يعمل العلمانيون في المغرب بالمبدأ الانتهازي القائل «استثمار الحدث أهم من الحدث نفسه» لركوب الموجة وتحقيق الأغراض التي تناسب العقلية اللادينية أو الإلحادية التي تشكل العقل الجمعي لهذه الطائفة الدخيلة على الهوية المغربية بعيد الاحتلال الفرنسي (العلماني) للمغرب، وهذا ما يظهر جليا في كل مناسبة تشغل الرأي العام، إذ يستغلونها ويستثمرونها، وهو ما لاحظناه في احتفالهم هذا العام بـ«اليوم العالمي المرأة».
في مدينة الجديدة، احتفلت إحدى الهيئات النسائية ليلة الأحد الماضي (8 مارس) بمسرح عفيفي، بـ«اليوم العالمي للمرأة» على طريقتها الخاصة، وذلك بإقامة حفل غنائي صاخب لـ«الترويح» عن المرأة الجديدية.
لما قرأت الإعلان قلت: الاحتفال بالمرأة والعناية بذكرها والرفع من قيمتها في المجتمع شيء طيب وكلنا يسعى إليه، لكن هل يكون الاحتفال بهذه الطريقة الغنائية تكريما للمرأة حقا؟
أم أنه مجرد استغلال للفرصة من قبل بعض تلك الجمعيات والهيئات لهذا اليوم، ومجرد استغلال للوضعية المزرية للمرأة الدكالية خصوصا والمغربية عموما؟
فنسبة التخلف الفكري المودي بالمرأة الدكالية إلى احتراف التسول والدعارة، وامتهان الأعمال المنزلية في المقاهي والحانات، والعيش في مزابل المدينة والاقتيات منها، وتخليها عن بيت زوجها أو أبيها واللجوء إلى سوق الشغل (السوداء) التي تعيش فيها مع المشردين والمنحرفين، في مظاهر أخرى أشد قتامة وسوادا من هذه الأشياء والكل يعرفها، فليس الحل هو الغناء والموسيقى لرفع الحيف والتهميش عن المرأة، ولكن العمل الجاد المثمر المبني على قيم أمتنا الإسلامية دون الركون إلى مقررات الظالمين للمرأة والمفسدين لأخلاقها.
نعم سيغنون -اليوم- وسيحتفلون بها هذا اليوم؛ وبعد اليوم سيواصلون مسيرة الابتزاز والاستغلال الجنسي والإعلامي، ومسيرة التهميش المجتمعي والإبعاد القسري لهذه الفتاة الجميلة عن دينها وعن أصولها وقيمها الإسلامية الراقية التي تحرسها وتحميها من مخالب الذئاب الذين يزينون لها مراتع الفسق ونوادي المنكر.
سيحتفلون يوم الثامن من مارس، ثم يستمرون في قبض الأثمان على أعمالهم المدمرة للهوية النسوية المغربية، وسيواصلون عمالتهم للأجنبي الذي يريد بهذا البلد سوء، فقد انكشفت أوراقهم ومخططاتهم وتمويلاتهم وعمالتهم للأجنبي، ففي شهر أبريل من عام 2012، كشفت الوزارة المغربية المكلفة بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني عن وثيقة توضح قيمة المساعدات التي صرحت الجمعيات المغربية بتلقيها من دول أجنبية خلال ست سنوات مضت (من 2006 إلى 2011)، إذ بلغت أكثر من 626 مليون درهم (جريدة السبيل، ع.122).
فهل تكون هذه التمويلات القادمة من الأجنبي مجانا وبلا مقابل؟
هل حقا هذه الدول الغربية قد رق قلبها لحال المرأة المغربية المسكينة، فأفاضت على هذه الجمعيات المشبوهة كل هذه الأموال؟
بالطبع ليس هناك من جواب آخر سوى أن ثمة صفقة بين هذه الجمعيات وبين تلك الدول الغربية لـ«إصلاح» المرأة المغربية، وأي إصلاح؟
الإصلاح الذي يرضاه المفسدون الذين حذرنا ربُّنا عز وجل من مكائدهم {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَـكِن لاَّ يَشْعُرُونَ} إنهم لمخططات الأعداء منفذون.
من الملاحظ على احتفاليات هذه السنة الاهتمام المتزايد بتكريم المرأة الأمازيغية من قبل هذه الجمعيات النسوية، خذ مثالا على ذلك نموذجين: «الفنانة والبرلمانية الأمازيغية فاطمة تبعمرانت» و«الفنانة فاطمة تيحيحيت»؛ وهنا نستحضر العلاقة الوثيقة بين التمويل الخارجي للجمعيات النسائية المغربية وبين الحرب الثقافية والدينية لهذه الدول الأجنبية على هوية المغاربة، لنستنتج النتيجة التي يراد الوصول إليها وهي القضاء على الثقافة الدينية للمرأة المغربية، وهذا جزء من مخطط إعدام أحكام الشريعة الذي تبنته دول الاستعمار مستعملة في ذلك عناصر مغربية أمازيغية، حيث أصدر الاستعمار سنة 1936 الظهير البربري وجاء فيه: «كونوا في المناطق البربرية صنائع تعينهم.. من مغبة التعصب للإسلام، فكونوا شبه استفتاء، وأنت تعلم نزاهة استفتاء الفرنسيين، فجمعوا القواد، بعضهم بالضغط وبعضهم بالأماني المعسولة في بسط تحت أزرو، ويسمى إفراصيد، فحفروا فيه قبرا ودفنوا فيه رمزا، وقالوا: الشريعة الإسلامية قد دفنّاها هاهنا وليس لكم بعد اليوم إلا شريعة إزرف» (مولاي الطيب العلوي، بواسطة مصطفى العلوي، جريدة الأسبوع الصحفي، ع.697).
الذي حملني على هذا الاستنتاج هو أنني لم أر احتفالا بالمرأة المتدينة التي تساهم في بناء جيل ووعيٍ وطنيٍ قائد، ولسنا نُعدَم النماذج والأمثلة، لكن التعتيم الإعلامي المتعمد والنظرة العدمية للعلمانيين إلى النخبة المتدينة جعلا الأمر يبدو عدميا، وإنما هو في الحقيقة إعدام للطاقات النسائية المتدينة التي تشكل جزء كبيرا من الكيان الوطني المغربي لا ينكر قوته وحيويته أحد.
قالت إحدى المناضلات النسائيات من أجل إخراج المرأة عن تعاليم الإسلام: «الآن بلدان العالم تتقاسم نفس القيم والمبادئ، في المغرب أثبتنا أن القيم الكونية للمساواة، والحرية، والكرامة الإنسانية، لا تتعارض مع القيم الإسلامية، حول هاته القيم الكونية يختلف البعض، وذلك نتيجة لقراءة ضيقة تنظر للمرأة بثقافة تعود إلى عصر الجاهلية»(1).
هذه المسكينة لا تعرف لا الإسلام ولا الجاهلية، الجاهلية التي تدفن النساء أحياء، وجاهلية الغرب النصراني الذي ظلت فيه الكنيسة قرونا تبحث عن جنس المرأة أهي إنسان أم حيوان! قبل أن يأتي الإسلام ويرفع قيمة المرأة، ويعتني بها أيما اعتناء بنتا وزوجة وأما وجدة.
هؤلاء عندهم حقوق المرأة بالمعنى المتعارف عليه دوليا وليس بالمعنى المتعارف عليه وطنيا، ومعنى دوليا أي ما أنتجته الثقافة الغربية، وبالتالي لا دخل للثقافة الإسلامية في تأسيس هذه الحقوق إلا أن يكون بنو جلدتنا وبنات بلدتنا أذنابا تابعة عمياء صماء للمشروع الغربي/الدولي.
يعجبني ما كتبته الكاتبة المغربية إكرام عبدي في جريدة «الشرق الأوسط، ع.12604»، كأنها ترد على هذه العقلية النسوية المستلبة، قائلة: «أغبط إسرائيل.. اليهودي في إسرائيل يصنع هوية عرقية عنصرية لا تعير أدنى اعتبار للهوية الإنسانية» في مقال جميل ينسف النظرية العلمانية التي تلعن الخصوصية المغربية والثقافة البلدية، فهل منع اليهودَ حفاظُهم على هويتهم وخصوصيتهم أن يكونوا أمة متطورة ومتقدمة؟
الثقافة الكونية هي التي سببت للمرأة المشاكل، وكبدت المجتمع المغربي الآلاف من الضحايا من الأطفال المتخلى عنهم، ومن أطفال الشوارع، فضلا عن قتلى الأرحام بغير ذنب ارتكبوه سوى أن تصنيفا جديدا صارت تعرفه الأمومة المغربية بسبب هذه الثقافة الكونية، ألا وهو صنف «الأمهات العازبات»!!(2)، هذا الصنف الذي كان ضحية الثقافة الكونية والمروجين لها من المأجورين والوصوليين، ولا يجد هؤلاء المأجورون وسيلة للتخلص من ناره وعاره وشناره، إلا بالطعن في نحر الشريعة الإسلامية وحاملي لوائها والمدافعين عنها، فيرتكبون المجازر(3) وينسبونها لخطباء المنابر!
إن الاحتفال بـ«اليوم العالمي للمرأة» صار اليوم شعارا لتكريم الفنانات والممثلات والراقصات، بينما تبقى المرأة المقهورة المتاجَر بقضيتها من قبل الجمعيات النسائية في خبر كان.
ختاما أقول: صرخ البرلماني التونسي إبراهيم القصاص في المجلس التأسيسي لكتابة الدستور التونسي، في 21 يناير 2014، معترضا على فصل مخالف للإسلام، قائلا: «الله تعالى قال في كتابه: {ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم} ولن ترضى عنكم ولو اتبعتم ملتهم» هذه هي الحقيقة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-(1) نزهة الصقلي في حوار لقناة الرأي، 2 أكتوبر 2011.
-(2) بلغ عدد الأمهات العازبات 5040 في العاصمة الاقتصادية للمملكة فقط، وفق بحث عن الأمومة خارج مؤسسة الزواج سنة 2004، السبيل، ع.90.
-(3) قتلى الأرحام وعمليات الإجهاض السرية بسبب شيوع الزنا في المرأة المتخلفة المقلدة للصيحات العلمانية العالمية.