مسلمي بورما.. مذابح وحشية وتهجير ممنهج

أعادت الأحداث الدامية الأخيرة التي تعرض لها المسلمون في إقليم أراكان المسلم في بورما مآسي الاضطهاد والقتل والتشريد التي كابدها أبناء ذلك الإقليم المسلم منذ 60 عاماً على يد الجماعة البوذية الدينية المتطرفة (الماغ) بدعم ومباركة من الأنظمة البوذية الدكتاتورية في بورما. حيث أذاقوا المسلمين الويلات وأبادوا أبناءهم وهجروهم قسراً من أرضهم وديارهم وسط غيابٍ تامّ للإعلام.
فعدد سكان بورما يبلغ أكثر من 50 مليون نسمة، 15% منهم مسلمون، يتركز نصفُهم في إقليم أراكان؛ ذي الأغلبية المسلمة.
وقد وصل الإسلام إلى أراكان في القرن السابع الميلادي، وأصبحت أراكان دولة مسلمة مستقلة، حتى قام باحتلالها الملك البوذي البورمي (بوداباي)، في عام 1784م وضم الإقليم إلى بورما خوفاً من انتشار الإسلام في المنطقة، وعاث في الأرض فساداً فدمر كثيراً من الآثار الإسلامية من مساجد ومدارس وقتل العلماء والدعاة.
ومنذ تلك الحقبة، والمسلمون يتعرضون لكافة أنواع التضييق والتنكيل والإبادة، ففي عام 1942م تعرض المسلمون لمذبحة وحشية كبرى من قِبَل البوذيين الماغ بعد حصولهم على الأسلحة والإمداد من قِبَل البوذيين البورمان والمستعمرين وغيرهم، راح ضحيتها أكثر من مائة ألف مسلم، أغلبهم من النساء والشيوخ والأطفال، وشردت مئات الآلاف خارج الوطن، ومن شدة قسوتها وفظاعتها لا يزال الناس -وخاصة كبار السن- يذكرون مآسيها حتى الآن.
كما تعرض المسلمون للطرد الجماعي المتكرر خارج الوطن بين أعوام 1962م و1991م حيث طرد قرابة المليون ونصف المليون مسلم إلى بنغلادش في أوضاع قاسية جداً.
ولا يزال مسلمو أراكان يتعرضون في كل حين لكل أنواع الظلم والاضطهاد من القتل والتهجير والتشريد والتضييق الاقتصادي والثقافي ومصادرة أراضيهم، بل مصادرة مواطنتهم بزعم مشابهتهم للبنغاليين في الدين واللغة والشكل، وذلك لإذلالهم وإبقائهم ضعفاء فقراء وإجبارهم على الرحيل من ديارهم.
فمنذ حوالي أسبوع يعيش مسلمو ولاية آراكان الواقعة في غرب بورما أوضاعا مأساوية، بعدما تحولت المواجهات التي يشهدها الإقليم إلى حرب شاملة ضد المسلمين في بورما، فقبل عدة أيام قتل عشرة من دعاة بورما المسلمين لدى عودتهم من العمرة على يد مجموعات بوذية، قامت بضربهم حتى الموت وذلك بعدما اتهمتهم الغوغاء ظلما بالوقوف وراء مقتل شابة بوذية.
ومنذ ذلك الحين تجوب مجموعات مسلحة بالسكاكين وعصي الخيزران المسنونة العديد من مناطق وبلدات ولاية أراكان، تقتل كل من يواجهها من المسلمين وتحرق وتدمر مئات المنازل، وخاصة في منطقة “مونغاناو” في شمال الولاية، إضافة لمدينة “سيتوي” عاصمة ولاية آراكان.
وفي يوم الجمعة 3/6/2012 يوم اندلاع الثورة أحاط الجيش والشرطة البوذيّة بشوارع المسلمين تحسّباً لأيّ عملية مظاهرات وشغب في أراكان وبالتحديد في (مانغدو) ومنعوا المصلين من الخروج دفعةً واحدة، وأثناء خروجهم قام الرهبان البوذيين الماغ برمي الحجارة على المسلمين حتى أصيب عدد منهم، فثار المسلمون وقاموا بردة فعل، وقد احتقنت النفوس على قتل الدعاة العشرة وضياع حقوقهم طيلة العقود الماضية، فقاموا بأعمال شغب، وهذه الفرصة التي كان ينتظرها “الماغ” ليردّوا عليها بإبادة شعب طال تخطيطهم لها.
وبعدها تدخّل الجيش والتزم المسلمون بالتهدئة ورجعوا لمنازلهم وتمّ فرض حظر التجوّل على الطرفين فتمّت محاصرة أحياء الروهنجيين المسلمين حصاراً محكماً من قبل الشرطة البوذية الماغيّة، وفي المقابل ترك الحبل على الغارب للماغ البوذيين يعيثون في الأرض الفساد، ويزحفون على قرى ومنازل المسلمين بالسواطير والسيوف والسكاكين، فبدأت حملة الإبادة المنظمة ضدّ المسلمين والتي شارك فيها حتّى كبار السن والنساء، أمّا المسلمون العزّل فكلّ ما كان يحملونه عند ثورتهم بعد الجمعة مجرّد عصيّ وأخشاب لدى بعضهم، وهكذا بدأ القتل في المسلمين وحرق أحياء وقرى كاملة للمسلمين بمرأى من الشرطة الماغية البوذية وأمام صمت الحكومة التي اكتفت ببعض النداءات لتهدئة الأوضاع.
وقد أكد ناشط بورمي أن الحصيلة الأولية لحرب الإبادة التي تشنها مجموعة “ماغ” البوذية المتطرفة على المسلمين بلغت 250 قتيلاً وأكثر من 500 جريح وقرابة 300 مخطوف.
وأوضح الناشط البورمي محمد نصر في اتصال هاتفي مع “العربية. نت” أن مليشيات الماغ البوذية المتطرفة دمرت أكثر من 20 قرية و1600 منزل، وأن آلاف الأشخاص فروا من القرى التي أحرقت على مرأى من قوى الأمن العاجز.
واستنكر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، حملات الإبادة والترويع التي يتعرض لها مسلمو “بورما” في إقليم “أراكان” المسلم، بما فيها من أعمال القتل والتشريد والاضطهاد بالإضافة إلى تهجيرهم وتدمير منازلهم وممتلكاتهم ومساجدهم على يد الجماعات البوذية المتطرفة “الماغ”.
وأهاب الأزهر الشريف بحكومات العالمين العربي والإسلامي، وكل القوى المحبة للسلام والهيئات والمؤسسات الخيرية والإغاثية، وهيئة الأمم المتحدة، ومنظمات حقوق الإنسان في كل أرجاء العالم أن تعمل على رفع الظلم الواقع على هؤلاء المضطهدين الذين يعانون من التمييز العنصري وحرمانهم من حقوقهم، وأن تقدم الحكومات جميع أشكال الدعم لهم، لمنحهم حقوق المواطنة كاملة، وتمكينهم من العيش على أرضهم في أمن وسلام.
وكانت الهيئة العالمية للعلماء المسلمين التابعة لرابطة العالم الإسلامي قد انتقدت بشدة حملات الإبادة التي يتعرض لها المسلمون في بورما (الروهنجيين في أراكان) هذه الأيام، حيث يتم قتلهم وتشريدهم واضطهادهم، بالإضافة إلى تهجيرهم وتدمير منازلهم وممتلكاتهم ومساجدهم.
وطالبت الهيئة في بيان لها حكومات المسلمين ومؤسساتها الإسلامية الإسراع لنصرة مسلمي بورما الذين يعانون من الاضطهاد منذ خمسة عشر عامًا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *