بورما ..أزمة تتفاقم بين التجاهل الدولي والتقصير الإسلامي

تصدرت بورما نشرات الأخبار العالمية منذ عدة أيام، لا لكي تُنشر أخبار المذابح اليومية التي يتعرض لها المسلمون هناك -فهذا خبر لا يرقى لاهتمامات الغربيين- ولكن لكي تُزف البشرى بأن شركة مياه غازية أمريكية ستفتتح مصنعا لها في بورما لأول مرة منذ ستين عاما.
ومما يدمي القلوب أن نجد صحفا عربية في عالمنا الإسلامي تهتم بنقل الخبر لنا ولا تهتم في المقابل -بنفس الحرارة والحماسة- بنشر أخبار معاناة المسلمين في هذه البقعة وهي التي تزيد عن معظم آلام المسلمين في أية بقعة في العالم، ولم تعرج تلك الصحف ولم تعقب في ثنايا خبرها بنشر شيء عن أحوال المسلمين هناك وكأن هذه البقعة لا تعنينا في شيء أو أننا قد أسقطناها بالفعل من حساباتنا واهتماماتنا.
ولكن بورما كغيرها من البلدان التي يُظلم فيها المسلمون لن تسقط من حساباتنا وستظل قضيتها ملحة في أذهاننا، ولن ندعي أننا نفعل ذلك بداعي الكرم أو الشهامة أو الإنسانية فحسب، بل ستتصدر اهتماماتنا من واقع إننا مأمورون بذلك دينا من رسولنا صلى الله عليه وسلم بذلك حيث دعانا بقوله: “لا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا يبيع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخواناً، المسلم أخو المسلم لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يكذبه، ولا يحقره، التقوى ههنا -ويشير إلى صدره ثلاث مرات- بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه “رواه مسلم.
نعم؛ قد يكون للغرب حساباته في عدم نصرة مسلمي بورما، فهو لا يهتم ابتداء بالمسلمين ولا يضع مصالحهم في حساباته، وما ذلك إلا بتقصير منا أيضا، فعندما هان علينا إخواننا واهتممنا بسفاسف أمورنا الداخلية وقدمناها على مصلحة الإسلام والمسلمين العليا هان إخواننا عليهم، وكأننا نسمع قائلهم يقول: “إذا كانوا قد هانوا عليكم وهم إخوانكم فكيف لا يهونون علينا وهم أعداؤنا؟”.
وجوانب تقصير المسلمين مع إخوانهم في بورما كثيرة يستوي فيها البعيد والقريب، فلم تقف دولة إسلامية وقفة واحدة ضد بورما رغم أنها دولة صغيرة لا تعد من القوى الكبيرة، فلم يتحدث في شأنهم الساسة والزعماء إلا حديثا مشابها لحديث رجل الشارع -لمن نطق منهم- فدارت كلماتهم حول تقديم المساعدات وإمطارهم بمظاهر الشفقة دون وجود موقف رسمي حازم وقوي.
فلا تزال سفارة بورما مفتوحة في معظم البلاد العربية والإسلامية ولا تزال العمالية البورمية البوذية تعمل في الدول الإسلامية وتكتسب الأموال لتحولها إلى الداخل البورمي ليستعينوا بها على إخواننا، ولا تزال أرض بورما لم يطأها مسؤول حكومي إلا العدد النادر جدا من المسؤولين المسلمين أو العرب، فماذا قدم المسؤولون الحكوميون لهم غير الدعوات بالتفريج عنهم، وهم في حاجة شديدة لما هو أكثر من مجرد الدعوات التي يملكون أن يرفعوها إلى الله عز وجل أفضل منا، فدعواتهم أقرب إليه سبحانه من دعواتنا، فهم مظلومون ودعوة المظلوم لا ترد.
وتعتبر بنجلاديش من أقرب الدول التي بها أغلبية مسلمة ومجاورة لبورما، ولهذا يكثر نزوح البورميين المسلمين إليها، ولكن على الرغم من أن الإسلام في بنجلاديش هو دين الأغلبية من سكانه حيث يشكل المسلمون 89.6٪، ويبلغ عددهم تقريبا حوالي 145 مليون مسلم حسب إحصاء عام 2009م، وهو العدد الذي يعتبر رابع أكبر عدد سكان لمسلمين في العالم، إلا أن دولة بنجلاديش تحكم حكما علمانيا خالصا معاديا للدين، بل يمكن القول أيضا بأن الإسلام في محنة حقيقية على يد العلمانية المتطرفة في بنجلاديش التي تسيطر على البلاد.
فالمسلم البورمي الذي يريد أن يفر بدينه إلى بنجلاديش يقع بين نارين لا يدري أيتهما أقل ضررا عليه، فهم مطرودون من كلا البلدين، فسلطات بورما تدعي -كذبا وزورا- بأن مسلمي الروهنجيا من الأصل مهاجرون غير شرعيين نزحوا إلى بورما إبان الحرب العالمية الثانية عام 1935م من بنجلاديش وأن عليهم العودة إلى بنجلاديش مرة أخرى، ولهذا تسقط عنهم الجنسية، وسلطات بنجلاديش ترفض ذلك وترفض استقبالهم ولو بدافع إنساني محض، فأسوأ مكان على وجه الأرض لمهاجرين فارين من ظلم في دولتهم هو مكان إقامة اللاجئين البورميين في بنجلاديش وذلك لمن يعتبر نفسه حسن الحظ والنصيب بدخوله أرض بنجلاديش.
وفي الآونة الأخيرة اعتزمت بنجلاديش بناء سور حديدي يمتد بطول حدودها مع بورما للحيلولة دون وصول مسلمي الروهنجيا الفارين من القمع البوذي إليها مع بناء أبراج مراقبة ووضع أسلاك شائكة على كل الحدود، وتم اقتراح دفع كتيبتين إضافيتين إلى قوات حرس الحدود البنجلاديشية البورمية لإحكام السيطرة لمنعهم حتى لو كانت النتيجة في هذه الحالة موتهم على الحدود جوعا وعطشا ومرضا وقتلا بيد البوذيين واغتصابا لنسائهم وتلاعب بجماجم أطفالهم.
وما الضير من هذا -في وجهة نظر سلطات البلدين- فهم أضيع من الأيتام على موائد اللئام وأنهم كخراف سائبة ليس لها راع ولا حارس ولا مهتم من الأصل بهم.
أهذا هو ما يمليه الإسلام علينا؟ أم هذا هو حال المسلم مع أخيه المسلم؟ أم هذا هو شكر النعم التي نحياها ونتمتع بها حين نسرف فيها في أمور ونترك من يحتاج لقطرة ماء لننقذ حياته أو قطعة قماش لتستر بها أخت لنا عورتها بعد اغتصابها مرارا؟
مركز التأصيل للدراسات والبحوث
-بتصرف-

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *