فجر الحماية الفرنسية، تنظيم الحماية والتهدئة ذ. إدريس كرم

نشرت الجريدة الرسمية الفرنسية في 27.7.1912 قرار رئيس الجمهورية بالموافقة على الاتفاقية المبرمة بفاس في 30 مارس 1912 بين فرنسا والمغرب لتنظيم الحماية بالإمبراطورية الشريفة 1912 الموقعة بين السلطان ورونو وكلف رئيس الوزراء وزير الخارجية بذلك.
العمليات العسكرية لم تهدأ في شهر يوليوز، الجنرال دالبيز عسكر قبالة صفرو ضد بني امطير في حين يقود الجنرال كورو عمليات ضد الروكي المتاخم للجهة الإسبانية المدعوم من قبل اجبالة كتب مراسل جريدة “la depeche marocain” عن مباغتة معسكر الروكي من قبل كلون كورو ليلا في ادشر علي يقول:
“طيلة الليل قاد ممثلو الأهالي كلون كورو دون جلبة لمفاجأة الأعداء عبر مسالك وعرة، وقد تم اختراق الدواوير المسلحة دون مقاومة تذكر بفضل قوتنا؛ حوالي الساعة الرابعة صباحا اكتشفت طليعة قواتنا من فوق إحدى التلال البعيدة بحوالي كلومتر خيام معسكر الأعداء، المفاجأة نجحت تماما بحيث تم مفاجأة الأعداء وهم نيام في قياطينهم بأمان وعند اكتشافهم لنا أسرع فرسانهم لامتطاء خيولهم وتقدموا لاعتراضنا وإيقاف زحفنا نحوهم وترك الفرصة للروكي كي يفر.
الجنرال دفع للأمام فوج فليب مدعوما عن يساره بفوج رفيير محميا من الجوانب بالفرسان؛ الأعداء تموضعوا على مضيق بعرض 1500م ومن هناك شرعوا في مهاجمة جناحنا الأيسر.
جنودنا اخترقوا معسكر الأعداء الذي تخلوا عنه، حيث فر من كان فيه تاركين عددا من البنادق والذخيرة، إضافة لقتلى وجرحى بلغوا حوالي خمسين جثة، بينما خسرنا ثلاثة قتلى و18 جريحا.
يوم 17 يوليوز تم إرسال الكلونيل مازيلي من المشاة الاستعمارية للجنوب الشرقي لصفرو لتفريق تجمعات ايت سغروشن ورجال سيدي رحو حيث عاقب طلائع المنهزمين الأعداء في عبد الواحد، ويوم 20 قاتل في اموزار قوات ضخمة من الثوار تركوا فيها خسائر جمة، في حين فقدنا نحن ضابطين أحدهما قتل في هجوم ليلي على المعسكر، وسبعة جرحى، وقد واصل مازيلي حماية القبائل الخاضعة كي تقوم بأعمال الحصاد بعدما خاض معركة جدية في كروان بضواحي الحاجب.
في 30 يوليوز توجه كلون قوي مكون من ثلاثة كتائب وسرية ونصف وبطارية 75 بقيادة الكومندار جيرالط نحو عين الصفام من أجل الوقاية من القبائل المسلحة ومراقبة ايت يوسي، وايت سغروشن.
من جهة أخرى جرت معركة بناحية لمعازيز في 19 يوليوز على طريق الرباط فاس وأخرى بكلتة الفيلا بأطراف ثكنة معسكر مرشان بزعير في عرقلة للطريق بين المدينتين.
كل هذه العمليات ورغم حرارة الطقس توالى العمل السياسي في مصاحبة للعمل العسكري، وقد غادر الجنرال كورو فاس مع كلون قوي من أجل القبض على الروكي الذي ثار من جديد في القبائل التي تم إخضاعها.
حاول قنصلنا ميجر التقريب بين لكلاوي ولمتوكي لكن لم يلق مساعدة في ذلك، في نفس الوقت ظهرت الثورة بدكالة، لكن الجنرال ليوطي تدخل بسرعة وكلف الكلونيل منجان من مشاة الاستعمار بالقيادة العسكرية والسياسية للمنطقة مع قيادة عامة بازمور وتوجه لمزكان في 29 يوليوز حيث توغل حتى امبارك بصحبة كلون صغير مساعد من ثكنة سيدي علي، واستدعى في الطريق الأعيان وأفهمهم بأن مراد ليوطي هو الهدنة، وقد تلقى من مراكش أخبارا بأن الوضعية بها هادئة وأن الأوربيين بإمكانهم مغادرتها بسلام حيث وصل عدد منهم للشاطئ.
أما في سوس فالوضعية ما تزال مضطربة وخطيرة حيث دعاية الهبة تلقى تأثيرا كبيرا.
القارب المغربي مراكش الذي يقوم بدور الحراسة البوليسية للساحل تعرض يوم 18 يوليوز لطلقات نارية قبالة أكادير، فأرسل الطراد كوصماو يوم 19 للناحية حيث قصف انزالة تاوتوروني الموجودة على بعد كيلومترين جنوب أكادير في أرض لكسيمة حيث مقر القائد الكلولي الموالي للهبة.
