مفهوم الحرية في الدين والمنظومة الاخلاقية محمد محفوظ

أولا: تعريف الحرية
لغة: هي حالة يكون عليها الكائن الحي الذي لا يخضع لقهر أو قيد أو غلبة ويتصرف طبقا لإرادته وطبيعته، خلاف العبودية (معجم المعاني الجامع).
اصطلاحا: هي التصرفات التي يقوم بها الإنسان في إطار مجتمع أخلاقي ونظام ديني متكامل.

ثانيا: أقسام الحرية
الحرية وعلاقة الإنسان بربه.
الحرية وعلاقة الإنسان بغيره.

أما علاقة الانسان بربه: فهذه العلاقة تؤطرها الشريعة وتحدد معنى الحرية فيها بحيث أن كل تصرف ناشئ عن هذا الإنسان لا يجوز له أن يخالف أمرا من أوامر الرب. وبما أن الإنسان هو في الحقيقة عبد لله فيجب أن يطيع ربه في ما أمر وينتهي عما نهى عنه. وإذا تأملنا في تصرفات الإنسان المتدين نجد أنه هو الحر الحقيقي في ظل مجتمع طغت فيه الماديات والشهوات فصار كل واحد عبدا لشهوته أو عبدا لنظرة الناس.

علاقة الإنسان بالغير: تعمدت أن أذكر الغير بدل الإنسان لأن تصرفات الإنسان في المجتمع قد تكون لها علاقة بالإنسان أو الحيوان أو النبات أو الجماد… وبالتالي الأنسب هو أن ندرس علاقة الإنسان بالغير عموما. وهذه أيضا علاقة أطرها الشرع والمنظومة الأخلاقية عموما في كل المجتمعات…
فتصرفات الانسان لا تعدوا أن تكون حرية إلا اذا مست حقا أو كيان الغير بأي وجه من الوجوه…
فالقتل مثلا حرية؟ أليس كذلك.. ولكنه يمس حق الحياة بغير حق… وكذلك السب والقذف حرية.. ولكنه يمس كرامة وعرض الغير…الخ. فسوف نتطرق لكل الحريات التي يرفعها العلمانيون والليبراليون في وجوهنا لكي يحاولوا هدم الدين والمنظومة الاخلاقية في المجتمع.

ثالثا: الضوابط والحدود
قبل أن ندخل في أنواع الحريات التي تروج في زماننا هذا والتي استوردها العلمانيون من الغرب لكي يشوهوا صورة الإسلام ويحاولوا هدم القيم الدينية والاخلاقية في المجتمع المسلم، كان حريا بنا أن نحدد الضوابط التي تؤطر مفهوم الحرية والحدود التي إن تجاوزتها الحرية تصبح تعد وتمرد.

أما الضوابط: فمن خلال ما سبق يمكن أن نستنتج ضابطين اثنين: الحرية تنضبط بعدم المساس بعلاقة الإنسان بربه وتنضبط أيضا بعدم المساس بعلاقة الإنسان بغيره.
وحدودها: هي التمرد على أوامر الحق والتعدي على حقوق الخلق.

رابعا: حرية التعبير
يروج في أيامنا هاته مفهوم حرية التعبير… خصوصا بعد الأحداث الإرهابية لـ”شارلي هيبدو” في فرنسا والرسوم المسيئة للرسول والفيلم الإباحي لنبيل عيوش والعرض العاري الفاضح لجينيفر لوبيز في مهرجان موازين…
فدعاة الحرية والإباحية يرفعون شعار حرية التعبير لكل من يتسنى له أن يعارض أو ينتقد شيئا من هذه التمردات والتعديات..
نعم هي تمردات وتعديات من عدة وجوه:
– تمرد لأنها مخالفة لأوامر الرب: سب الرسول وهو أعظم جرم يقترفها الإنسان في الدين فحده هو القتل دون أن يستتاب وهو تعد لأنك تمس كرامة المسلمين الذين يتبعون هذا النبي ويحبونه أكثر من أولادهم وأنفسهم.
– تمرد لأن الإباحية تخالف فطرة الله التي فطر الناس عليها من حياء وحشمة وستر فالإنسان سوي الفطرة يحب أن يستر عورته عن أعين الناس…وتأمل قوله تعالى: “فلما بدت لهما سوءاتهما طفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة”، وهذا دليل كاف على أن الحياء والستر من الفطرة… أما الحجاب فدلائله كثيرة في القرآن والسنة، لا داعي لذكرها..
– نعم، الإباحية تعد على الغير: لأنك تمس كرامة الإنسان الذي تصوره عاريا وتغريه بالمال والشهرة لكي يقوم بذلك… ففيلم نبيل عيوش يعطي صورة مقيتة عن المرأة المغربية ويحط من قيمتها بشكل رهيب، فلا تكاد تفرق بينها وبين الحيوان ويصور على أنها مجرد سلعة ولعبة بين أيدي الأغنياء الفساق..
– اذن فكل ما يمس المرأة سواء من خلال رقص ماجن أو عري لينظر إليها الناس وأصحاب الشهوات هو تبخيس لها وانحطاط من قيمتها، وهو إذن تعد على حقوق المرأة من حق الكرامة والحياء والعفة الخ..
– ويدخل في هذا حرية اللباس وحرية الفن والإبداع… وكل الحريات التي لها علاقة بجسم الإنسان والحفاظ على خصوصيته الإنسانية والأخلاقية.
– فلقد كرم الله بني آدم وسخر له السماوات والأرض وكرمه على الحيوان بالعقل وأنزل له لباسا ليواري به سوءته ولباس التقوى ذلك خير.

ولكي لا ينزعج بعض العلمانيين من خطابي الديني هذا فسأسوق إليهم بعض الأمثلة من حضارات أخرى اهتمت بخلق الحياء والعفة وأطرت حرية التعبير لكي تحترم كرامة الإنسان وخصوصيته…
فها هي الحضارة الهندية التي تعتبر المرأة تبعا لزوجها وتتستر عن أعين الناس بل حتى وإن مات زوجها فإنها تدفن معه….
وها هي الديانات الأخرى من النصرانية التي تصور مريم العذراء بحجابها وتلزمه للمتدينات منهن les sœurs.
وقبل أن تفسد عقول الناس بعد خروج الموضات في أواسط القرن العشرين وبداية السبعينات فقد كانت المرأة الأوربية تلبس لباسا محتشما من فساتين طويلة وثقيلة حتى أن بعض الأرستقراطيات والبورجوازيات من الطبقة الرفيعة في المجتمع كانت تشتكي من ثقل اللباس وصعوبة الالتزام بالمراسيم…
فالحرة كانت عندهم هي التي تلبس لباسا محتشما وتتستر عن أعين الناس؛ لتبقى جوهرة مكنونة لزوجها ووالديها، كما هو الشأن بالنسبة للمرأة في الجاهلية حين أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم العهد على نساء قريش في فتح مكة على أن لا يسرقن ولا يزنين… فقالت هند بنت عتبة: أو تزني الحرة؟
أنظر الى مفهوم الحرية الحقيقي ليس كما هو الحال في زماننا هذا ولا حول ولا قوة الا بالله…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *