مهرجان لكل مدينة وموازين مهرجان عاصمة المدن أي قيمة تقدمها المهرجانات غير خدمة المتعة والانحراف؟ إبراهيم بيدون

يصل عدد المهرجانات بالمغرب إلى ما يزيد عن 90 مهرجانا فنيا، يجمع بين المهرجانات الدولية والوطنية الموسيقية والسينمائية والمسرحية والرقص.. أي بمعدل ثلاثة مهرجانات كل شهر، وهو ما يحقق رؤية مهرجان أو مهرجانات لكل مدينة، على غرار المشروع الذي تخوضه وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية مجلس علمي لكل عمالة، غير أن حمّى المهرجانات انتشرت بسرعة وتعدد المجالس العلمية لم يكمل بعد، وهو ما يفسر قوة هذه الأنشطة الفنية التي يحرص عليها جيل من القائمين المغاربة بل والأجانب كذلك..، ويكشف قيمة التمويلات الكبيرة المخصصة لهذه المهرجانات والتي تكلف ملايير الدراهم تذهب في جيوب الممثلين والمغنيين..، فهل في التمويل والتوقيت إشكال؟ وما هي القيمة المضافة والآثار السيئة لهذه المهرجانات؟
لا شك أنه لا يوجد أي مهرجان في المغرب لا يستفيد من دعم الحكومة، وهو ما يفسر أن مصاريف كثيرة من المال العام تقدم لإقامة هذه المهرجانات في الوقت الذي يعاني فيه ملايين المواطنين المغاربة من ارتفاع المعيشة وتزايد ثمن فواتير الماء والكهرباء، وتشرد الآلاف منهم في شتى مدن وجهات المملكة بسبب الزلزال والفياضانات، وهدم أحياء الصفيح، وعدم القدرة على دفع تكاليف الكراء (حتى أصبحت العديد من الأسر تعيش في المراحيض العمومية..)، وانعدام المستوصفات بله المستشفيات في كثير من المناطق، وغيرها من أسباب ضيق عيش المواطن المغربي، فبدل أن تضخ هذه الأموال في مشاريع تنموية يستفيد منها المغاربة، نستجدي الغرب وجمعياته للمساهمة في تنميتنا البشرية..
وبالنظر للتوقيت فحمّى المهرجانات تشتد خصوصا عند قرب امتحانات أواخر السنة الدراسية مما ينعكس سلبا على استعدادات التلاميذ والطلبة –ومن لم يشارك فيها أو يحضرها فآثار سلبيات تلك الموازين الخاسرة تصله-، وهذا يوضح استهتار واستخفاف القائمين على هذه المهرجانات بدراسة التلاميذ والطلبة الذين يستهويهم فضول الحضور والمتعة، ولو ضحى بالمذاكرة والاستعداد، فهل يكون توفير المتعة (الزائفة) على حساب التحصيل العلمي والدراسي؟
هذا بالإضافة إلى أن هذه المهرجانات تعرف سلوكيات لا أخلاقية، كمهرجان موازين الذي يستقطب مغنيي ومغنيات الإثارة الجنسية وبعض الفرق الموسيقية التي لا تتوانى في القيام بالسلوكيات المنحرفة، وهو ما وقع مع المغني الإسباني في دورة العام الماضي، حين تعرى على الخشبة أمام الجمهور، مما خلف سخطا لدى المواطنين الحاضرين وغير الحاضرين..، وهذه السنة أيضا دعت إدارة المهرجان مغنية غربية معروفة بغنائها بلباس عار، واعتبرتها الأفضل من بين المدعوات، فهل صار عري المغنيين عرفا في موازين يجب عدم تغييبه؟
إن استقطاب نانسي إليسا وهيفاء وميساء ومَن كل داء لهن داء (أدواء الشهوة والانحراف الخلقي) وأمثالهن، واستقبالهن بحفاوة كبيرة من المتفرجين يجعل منهن قدوة لجيل من فتيات الفيديو كليب ومهند والأفلام المكسيكية، وهو سبيل لتحريك الغرائز والشهوات في ذلك الجو الموبوء، فبعد رقصة على إيقاع نغمة، وبعد ابتسامة من إعجاب يتم تلاقح الغرائز لينتج علاقات غير شرعية، حيث تحدد المواعيد الغرامية واللقاءات الجنسية، وحري بتلك الأجواء أن تخلق هذه الظواهر؟
كما أن انحرافات من قبيل السكر والكثير من المخالفات الشرعية في تلك المهرجانات تستدعي تدخلا لكبح جماح رغبة المنظمين في استحلاب الأموال من وراء هذه التجمعات، وذلك بمنعها، لكن الذي يقع هو غض الطرف عليها لتحسين صورة وظروف إقامة المهرجان..
وللأسف تجد الكثير من الأسر ممن يدمن أفرادها النظر إلى التلفاز الهجين M2، والفضائيات الهابطة، تحج إلى تلك المنصات والأبواق، لسماع ذلك النعيق، وسط المنحرفين والفساق، مع أبنائهم وفلذات أكبادهم، فلا يرجعون إلا وحب نغمة ورقصة قد علق في قلوبهم، وبهذا تنتشر ثقافة الفن وتحقيق المتعة واللذة التي يعمل العلمانيون على غرسها في نفوس المغاربة، فيصبح الواحد منهم يمارس المخالفة الشرعية ويقول: أروح عن نفسي، فمتى كان الترويح بما يخالف شرع الله عز وجل؟
إن المجهودات التي تبذل في هذه المهرجانات حري بها أن تكون في خدمة المغاربة لترفع من مستواهم في التعليم، ولتقدم لهم بعض الخدمات الاجتماعية والصحية، أو لتوظف في برامج تربوية..، بدل أن تتسبب في انتشار الميوعة والانحلال الأخلاقي وانحراف الشباب، وتضييع الأوقات، واستماع ورؤية المحرمات، وغرس القيم الغربية القائمة على المادة والملذات، التي لا تعرف لدين حقه ولا لخلق قدره..
ورحم الله علماءنا الذين دأبوا على استنكار مثل هذه الأنشطة، فقد جاء في توصيات المؤتمر الثاني لرابطة علماء المغرب المنعقد سنة 1384هـ/1964م: “يستنكر المؤتمر إقامة الحفلات على النحو الذي نراه عليه اليوم، لما فيه من انتهاك لحرمة الدين والتحدي لشعور المسلمين وتبذير أموال الأمة فيما يعود على كيانها بالخراب”.
وفي توصيات مؤتمرهم الثالث المنعقد سنة 1388هـ/1968م، قالوا: “منع حفلات الفولكلور التي تجاب فيها النساء المسلمات ليرقصن بخلاعة أمام الجماهير وفي التلفزة لما في ذلك من مس بكرامة المواطنات ومنافاة لتعاليم الإسلام..”.
فمتى سنتبع علماءنا ونحافظ على قيم هويتنا ونجتنب مثل هذه المهرجانات التي تضر بديننا ودنيانا؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *