تعديل ومراجعة منهاج التربية الإسلامية، يبقى الهامش المتاح فيه محدودا بحكم الرؤية العلمانية التي لا تزال تحكم تعليمنا، والتي ترى أن الاسلام والدين شأن يهم بالأساس مادة واحدة بعينها هي التربية الإسلامية وأن المواد الأخرى غير معنية إلا من جهة عدم التعارض في أحسن الأحوال مع الثوابت وليس بالضرورة الانطلاق من الرؤية الاسلامية المؤطرة للكون والحياة والإنسان.
من الايجابيات التي تم تسجيلها في النسخة الأخيرة المنقحة من منهاج التربية الاسلامية الذي صدر عن مديرية المناهج بوزارة التربية الوطنية ببلادنا (نسخة 30 يونيو 2016)، تصحيح عنوان المادة وتثبيت اسمها الذي عرفت به ألا وهو “التربية الإسلامية” عوض التربية الدينية التي أثارت جدلا واسعا وانتقادات عديدة، وتمت الإشارة في ديباجة المنهاج إلى أن الوثيقة “مشروع مراجعة وتحيين” بما يفيد قابليته للنقد والتصحيح والإكمال وفته للمناقشة العامة، وتمت إزالة النقد غير الموضوعي الذي وجه إلى البرامج الحالية والذي كان في النسخة السابقة، وتم اعتماد رؤية ونسق ينتظم مفردات المنهاج بغض النظر عن الموقف منه وإن كان بالنظر الأولي أقل تماسكا من رؤية ونسق المقرر السابق الذي اعتمد المكونات في الابتدائي والوحدات في الثانوي حيث تظهر أكثر شمولا واستيعابا لمجمل المقاصد الشرعية الفردية والجماعية.
ومن الإيجابيات المسجلة إعادة الاعتبار للسيرة النبوية التي هضم حقها في البرنامج السابق، وكذا اتساع الوعاء القرآني بتعدد سوره في المستوى الإعدادي ودخوله لأول مرة المستوى التأهيلي حيث ستكون فيه سور الكهف ويوسف ويس. ومن الايجابيات تعريف المصطلحات والمداخل المؤطرة للرؤية الجديدة دفعا لأي تحريف أو تأويل سيء لمضامينها.
ملاحظات وجب تداركها:
– سبق قلم يخص الديباجة حيث ورد في الفقرة الأخيرة منها “على ترجمة هذا التوجيهات الملكية..” عوض (هذه التوجيهات).
– بخصوص منطلقات مراجعة وتدقيق منهاج التربية الاسلامية، ذكر في المنطلقات العامة للإصلاح التربوي الميثاق الوطني للتربية والتكوين وكان من المناسب اقتباس ما يعني مادة التربية الاسلامية عوض الاكتفاء بالأمور التي تهم الفلسفة التربوية للمدرسة المغربية، وكان حريا اقتباس الفقرة الأولى من مرتكزات الميثاق والتي فيها: “يهتدي نظام التربية والتكوين للمملكة المغربية بمبادئ العقيدة الإسلامية وقيمها الرامية لتكون المواطن المتصف بالاستقامة والصلاح، المتسم بالاعتدال والتسامح، الشغوف بطلب العلم والمعرفة، في أرحب آفاقهما، والمتوقد للاطلاع والإبداع، والمطبوع بروح المبادرة الإيجابية والإنتاج النافع”.
– تظهر فقرة (استراتيجية الوزارة في مراجعة المنهاج والبرامج) أنها بترت واختزلت وكأنها تعني فقط “منهاج السنوات الأربعة الأولى من التعليم الابتدائي” في حين الوثيقة تهم مختلف المستويات من الأولي إلى مستوى الباكالوريا).
– وفي الاختيارات والتوجهات في مجال القيم يظهر تعمد التدليس من خلال القول في شأن ما تم اختياره “وهي مستقاة من المرتكزات الثابتة المنصوص عليها في الميثاق الوطني للتربية والتكوين، وتم إيراد عبارة “قيم حقوق الإنسان ومبادئها الكونية” والحال أن من يبحث في الميثاق لن يجد كلمة كونية، ولا حتى “حقوق الانسان المتعارف عليها دوليا” والوارد بحق هو العبارة التالية: “تحترم في جميع مرافق التربية والتكوين المبادئ والحقوق المصرح بها للطفل والمرأة والإنسان بوجه عام، كما تنص على ذلك المعاهدات والاتفاقيات والمواثيق الدولية المصادق عليها من لدن المملكة المغربية” وفرق كبير بين التعبيرين ومعلوم خلفية كل منهما.
– في إطار الاختيارات والتوجهات في مجال المضامين كان الأجدر الحديث عن كون المعرفة موروثا مشتركا عوض القول “اعتبار المعرفة إنتاجا وموروثا بشريا مشتركا” حتى تدخل التربية الإسلامية باعتبار خصوصيتها حيث يجتمع فيها الوحي الرباني والاجتهاد البشري المعتبر، مع استحضار أن الإسلام هو الأجدر بأن يطلق عليه وصف المعرفة الكونية باعتبار مصدره من الله رب كل الناس الذي أرسل الرسل رحمة للعالمين بخلاف المنتوج البشري يبقى خاصا بمن أنتجه ويصعب إطلاق الكونية عليه.
– في المواصفات المرتبطة بالكفايات والمضامين، من الأجدر إدراج كلمة “العلمي” في أنواع الخطاب بجوار كلمات “الشرعي والأدبي” حتى لا يفهم أن الشعب العلمية والتقنية غير معنية وحتى لا ينظر للمادة على أنها ضمن المواد الأدبية والإنسانية وأنها غير عابرة لمختلف التخصصات والاختيارات. وفي النقطة الأخيرة وجب الحديث عن استدماج القيم الاسلامية عوض الحديث فقط عن قيم العقيدة الاسلامية، حتى يدخل فيها قيم الأخلاق والسلوك والمعاملات.
– القول في إطار المرجعية الشرعية (وحدة المذهب الفقهي: المذهب المالكي وفق العقيدة الأشعرية والتصوف السني على طريقة الجنيد) فهذه العبارة غير سليمة وغير منسجمة مع المتداول في المصطلح العلمي السائد، فمعلوم بعد تدوين العلوم الإسلامية استقلال كل علم بمجاله الخاص فلا يخلط بين العقيدة والمذهب الفقهي والمذهب الصوفي كما في عبارة المنهاج.
– بخصوص المهارات الأساسية الواردة في النقطة السادسة تم الحديث عن “اتقان أداء العبادات (الوضوء والصلاة والصوم) ولم يتم الحديث عن مهارة المعاملات وفق ميزان الحلال والحرام في مختلف مجالات الحياة الفردية والجماعية، ووردت فقط عبارة عامة حول تسديد السلوك. فبقيت ثغرة كبيرة في المنهاج المقترح تهم معرفة المتعلم للطرق المشروعة للكسب والطرق غير المشروعة وكذا ما يجوز وما لا يجوز في المأكل والمشرب ونحو ذلك. وخلو المنهاج الجديد من أحكام الميراث وغيرها من المواضيع التي تعرف هجوما عليها وإثارة شبهات حولها من طرف خصوم الرؤية الاسلامية بما يفرض تلقيح الناشئة وتزويدهم بأدوات التدافع الحضاري في عالم التصورات والقيم والأحكام.
– عدم الواقعية في بعض الدروس المقترحة، فكيف يصلح تدريس “العقيدة الصحيحة والعقائد الفاسدة” في حصتين وكذا “الصلاة أحكامها ومقاصدها: الفرائض – السنن – المبطلات”، وكذا “حق الغير: حقوق الآباء والأبناء وذوي الأرحام” وغيرها.
وفي الختام وجبت الإشارة إلى أن تعديل ومراجعة منهاج التربية الإسلامية، يبقى الهامش المتاح فيه محدودا بحكم الرؤية العلمانية التي لا تزال تحكم تعليمنا، والتي ترى أن الاسلام والدين شأن يهم بالأساس مادة واحدة بعينها هي التربية الإسلامية وأن المواد الأخرى غير معنية إلا من جهة عدم التعارض في أحسن الأحوال مع الثوابت وليس بالضرورة الانطلاق من الرؤية الاسلامية المؤطرة للكون والحياة والإنسان.
كما أن الغلاف الزمني يبقى حاكما ومحددا لمجرد اختيار مواضيع بعينها ستختلف فيها التقديرات، ونبقى بعيدين عن المعلوم من الدين بالضرورة والتكوين الاسلامي المتين الذي يلقح أصحابه ضد الجهل بالدين وضد الهوى الكامن في النفوس وضد الغلو والتطرف والنظر التجزيئي والتصور العلماني والميوعة والتشيع والتنصير وغيرها من التحديات، مالم يتم استكمال التكوين في الأسر والمساجد والمؤسسات الثقافية والإعلامية وجمعيات المجتمع المدني، وللأستاذ الرسالي ما يستطيع القيام به من التوجيه وإكساب المتعلمين مهارة التعلم الذاتي من المصادر الموثوقة وأهل الذكر من العلماء العاملين المخلصين من أهل التوحيد والطاعة والسنة ومنهج الوسطية والاعتدال.