تواصلت عمليات الطراد والزورق ضد النهاب لمدة أربعة أيام كما أن دعاية استمرت في نشاطها حتى نواحي أكادير حيث تتم عمليات الطراد والزورق، وقد طرحت هذه الصعوبات والعمليات على الحكومة مسألة الإمدادات، وبكل حذر تقدم ليوطي بطلب في هذا الشأن من المتربول كما قال بوانكاري مخاطبا الجمعية العمومية، أنتم تعرفون الحذر المرفق مع طلب الجنرال ليوطي فهو يستحضر العمل الضروري الواجب القيام به في المغرب والوضعية العامة في أوربا وقد طلب منا فقط ستة أفواج.
وقد استجابت الحكومة للطلب في بداية شهر أوت 1912 فاختير للتوجه للمغرب متطوعون جدد من مشاة قوات الاستعمار وفوج قناصة البيين، كما طلب قوات بيضاء لأن المتطوعين العرب والسود صاروا في حالة سيئة كبيرة من جراء الأعطاب التي تتطلب العلاج والمداواة.
عاد الجنرال ليوطي لباريس في الصيف حيث قدم عرضا عن الوضع بالمغرب للحكومة الفرنسية حيث غادر فاس في 25 يوليوز 1912 بعدما ترأس الاحتفال بالعيد الوطني الفرنسي، وقبل الذهاب قدم لشرفاء المدينة مساعدات وكذا الإسرائيليين وطلبة القرويين وخبزا ولحما للبؤساء، وترأس استعراضا عسكريا بالمناسبة تحت أسوار المدينة بحضور خليفة السلطان مولاي يوسف أخ السلطان وفي ذلك قالت جريدة “l eco de paris”: “عندما كان الجنرال يستعرض واجهة القوات المشاركة في واجهة القوات وصل لخيمة الخليفة فنزل على حصانه وتوجه نحو الخليفة وصافحه وجلس قربه على الفراش على الطريقة الشرقية محاطا بالطنافيس هو والجنرال برلارد وهي إشارة تبين أن هناك تعاونا تاما بين الخليفة وممثل فرنسا بالمغرب، وبعد الاستراحة دعا المقيم الخليفة لامتطاء حصانه كي يرافقه في استعراض القوات.
وقد مرت القبائل في المقدمة تم تبعتها الجيوش الفرنسية، وتم الاحتفال في نفس اليوم بقصبة عرباوة باليوم الوطني الفرنسي بقيادة الكومندار فيكتور قائد ناحية الغرب سفيان وبني مالك بحضور أعيان الغرب حيث أبلغهم في خطابه لهم أن فرنسا ماضية في إقامة الأمن والسلام بالمغرب كما قامت قواته بجولات في المنطقة في نفس الشهر.
وقد أقام ليوطي حفلا بعد الاستعراض ألقى به كلمة مما جاء بها:
“بأي شعور نحن هنا في هذه العاصمة المغربية تحت علم محميتنا الناشئة، لكن بأي ثمن وبأية مجابهة وبأية تضحيات؟ لكن من الآن فصاعدا لن يتكرر مثل ذلك الذي مر بنا وبقواتنا والذي تعرفوه قبلي بالتأكيد.
أرى مثلكم الألوان الثلاثة مرفرفة فوق السواري في ثقة بفضل تضحيات الجنود والموطنين الفرنسيين المجتمعين هنا حولي، إنه لفأل حسن يؤشر بنجاح بعثتنا بهذا البلد، وقد تزامن مع عودة الجنرال كورو منتصرا مقدما لنا النجاح تلو النجاح في بسط الأمن والسلم في ظروف محفوفة بالمكاره وأرض مجهولة من زمن طويل.
أثناء هذه العمليات كان نهارنا في البعثة يمر ويدنا على مقبض السيف يدا في يد لتحقيق التفوق والقوة كي نخضع القوة، وكانت اليد الأخرى مفتوحة لكل من يريد الخضوع والطاعة، الحاضرون اليوم معنا في هذا الحفل من قياد القبائل والشرفاء وممثلي المخزن.
منذ أيام ونحن نقاوم بفاس لضمان جلب المساعدة للحماية على النهوض بمهامها في المغرب باعتبار مدينة فاس هي النواة الصلبة لتنظيم الحماية”، وقد أجابه ممثل السكان: “نحن نعرف ممثلك إنه منتصر ومنضبط، وإنه يتوفر على القوة في اليد اليمنى والرأفة في اليد اليسرى، فرنسا وعدتنا بالمؤازرة ونحن ننتظر النتيجة بابتهاج”.
بعد ذلك ذهب ليوطي للدار البيضاء حيث مكث بها أيام 25 و26 و27 وفي 28 منه وصل الرباط حيث استقبل سان اولير وكيار والسلطان الذي لم يخف عنه رغبته في التخلي عن العرش، وقد نقلت جريدة (طم temps) في مراسلة لها من الرباط قولها: “لا أحد يعرف التاريخ الذي اتفق فيه السلطان معنا عن تخليه عن السلطة، وقد يكون في منتصف الشهر القادم، وهناك سؤالان مطروحان وهما: من سيخلفه ابنه أم اخوه؟ ابنه ما يزال صغيرا، لكن لمراني ممثل المخزن في الدار البيضاء الموالي لفرنسا، يرى أن مولاي يوسف أو مولاي عبد العزيز هما المرشحان للخلافة، مولاي حفيظ لا يريد البقاء لا في المغرب ولا في طنجة بل يريد التوجه لفرنسا، آخر الأخبار تقول: إنه يريد التخلي قبل ذهابه لمكة” (ص:319؛ إفريقيا الفرنسية 1912″.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *