تعرض الباحث في العدد السابق إلى الكفايات الأخلاقية التي يجب توفرها في المعلم المسلم؛ وتتمة لما مضى نورد في هذا العدد الكفايات العلمية والمهنية وكذا الأدوار الجديدة والكفايات التربوية اللازمة للمدرس وفق التصور الجديد.
2-الكفايات العلمية: ويعني ذلك أن يكون المعلم مثقفا ثقافة عامة بحكم كونه مربيا. وثقافة المعلم عامل مؤثر في نضوج شخصيته، واتساع أفقه، وسعة مداركه، حتى ينجح في مهمته التربوية والاجتماعية مع الأبناء والآباء والزملاء، وأهم ثقافة يجب أن يلم بها المعلم إلماما جيدا هي الثقافة النفسية للأطفال ومن يعلمهم، كذلك العلم بمواهبهم واستعداداتهم وقدراتهم الذهنية، كذلك معرفة قدر من العلوم الإنسانية، كالتاريخ والاجتماع والاقتصاد والسياسة والأدب، بالإضافة إلى إجادة اللغة 1العربية والتحدث بها للتلاميذ …
كما شددت كتب التراث الإسلامي فيما يخص الكفاءة العلمية؛ أن يكون المعلم غزير المادة العلمية، يعرف ما يعلمه أتم معرفة وأعمقها وعلى المعلم ألا ينقطع عن التعليم وأن يداوم على البحث و الدراسة وتحصيل المعرفة “دوام الحرص على الازدياد بملازمة الجد والاجتهاد والاشتغال قراءة وإقراء ومطالعة وتعليقا وحفظا وتصنيفا وبحثا ولا يضيع شيئا من أوقات عمره في غير ما هو بصدده من العلم إلا بقدر الضرورة”.
فالمعلم إذا شاء أن ينجح في تعليمه فلا مفر له على أن يقبل على الاستزادة من العلم بمادته وتخصصه ولتكن همته في طلب العلم عالية وعليه أن يبادر أوقات عمره إلى التحصيل ولا يغتر بخدع التسويف والتأمل.
3-الكفاءة المهنية: ويقصد بها مهارات التدريس التي يجب توافرها في المعلم لكي يستطيع أن يؤدي عمله على أكمل وجه لتحقيق أهدافه التربوية. ومن هذه المهارات:
(أ) استثارة الدافعية عند التلاميذ ووجودها عنده، فالمفكرون التربويون ينصحون المعلم بأن يثير دافعية المتعلم وأن يرغبه في العلم في أكثر الأوقات بذكر ما أعد الله للعلماء من منازل الكرامات وأنهم ورثة الأنبياء وعلى منابر من نور يغبطهم الأنبياء والشهداء.
(ب) مراعاة الفروق المهنية: أو ما يسمى حاليا بالبيداغوجيا الفارقية فلا ينبغي للمعلم أن يشرك الطالب عالي التحصيل مع متدني التحصيل وذلك لاختلاف قدرة كل منهما، ففي ذلك عدم إنصاف ويؤكد الغزالي بقوله بضرورة “ضرورة مخاطبتهم على قدر عقولهم”.
(ج) طريقة التدريس: حيث أشار المفكرون إلى أهمية طريقة التدريس للمعلم بأن لا ينقلهم من علم إلى علم حتى يحكموه فإن ازدحام الكلام في القلب مشغلة للفهم طبقا للقاعدة التي تقول: “الاستيعاب شرط للتجاوز”.
ومن طرق التعليم التي استخدمها المعلمون المسلمون أمثال ابن سينا هو التعليم التعاوني فيقول: “إن الصبي عن الصبي ألقن وهو عنه آخذ به وآنس”…
د-قوة الشخصية: إن قوة الشخصية عامل مهم جداً في نجاح المعلم في إدارة صفه وحسن قيادته لتلاميذه، من خلال حديثه ونظراته إليهم، ودون أن يلجأ إلى الصراخ أو رفع الصوت أو حمل العصا والتهديد والوعيد بل بما يملكه من قدرات قيادية وغزارة علمٍ ومحبةٍ لتلاميذه.
ونعني بقوة الشخصية في التدريس القوة المعنوية التي تمكن المدرس في أن يمتلك زمام صفه وَتحمل تلاميذه على أن يقبلوا عليه، ويمتزجوا به ويستجيبوا له، وطبيعي أن هذه الشخصية لا ترتبط دائما بضخامة الجسم أو جهامة الوجه أو غلظ الصوت.
بالاضافة إلى ما سبق، ينبغي للمعلم أن يهتم بالمظهر، وأن يحسن اختيار ملابسه بحيث تتناسب مع شكل جسمه وهيئته فلا يلبس الرجل البدين الملابس الضيقة، ويلبس النحيف الملابس الفضفاضة الملفتة للنظر.
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه:
أَجِدِ الثّياب إذا اكتسيت فإنها زَيْنُ الرجالِ بها تُعَزُ وَتُكْرمُ
وَدَعِ الَّتواضُـــعَ في الثياب تجوّبا فالله يعــــلم ما تُجنّ وتَكتُـمُ
فرثاث ثوبك لا يــزدك زلفـــة عند الإله وأنت عبد مجــــرم
وبهاءُ ثوبك لا يضـــرك بعد أن تخشى الإله وتتقي ما يحـرم
*الكفايات التربوية اللازمة للمدرس وفق التصور الجديد
وعلى ضوء التطورات التي يعرفها حقل التربية والتعليم عامة والمنهاج الدراسي خاصة إن على مستوى الغايات/المرامي أو الكفايات أو الأهداف والتقويم، أو ما يعرف بالمدخلات والعمليات التعليمية التعلمية والمخرجات… بات من الضروري التفكير في قطب الرحى في المنظومة التربوية -المدرس- الذي بدون دعمه وتكوينه تكوينا يراعي مقومات الجودة، يصبح من العبث الحديث عن ما يسمى بالمقاربة بالكفايات!!
إذن، ما هي المقاربة بالكفايات وفق هذا التوجه التربوي الجديد؟
أو بصيغة أخرى ما هي الكفايات المهنية أو التدريسية اللازمة لمدرس هذه المرحلة؟
ترتكز هذه المقاربة على أنشطة التعلم بحيث يتجلى دور المدرس في إرشاد التلميذ وفي إحداث مواقف بيداغوجية تظهر 2حب الاطلاع وميل للاكتشاف والتفكير وفي ملاحظة كيفية تعلمه .
ويعرف النجادي الكفايات التدريسية على: “أنها المعلومات والخبرات والمهارات التي ينبغي أن تتوافر لدى المعلم ليصبح قادرا على معالجة النواحي التربوية والعلمية والتطبيقية والعمل على تحقيق التكامل بين هذه الجوانب للوصول إلى الأهداف 3التعليمية المرجوة” .
ولعل حركة تأهيل المدرسين القائمة على الكفايات يمكن أن تساعد المدرس في أداء الأدوار الجديدة المنوطة به، “إذ تقوم هذه الحركة على توصيف الكفايات باستخدام المنهج التحليلي للأدوار والمهام التي يجب أن يقوم بها المدرس، وتحديد 4القدرات والمعارف والمعلومات التي يحتاج إليها ليقوم بأداء تلك الأدوار على أكمل وجه” .
تتعدد أنواع الكفايات التدريسية بتعدد النظرة إليها (فلسفات التعليم، نظريات التدريس، حاجات المجتمع، الاقتصاد، القيم…).
فقد أشار Gary Borich5 إلى أنواع من الكفايات اللازمة للمعلم هي:
– كفايات ترتبط بالمعارف.
– كفايات ترتبط بالأداء.
– كفايات ترتبط بالنتائج.
كما أشار يس قنديل(6) إلى أن هناك أربعة مجالات لكفاية المعلم وجميعها ضرورية لكي يمكننا أن نطلق عليه صفة المعلم الكفء أو الفعال في تحقيق النتائج التعليمية وهذه المجالات هي:
-التمكن من المعلومات النظرية حول التعلم والسلوك الإنساني.
-التمكن من المعلومات في مجال التخصص الذي سيقوم بتدريسه.
-امتلاك الاتجاهات التي تسهم في إسراع التعلم، وإقامة العلاقات الإنسانية في المدرسة وتحسينها.
-التمكن من المهارات الخاصة بالتدريس، والتي تسهم بشكل أساسي في تعلم التلاميذ.
وعموما يمكن القول بأن هناك أربعة أنواع من الكفايات المهنية هي:
– الكفايات المعرفية/الثقافية: وتدل على المعلومات والترسانة المعرفية والثقافية الضرورية لأداء المدرس في شتى مجالات عمله (التعليمي ـ التعلُّمي).
– الكفايات الوجدانية/المواقفية: وتشير إلى ميولات المدرس واتجاهاته وقيمه ومعتقداته، وهذه الكفايات تُغطي جوانب متعددة مثل: اتجاهه نحو المهنة (التعليم) وحبه لها يجعل عطاءه عطاء متينا وقويا.
– الكفايات الانجازية/المهارية: وتشير إلى كفاءات الأداء التي يُظهرها المدرس وتتضمن المهارات الحس-حركية (حسن التواصل الفعال والفاعل مع المتعلمين وتمكنه من توظيف وسائل وتكنولوجيا التعليم وانفتاحه على محيط المتعلم..).
* الأدوار الجديدة للمدرس
ومن أجل تطوير عمل المدرس وضعت مواصفات عالمية من قبل منظمات دولية، لكن سأركز على ما جاءت به المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، من المبادئ والمهارات التي ينبغي أن يمتلكها المدرس والمواصفات التي تمكنه من أداء أدواره بالشكل المطلوب من أبرزها:
• الفهم العميق للبنى والأطر المعرفية في الموضوع الذي يدرسه واستخداماتها وطرق الاستقصاء التي تم بها توليدها أو إنتاجها، والمعايير والقواعد التي تستخدم في الحكم عليها من حيث صحتها، وتاريخها وكيفية تطورها.
• فهم جيد للتلاميذ الذين يدرسهم، من حيث خصائصهم التي تؤثر في تعلمهم، ويشمل هذا الفهم معرفة دوافعهم وأساليبهم المتصلة بالتعلم.
• القدرة على استخدام التعلم الفعال، والطرائق والأساليب المناسبة لتحويل المحتوى الذي يراد تدريسه، إلى صيغ وأشكال قابلة للتعلم.
• فهم أساليب وطرائق التقويم الملائمة لتشخيص قدرات المتعلمين واستعداداتهم لتعلم موضوع ما وقياس ما حققوه من تعلم.
• التفاعل مع المتعلمين وإتاحة الفرصة للمناقشة والحوار، وإقامة علاقات عادلة معهم، والتحرر من الصور التقليدية للمعلم.
• الرغبة في التعليم والقدرة على التعلم الذاتي.
• الاتزان الانفعالي.
• القدرة على تبسيط المعارف واستخدام التقنيات الحديثة في البحث والتدريس.
• القدرة على تطوير ذاته، وتحسين الطرائق التي يتبعها في التعليم وفي تحفيز المتعلمين على المبادرة والمشاركة باتخاذ القرار.
• القدرة على تحقيق التواصل الفعال بين المدرسة والأسرة والمجتمع المحلي.
• امتلاك مهارات استخدام الحاسوب في الحياة العملية وفي التعليم كوسيلة تساعد على تطوير طرائق التدريس 7وتجعلها أكثر تشويقا وفعالية .
ولعلنا مما سبق ذكره آنفا؛ لاحظنا بأن النظريات العلمية والإنسانية الحديثة قد ظهرت بوادرها عند علماء التربية العرب والمسلمين منذ مئات السنين حيث ظهرت إسهاماتهم جلية، بل بذلوا عصارة فكرهم في بيان أصول التربية وفلسفتها وطرق تدريسها من خلال بيان أهمية مهنة التدريس بعد أن احتقرت عند المجتمعات خاصة العربية، فأضحت مادة دسمة للسخرية والاستهزاء.
———————–
1 – كمال عبدالمنعم خلي، صفات المعلم الجيد العدد : 530، مجلة الوعي الاسلامي.
2 – صلاح الدين لخزامي وصباح سلماوي، هل يمكن للمقاربة بالكفايات أن تنجح في المدرسة المغربية؟ تدريس علوم الحياة والأرض نموذجا، منشورات مجلة علوم التربية، الطبعة الاولى – المغرب، سنة 2007، ص97.
3 – النجادى، عبد العزيز راشد . “كفايات التدريس المطلوب توافرها لدى معلمي التربية الفنية بالمرحلة المتوسطة”، المجلة التربوية، جامعة الكويت، العدد التاسع والثلاثون، المجلد العاشر, 1996م.ص 115
4 – عبد الرحمن الأزرق ، علم النفس التربوي للمعلمين، ط 1، مكتبة طرابلس العلمية العالمية ، طرابلس، 2000، ص 220
5 – غازي مفلح: الكفايات التعليمية التي يحتاج معلمو المرحلة الابتدائية إلى إعادة التدريب عليها في دورات اللغة العربية التعزيزية ، كلية التربية ، دمشق ، 1998م، ص 60.
6 – يس عبد الرحمن قنديل: التدريس وإعداد المعلم، ط3، مكتبة الملك فهد الوطنية ، الرياض،2000م ص ص 100-101.
7 – المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (2000)