هل سينجح المغرب في تعميم نظام الحماية الاجتماعية على جميع مواطنيه؟ الحسين بوزلو

 

تنفيذا للتوجيهات الملكية الواردة في خطابي العرش (يوليوز 2020) وافتتاح البرلمان (أكتوبر 2020)، عرضت الحكومة مؤخرا مشروع القانون-الإطار رقم 21.09 المتعلق بالحماية الاجتماعية. ويشكل هذا المشروع اللبنة الأولى لإطلاق ورش الإصلاح الشامل لنظام الحماية الاجتماعية في المغرب.

ويهدف هذا المشروع إلى تعميم التغطية الاجتماعية خلال السنوات الخمس القادمة (2021 -2025) لفائدة جميع المغاربة والنهوض بالعنصر البشري باعتباره حلقة أساسية في التنمية، لبناء مجتمع تسوده العدالة الاجتماعية والمجالية وتتقلص فيه صور الفقر والهشاشة. وينص مشروع القانون- الإطار رقم 21.09  على:

  • تعميم التأمين الإجباري الأساسي عن المرض خلال سنتي 2021 و2022، وذلك بتوسيع الاستفادة من هذا التأمين لتشمل الفئات المعوزة المستفيدة من نظام المساعدة الطبية، وفئات المهنيين والعمال المستقلين والأشخاص غير الأجراء الذين يمارسون نشاطا خاصا، حيث سيتمكن 22 مليون مستفيد إضافي من هذا التأمين الذي يغطي تكاليف العلاج والأدوية والاستشفاء.
  • تعميم التعويضات العائلية خلال سنتي 2023 و2024، وذلك من خلال تمكين الأسر التي لا تستفيد من هذه التعويضات من الاستفادة، حسب الحالة، من تعويضات للحماية من المخاطر المرتبطة بالطفولة (سبعة مليون طفل في سن التمدرس) أو من تعويضات جزافية.
  • توسيع قاعدة المنخرطين في أنظمة التقاعد (لفائدة خمسة مليون مغربي من الساكنة النشيطة) ، لتشمل الأشخاص الذين يمارسون عملا ولا يستفيدون من أي معاش، من خلال تنزيل نظام المعاشات الخاص بفئات المهنيين والعمال المستقلين والأشخاص غير الأجراء الذين يزاولون نشاطا خاصا، ليشمل كل الفئات المعنية،
  • تعميم الاستفادة من التعويض عن فقدان الشغل سنة 2025، لتشمل كل شخص متوفر على شغل قار، من خلال تبسيط شروط الاستفادة من هذا التعويض وتوسيع الاستفادة منه.

لاشك أن إصلاح منظومة الحماية الاجتماعية بالمغرب سيكون له انعكاسات إيجابية سواء على المدى القصير أو على المدى المتوسط والطويل. ويمكن تلخيص أهم هذه الانعكاسات في النقط التالية:

  • تقليص معدلات الفقر والهشاشة الناجمة عن أساسا عن انعدام أو ضعف دخل الأسر بسبب البطالة أو الشغل الناقص أو بسبب مخاطر صحية تعيق رب الأسرة عن العمل.
  • تقليص التفاوتات الاجتماعية والمجالية الناجمة عن سوء توزيع الثروة الاقتصادية.
  • تشجيع العمل اللائق من خلال توفير الحماية الاجتماعية للمأجورين وللعمال المستقلين وعلى الخصوص الذين يزاولون بالقطاعات غير المهيكلة.
  • الرفع من مستوى الرأسمال البشري على اعتبار أن اليد العاملة التي تكون بمستوى صحي جيد وكفاءات تعليمية مهمة تساهم لا محالة في الرفع من المردودية والانتاجية وبالتالي تحسين معدلات النمو الاقتصادي.
  • تعميم الحماية الاجتماعية يقوي عنصر الثقة لدى مختلف الفاعلين الاقتصاديين (الأسر، المقاولات، …) ويشجع على الاستهلاك الذي يشكل أحد العوامل الأساسية لتحريك عجلة الاقتصاد الوطني.

إلا أن تحقيق هذه الأهداف يبقى رهينا بتجاوز رزمة من التحديات وتحقيق مجموعة من المتطلبات والتي  يمكن إجمالها كما يلي:

  • ضرورة تأهيل المنظومة الصحية التي مازالت تعاني من عدد من الاختلالات الهيكلية، حيث يعتبر ورش إصلاح قطاع الصحة أحد أهم التحديات لتعميم الـتأمين الصحي على جميع المواطنين (تأهيل مؤسسات الرعاية الصحية الأولية، إلزامية احترام مسار العلاجات، ضبط المواعيد، تقليص التكاليف، …).
  • معالجة الخصاص المزمن على مستوى الموارد البشرية في قطاع الصحة وحسن توزيعها المجالي بما يضمن العدالة الاجتماعية على مستوى الرعاية الصحية.
  • التسريع في تنزيل الإصلاح الجديد لمنظومة الحماية الاجتماعية على اعتبار أن الجدولة الزمنية المحددة في خمس سنوات تبقى جد طموحة وقد تواجه عدد من العراقيل التنظيمية والادارية والمالية. فحسب التجارب الدولية يتطلب الاصلاح الشامل لنظام الحماية الاجتماعية عقود من الزمن وإصلاحات قبلية مهمة.
  • انخراط مختلف الفاعلين المعنيين (الهيئات المهنية، النقابات، القطاع الخاص، جمعيات المجتمع المدني، …) بإصلاح منظومة الحماية الاجتماعية في وضع الأسس والمبادئ العامة لذلك. فغياب هذا الانخراط ينذر بتعثر هذا المشروع بسبب عدم المشاركة الحقيقية لهؤلاء الفاعلين.
  • ضرورة القيام بإصلاحات ضريبية لفائدة القطاع غير المهيكل من خلال تبسيط المساطر وآليات الانخراط عبر اعتماد المساهمة المهنية الموحدة التي من شأنها التسريع من استفادة التجار والحرفيين ومقدمي الخدمات والمقاولين الذاتيين من نظام التغطية الصحية.
  • ضرورة القيام بحملات تحسيسية عمومية حول فوائد العمل المصرح به وتعزيز مهام مفتشي الشغل، وتعزيز رقمنة الإدارة العمومية، بالإضافة إلى تطوير استخدام الأداءات الإلكترونية.
  • توفير موارد كافية لتمويل منظومة الحماية الاجتماعية سواء من خلال آلية الاشتراك بالنسبة للأشخاص القادرين على المساهمة في تمويل هذه الحماية الاجتماعية أو من خلال آلية التضامن لفائدة الأشخاص غير القادرين على تحمل واجبات الاشتراك.
  • ضرورة اعتماد السجل الموحد الذي من شأنه استهداف أكثر فعالية للفئات الاجتماعية المستحقة للدعم والرعاية الاجتماعية. فأي تأخر لهذا السجل سينعكس على البرمجة المسطرة لتنزيل الاصلاح خلال السنوات الخمس القادمة.
  • إصلاح مختلف البرامج الاجتماعية الخاصة ببعض الفئات الاجتماعية (تيسر، دعم الأرامل، الأشخاص في حالة إعاقة، …) .
  • وضع حكامة جيدة لتدبير منظومة الحماية الاجتماعية خاصة في ظل تعدد المتدخلين وذلك من خلال اتخاذ الإجراءات اللازمة لوضع إطار للحكامة يمكن من ضمان التقائية مختلف أنظمة الحماية الاجتماعية واعتماد هيئة موحدة لتدبير هذه الأنظمة.
  • ضرورة مراجعة شروط الاستفادة من نظام التعويض عن فقدان الشغل المعمول بها من طرف الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وتبسيطها حتى يتسنى ملائمتها مع مختلف الفئات المشتغلة النشيطة خاصة بالقطاع غير المهيكل.

إن رفع التحديات المشار إليها أعلاه والتسريع في إنجار متطلبات إصلاح منظومة الحماية الاجتماعية ب سيمكن المغرب من تحقيق أهداف هذا الإصلاح وسيساهم في تحسين مستوى معيشة المواطنين. لكن على الرغم من مختلف الجهود المبذولة أو المسطرة لإطلاق ورش الإصلاح في أفق سنة 2025، سيظل بناء منظومة شاملة للحماية الاجتماعية ورشا مفتوحا ومدخلا من مداخل النموذج التنموي المنشود في اتجاه بناء عدالة اجتماعية حقيقية لمواجهة استحقاقات ما بعد كورونا.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *