أعجب ما رأته عائشة من رسول الله صلى الله عليه وسلم

لما سئلت السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها عن أعجب ما رأته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، بكت ثم قالت: كان كل أمره عجباً، أتاني في ليلتي التي يكون فيها عندي، فاضطجع بجنبي حتى مس جلدي جلده، ثم قال: ياعائشة ألا تأذنين لي أن أتعبد ربي عز وجل؟ فقلت: يارسول الله: والله إني لأحب قربك وأحب هواك- أي وأحب ما يسرك مما تهواه- قالت: فقام إلى قربة من ماء في البيت فتوضأ، ولم يكثر صب الماء، ثم قام يصلي ويتهجد، فبكى في صلاته حتى بل لحيته، ثم سجد فبكى حتى بلّ الأرض، ثم اضطجع على جنبه فبكى، حتى إذا أتى بلال يؤذنه بصلاة الفجر، رآه يبكي فقال يارسول الله: ما يبكيك وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال له: ويحك يا بلال، وما يمنعني أن أبكي وقد أنزل الله عليّ في هذه الليلة هذه الآيات: {إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب…) فقرأها إلى آخر السورة ثم قال: [ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها].
والتفكر من أعظم العبادات؛ كما قال عمر بن عبد العزيز: “التفكر في نعم الله عز وجل من أعظم العبادة”.
وقال عامر بن عبد قيس: سمعت غير واحد ولا اثنين ولا ثلاثة من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يقول: “إن ضياء الإيمان أو نور الإيمان التفكر”.
قال الحسن: “تفكر ساعة خير من قيام ليلة”.
قال ابن القيم: “وأحسن ما أنفقت فيه الأنفاس: التفكر في آيات الله وعجائب صنعه”.
وذلك أن التفكر طريق الاعتبار.. وقد امتدح الله المعتبرين فقال بعد أن ذكر نهاية قوم لوط: {فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ. إن في ذلك لآيات للمتوسمين}(الحجر:74-75).. والمتوسمون: هم المعتبرون الذين يأخذون العبرة وينتفعون بها.
والاعتبار هو “التدبر وقياس ما غاب على ما ظهر”، أي قياس ما لم يحدث على ما حدث.. وضد التفكر الإعراض والبلادة والغفلة والتفريط.
والقرآن الكريم مملوء بدعوة العباد إلى التفكر في الآيات والنظر في أحوال المخلوقات، ونظر الإنسان في نفسه، وتفاصيل أحواله، ليتعرف على حقائق الكون وأسس الإيمان، وقواعد الحياة.
والتفكر والاعتبار من أعظم مقاصد قصص القرآن الكريم: {وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَۚ وَجَاءَكَ فِي هَٰذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ}(هود:120).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *