القمار في المغرب تخريب للفرد والأسرة والمجتمع

 

تدفع المدمن حاجة قوية -غير قابلة للسيطرة أو التحكم- لاستعمال مادة معينة مثل المخدرات أو الخمر، أو القيام بسلوك مشين  مثل لعب القمار، فيصبح هذا الأمر وجوديا للمدن، وأهم شيء في حياته، ويؤثر على دراسته أو عمله أو حياته العائلية والزوجية، وهنا مكمن الخطورة في الإدمان على القمار.

وفيما يخص هذه الظاهرة في المغرب، نجد أن الاحتلال الفرنسي حرص منذ دخوله المغرب على فرضها بالمغرب، حيث أصدر المرشال ليوطي ظهير القمار المؤسس لـ(PMUM)، والذي للأسف الشديد لم يتخلص منه بعد الاستقلال بل في سنة 1962 تم إنشاء الشركة المغربية للألعاب والرياضات، بالإضافة إلى سن قانون 33 دجنبر 1971 الذي تم بموجبه مغربة شركات القمار الفرنسية، فأصبحت الدولة المغربية هي الحاضنة للقمار عبر ثلاث شركات عمومية.

فتضافرت قوة الإدمان في ذاته، وقانونيته في تكريس هذه الظاهرة التي كانت لها نتائج وخيمة على الفرد والأسرة والمجتمع.

ونجد علماء الاجتماع والمهتمين بدراسة مثل هذه الظواهر يرجعون أسبابها الرئيسة إلى المعاناة من التفكك الأسري، وكذا الكثير من الضغوط الأسرية، ومنها الرغبة في الهروب من الواقع، ومصادقة رفقاء السوء، والرغبة في تحصيل المال بطريقة سهلة وسريعة، وكذا الترفيه والتسلية وقضاء وقت الفراغ، الذي يتحول إلى إدمان وممارسة بجنون.

فبعد الانغماس في القمار ومداومة لعبه وبلوغ درجة الإدمان يصبح المقامر لا يملك القدرة على التوقف عن لعب القمار، ودائم التفكير فيه طوال اليوم، مع الشغف والحب الشديد له، يبلغ درجة سرقة الأموال من أجل اللعب، مع تناول المخدرات أو المشروبات الكحولية، والبقاء خارج المنزل حتى ساعات متأخرة من الليل.

فإدمان القمار تتفرع عنه آفات اجتماعية خطيرة، ومتشعبة، وكأنه الشجرة التي تخفي الغابة، فمن تفكك أسري، وتشرد الأطفال، وارتفاع نسب الطلاق، واستهلاك المخدرات والخمر، والممنوعات، والسرقة، والاختلاسات، والقتل، وممارسة الدعارة؛ لأن هذا الإدمان لم يعد حكرا على الذكور بل اقتحم حتى الوسط النسائي.

فأصبح علماء طب النفس يتحدثون عن مرض يسببه القمار يسمى (pathological gambling) أي المقامرة المرضية، وخاصة عند من يمارسون القِمار في مرحلة المراهقة، وحسب  دراسات في الموضوع فإن هذا المرض له علاقة قوية بين كون الأبوين ممارسين للقمار وتأثر الأبناء بهم وإصابتهم بالمقامرة المرضية بين المناطق الفقيرة التي يتعاطى أبناءها المخدرات، والإصابة بهذا المرض النفسي إن صح التعبير، فهناك دراسة تؤكد أن ممارسي القمار عادة ما تكون حياتهم سلبية أو يعانون من الإحباط.

كما خلصت نفس الدراسة إلى أن للإدمان على القمار تأثيرا على كيمياء المخ وذلك نتيجة لعدم الانتظام في إفراز الدوبامين في دماغ الشخص المقامر لأنه يعرض أمواله للمخاطرة فتتأثر كيمياء مخه فيؤثر ذلك على نفسيته تأثيراً كبيراً، وكما هو معلوم فإن الدوبامين (Dopamine) مادة كيميائية تؤثر على الكثير من الأحاسيس والسلوكيات بما في ذلك الانتباه، والتوجيه وتحريك الجسم.

فليس من المنطق تكريس قانونية القمار الذي سيخلف لنا مجتمعا مريضا نفسيا، محملا بالكثير من الاضطرابات المرضية التي تهدد وجود الأمة، في الوقت الذي نجد دولا اتجهت لمنعه تماما كروسيا، أو تضييق الخناق عليه كاليابان، وعليه يجب إدخال تجريم القمار في الرؤية المستقبلية التي تتبناها المملكة لبناء مغرب جديد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *