سلسلة منطلقات الخلاف بين أطياف السلفية المعاصرة (ج:18) شيخ الأفغان العرب عبد الله عزام تنظيم القاعدة يعلن عن نفسه مراد امقران

انتسب الشيخ (عبد الله عزام) الى جماعة الاخوان المسلمين التي كانت آنذاك بمثابة وعاء يستوعب جل الشباب المنخرط في العمل السياسي الراغب في الدفع بعجلة الحركة الاسلامية الى الامام وهو لم يتجاوز بعد (الخامسة عشرة) من عمره وقد كان الفتى اليافع المتقدة عيناه بوهج حماسة الشاب المسلم الملتزم والواعي بقضايا أمته وما يحاك ضدها وحقيقة المعركة، وهو يعد من خيرة الكوادر الطلابية التي كانت تنشط سواء بمصر أم بالأردن
كان لرسائل وتعاليم الشيخ المؤسس حسن البنا رحمه الله عظيم الأثر في حبْك شخصية عبد الله عزام المنهجية ثم الحركية لم يكن يخفي إعجابه بالشيخ حسن البنا وكان يشيد بالأسس التي قعد لها المؤسس، وما تمثله الأخيرة من منطلقات مهمة تشكل ركيزة متينة للحركات الإسلامية التي وجدت نفسها بداية من عشرينيات القرن الماضي وسط حلبة عراك يتلاكم فيها الإسلامي والقومي العربي والشيوعي والتغريبي.
كانت شخصية الشيخ (عبد الله عزام) تنصهر شيئا فشيئا في قالب (الخطاب الإخواني) الذي كان منتشرا بكثافة يومها ومسموعا في جل ردهات الجامعات الأردنية.. تسنى له تحصيل العلوم وأحكام زمامها سريعا فكان صاحب شخصية كاريزمية جذابة خولت له وعلى الرغم من حداثة سنه في لفت أنظار واستقطاب شباب الجامعة من ذوي الميولات الإسلامية الذين سرعان ما تحلقوا حوله باهتمام وبإصغاء شديد ليشكل هؤلاء الشباب فيما بعد النواة الأولى للمجاهدين الأفغان العرب بأفغانستان.
أتم عبد الله عزام مسار دراسته بتفوق وآثر الالتحاق بداية بالمملكة السعودية حيث كان يعمل في جامعة الملك عبد العزيز بجدة عام 1981م.
التقى الشيخ (عبد الله عزام) خلالها في الحرم المكي بالشيخ (كمال السنانيري) أحد أهم رجالات (الإخوان المسلمين) والذي كان مسؤولا في ذلك الوقت عن ملف الجهاد في أفغانستان داخل الجماعة..
عرض (كمال السنانيري) على (عبد الله عزام) الذهاب إلى أفغانستان لتمثيل (الإخوان) هناك ومن ثم تأسيس حاضنة للمجاهدين العرب المتوافدين على أرض الأفغان وإنشاء معسكرات تدريب وصقل للمهارات والقدرات بغية إعدادهم معنويا وتشجيعهم على المضي في مسيرة الجهاد ضد السوفييت الغزاة..
وافق (عبد الله عزام ) على طلب (كمال السنانيري) وطلب من مدير جامعة الملك عبد العزيز ندبه للعمل في (الجامعة الإسلامية الدولية) في (إسلام أباد) حيث انتدب بالفعل في أواخر عام 1981.
شارك (عبد الله عزام) في صياغة (فصول ملحمة الجهاد الأفغاني ضد السوفييت) وأبلى البلاء الحسن وكان بحق (الحاضنة الدافئة) التي كان يأوي إليها جميع المجاهدين العرب على مختلف مشاربهم المنهجية وجنسياتهم.. فكان يواسي المكلوم ويرفع من معنويات المجاهدين ممازحا ويؤلف بين القلوب ويعين الشباب المجاهد حدث السن على نوائب المعارك.
وفي الرابع والعشرين من نوفمبر 1989م انفجرت عبوة ناسفة من المتفجرات تم زرعها على الطريق الذي يسلكه (عبد الله عزام) وهو في طريقه إلى المسجد وقضى مع عزام رحمه الله في هذه الحادثة إثنان من أبنائه وصديق له كان يرافقه وقد تباينت الآراء في شأن مقتل الشيخ (عبد الله عزام) إلا أن كل المؤشرات حينها كانت تشير بأصابع الاتهام نحو (المخابرات الباكستانية) التي كانت تكيد (لعزام) لأنه تجرأ على اتهام اطراف محددة في (المخابرات الأمريكية والباكستانية) علنا على التخطيط لمذبحة (جلال أباد) التي راح ضحيتها مئات من خيرة (المجاهدين العرب).
مذبحة “جلال اباد”
كان عدد الشباب الذين تحلقوا بداية الأمر حول الشيخ عبد الله عزام في نهاية عام 1986م لا يتجاوزون أصابع اليد الواحدة.. لكن سرعان ما بلغ العدد في أول معركة يخوضها (المجاهدون العرب) بداية عام 1987 م (أي بعد عام واحد من تأسيس أول معسكر تدريبي) مئات من المجاهدين العرب ..وكان (عبد الله عزام) يشرف بنفسه على هذه العمليات ويكثف من مراحل الأعداد والتدريب ..وبانسحاب (السوفييت) من أرض الأفغان واندحارهم على أبواب قندوز وكابول وقندهار يكون دور المجاهدين العرب قد انتهى.
فكرت الولايات المتحدة في خطة تخلصها من هذا الخطر الذي لا تأمن عواقبه (المجاهدون العرب) والذي لم تحسب له أي حساب ففكرت وقدرت واهتدت إلى خطة إبليسية تشظى المجاهدون الأفغان بسببها إلى فصائل وألوية مختلفة متناحرة.
تمكنت أمريكا وبمساعدة من المخابرات الباكستانية التي كانت تتواصل مع بعض القيادات الجهادية الأفغانية “لا العربية” الإيعاز (للمجاهدين العرب) بإعادة الهجوم علي (جلال أباد) التي كان يتحصن بها فلول النظام الأفغاني الموالي للسوفييت كانت (جلال أباد) بلدة فائقة التحصين محاطة بسياج من مواقع عدة تتخللها مدفعية ثقيلة ..بينما كان تسليح (المجاهدين العرب) لا يتعدى الكلاشينكوف والأسلحة الخفيفة ..وبالفعل حدث ما خطط له (الأمريكيون والباكستانيون) وكانت الخسائر في صفوف (المجاهدين العرب) مروعة وبالمئات.
وكان (أسامة بن لادن) واحدا من الذين شاركوا في هذه المعركة وكان شاهد عيان على المذبحة المروعة التي حصدت أرواح رفاقه بتواطؤ مشبوه من المخابرات (الباكستانية والأمريكية) وعدد من (قادة المجاهدين الأفغان) المقربين من الدوائر الباكستانية.. وراح (عبد اله عزام) يندد علنا بهذه الفاجعة ويطالب بالانتقام ولفت الشيخ عزام الأنظار إلى وجود مؤامرة على المجاهدين العرب وعلى الجهاد الأفغاني برمته للتخلص منه ووأده في مهده حتى لا يعبر القارات وصولا الى الشيشان والصومال وفلسطين وتركستان والأندلس.
صرخ الشيخ عبد الله عزام في المجاهدين العرب يستنهض هممهم ويحثهم على الانتقام لرفاقهم المغدور بهم مطالبا باستهداف المواقع الأمريكية والباكستانية أينما كانت.
وكانت هذه هي المرة الأولى الذي يتم فيها التنديد (بأمريكا) علنا من داخل أفغانستان ومن (عبد الله عزام) بالذات الذي ظل البعض يحسبه على الولايات المتحدة لفترة طويلة.
قبل اغتيال الشيخ عبد الله عزام رحمه الله بعام واحد ظهر اسم (القاعدة) عنوانا للتنظيم الذي يتزعمه (أسامة بن لادن) فقد طلب (عزام) من الأخير تنظيم سجل (للمجاهدين العرب) المتوافدين يتضمن مسار حركتهم قدوما وذهابا والتحاقا بالجبهات وعلل (عزام) طلبه هذا بازدياد عدد الملتحقين للجهاد وما تبعه من زيادة في عدد حالات الإصابة والقتل وما يمثله نقص هذه المعلومات من حرج (لمكتب الخدمات) الذي كان يدير حركة المجاهدين في أفغانستان..
وبالفعل أصبحت هذه السجلات إدارة مستقلة وكان لا بد من إطلاق اسم عليها لتعريفها ضمن إدارات مكتب الخدمات وهنا أطلق عليها عزام اسم (سجل القاعدة) على أساس أن القاعدة تتضمن كل التركيبة المؤلفة من الأنصار ومعسكرات التدريب والجبهات.
بعد الاندحار السوفييتي وخروجه من أرض الأفغان على وقع طلقات مدافع التوماهوك التي حسمت المعركة خلال أشهر قليلة فقط وما تلاه من معارك مع النظام الأفغاني الشيوعي العميل لموسكو وحادثة اغتيال شيخ المجاهدين العرب (عبد الله عزام) عاد (أسامة بن لادن) إلي مسقط رأسه في السعودية، حيث استقبل يومها استقبال الأبطال من لدن الملك الذي كان مرفوقا بحاشيته وهيئة كبار العلماء، بينما توزع المجاهدون (الأفغان العرب) علي مسارات متعددة فهناك من مكث في أفغانستان وانخرط في الحرب الأهلية الدائرة هناك بين الفصائل الأفغانية المتناحرة بقيادة (برهان الدين رباني، وأحمد شاه مسعود، وقلب الدين حكمتيار، وجلال الدين حقاني) بينما توزع (المجاهدون العرب) الذين خرجوا من أفغانستان بين ثلاث مجموعات نتطرق لشيء من خبرها في الجزء الموالي بحول الله سبحانه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *