المكان الذي سيستضيف دورة الألعاب الأولمبية في لندن عام 2012م، ووقَّع على الالتماس أكثر من 275 ألف شخص؛ قبل أن يحذف من على موقع رئيس الوزراء البريطاني “جوردون براون” على الانترنت.
كما شهدت ألمانيا الشهر الماضي احتجاجات مناهضة للمساجد في كولونيا وبرلين، في حين صوّت مجلس محلي ضد بناء مسجد في “ميونيخ”، وتعهدت جماعة يمينية متطرفة فرنسية بإقامة دعوى ضد مدينة “مرسيليا” للمرة الثانية بسبب المساعد التي قدمتها لبناء “مسجد كبير”.
وقال بكر ألبوجا من الاتحاد الإسلامي التركي في “كولونيا”: إن بعض المنتقدين الذين يرون هذه المساجد الكبيرة إشارات على الانفصالية، أو الاستعمار الإسلامي لأوروبا؛ لا ينظرون للأمر بشكل صحيح، وأشار إلى أن رغبة المسلمين في بناء دور العبادة “تعني أنهم يريدون أن يَشعروا أنهم في وطنهم، ويعيشون في وئام مع دينهم في مجتمع تقبَّلوه، مجتمعا لهم”.
قبول رسمي ومعارضة شعبية
وعادة ما تتطلب مشاريع بناء مساجد كبيرة أعواماً طويلة من التخطيط، يتم خلالها التعارف بين زعماء الجاليات الإسلامية ومسؤولو المدينة على بعضهم البعض بشكل أفضل، لينتهي الأمر بدعم معظم رؤساء البلديات لمثل هذه المشاريع التي تساعد على اندماج الأقليات الجديدة.
إلا أن السكان والنشطاء اليمينيين المتطرفين، وينضم إليهم زعماء نصارى أحياناً؛ بدأوا يتحدثون في الآونة الأخيرة ضد هذه المشاريع، إذ أصبح واضحاً أنه سيكون هناك مسجد بجوارهم قريباً.
وتعتبر الخبيرة في الشؤون الإسلامية بأوروبا في جامعة “هامبولدت” بـ”برلين” “رايم سبيلهاوس” أن المسجد “يرصد رمزياً التغيرات التي طرأت على المجتمع، ويعيد فتح النقاش حول ما إذا كانت هذه التغيرات جيدة”، وأضافت: “لكن نادراً ما تجرى مناقشة ذلك صراحة، فالنزاعات بشأن المساجد تركز على قضايا أخرى مثل: الإرهاب، ودور النساء، أو ما إذا كانت هناك أماكن متاحة لتوقف السيارات”.
حجج المعارضين
ويقول منتقدو بناء المسجد الكبير في لندن ويقودهم محام محلي لجماعة “مسيحية”: إن المسجد الذي سيسع 12.000 مصل سيحول المنطقة السكنية إلى “منطقة عقيدة واحدة”، وسيبعد أتباع الديانات الأخرى، ويدَّعون أن الجماعة التي ستبني المسجد تمثل خطراً أمنياً، لأن “ريتشارد ريد” الذي حاول تفجير طائرة بمتفجرات مخبأة في حذائه، واثنين من المهاجمين الانتحاريين في الهجمات التي تعرضت لها لندن في يوليو عام 2005م ينتمون لهذه الجماعة.
وفي “كولونيا” واجهت خطط الاتحاد الإسلامي التركي بناء مسجد على الطراز العثماني اتهامات بأن حجمه كبير للغاية بالنسبة لمدينة توجد بها واحدة من أبرز الكاتدرائيات المبنية على الطراز القوطي في العالم المسيحي، وقال “الكردينال” الكاثولكي “يواكيم مايزنر”: “أشعر بالقلق، المسجد سيعطي المدينة صورة مختلفة”.
وأثار مشروع بناء مسجد في “بانكوف” وهي منطقة بشرق “برلين”؛ يقيم بها القليل من المسلمين؛ اشتباكات عنيفة بين مؤيدي ومعارضي المشروع، وانضمت جماعات النازيين الجدد إلى الاحتجاجات، وأشعلت النيران في شاحنة عند موقع البناء في مارس.
أما فرنسا التي يقيم بها خمسة ملايين مسلم يمثلون أكبر جالية إسلامية في أوروبا فلها تاريخ أطول مع المساجد في مدنها، خاصة وأن الكثير من رؤساء البلديات يوفرون الأراضي بتكاليف بسيطة من أجل بنائها.
وبشكل غير متوقع فاز حزب يميني متطرف بدعوتين قضائيتين العام الحالي ضد مثل هذا الدعم بضاحية بـ”باريس”، وفي مرسيليا؛ حيث ربع السكان من المسلمين.
وكان رئيس بلدية “مرسيليا” “جان كلود جودان” حريص على إقامة مسجد كبير هناك بعد عقود من المناقشات، وقال لمجلس البلدية: “من حق الجميع أن يتمتع بمكان عبادة لائق”. ويصلي معظم مسلمي “مرسيليا” الآن في مساجد مجاورة صغيرة للغاية نسبة إلى عددهم.
طلبات حظر
ولم يقتصر الأمر على الاعتراض في “سويسرا”، إذ قدّم حزبان يمينيان التماساً يطالبان فيه بإجراء استفتاء لحظر المآذن في البلاد.
أما في إيطاليا فقد دعت الرابطة الشمالية المناهضة للهجرة في يونيو الماضي إلى إغلاق كل المساجد لإجراء تفتيشات أمنية، وكان محتجون تركوا رأس خنزير خارج مسجد يقام في بلدة “كولي دي فال ديلسا” في ديسمبر 2006م.
ويبدو الخوف من الإسلام متجذراً في بعض الدول الأوروبية، ففي اليونان والتي عاشت أربعة قرون تحت الحكم العثماني؛ لم يتمكن المسلمون من الحصول على أول مسجد لهم في أثينا إلا في يونيو الماضي فقط، بينما لا تزال خطط لبناء مسجد أكبر معلقة.
وفي إسبانيا التي كانت قلعة للثقافة الإسلامية لثمانية قرون حتى عام 1492م رفض الزعماء الكاثوليك بعصبية طلباً من المسلمين للصلاة في كاتدرائية قرطبة، على الرغم من أنها كانت أصلاً مسجداً.