الشيخ مصطفى غربي للقراء الشباب: إياكم والغرور.. مهما بلغ صوتكم وحفظكم، ومهما اكتسبتم من القراءات حاوره إبراهيم بيدون

بعد إمامته لأزيد من 20.000 مصل بمصلى التراويح للرجال والنساء بحي الإنبعاث بمدينة سلا، كان لي مع الشيخ المقرئ مصطفى غربي أحد المقرئين المغاربة الكبار والمشاهير، هذا الحوار.

1- شيخ مصطفى، لكم عقود من الزمن مع كتاب الله، فماذا يمثل القرآن في حياتكم؟
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه ومن والاه.. “إن القرآن يهدي للتي أقوم”، هكذا أبدأ هذا الجواب مجيبا على سؤالكم، المتعلق بماذا يمثل القرآن في حياتي، إن القرآن هو كل شيء بالنسبة لي، لا أقول يمثل جزء كبيرا من حياتي، بل هو حياتي، بل هو كل شيء، إن القرآن فيه العز، فيه النصر، فيه الرفعة، فيه الغنى، في الرزق، فيه الشفاء، فيه كل شيء يحتاجه الإنسان، هذا في الدنيا، أما في الآخرة فالله تبارك وتعالى وعد التالين لكتابه المتدبرين له العاملين بمقتضياته، يحرمون ما حرم، ويحلون ما أحل، هؤلاء وعدهم الله تعالى، بالفوز العظيم، والدرجة العالية في الجنة، ويكفيهم عزا وفخرا أن الله تعالى يقول يوم القيامة لهم: “اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية تقرأها”، وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن وهو يتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران”.
وعن أبي أمامة الباهلي عند مسلم قال عليه الصلاة والسلام: “اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه”، فالقرآن يمثل كل الحياة، فهو الروح، فهو روحنا وروح كل إنسان، قال تعالى: “وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا”، فسمى الله القرآن روحا، لماذا؟ لأنه بفقد الإنسان للقرآن، فإنه يفقد الروح، وبالتالي فإنه يصيبه التلف والضياع.

2- أكيد أن القرآن هو أكبر من أن نحصره في مجرد التلاوة، بل هو كتاب تشريع وأحكام وعمل، فما قولكم للذين يريدون أن يحصروه فقط في التبرك بتلاوته، ولا يريدون العمل بما فيه من الأحكام؟
– هؤلاء لا يعرفون للقرآن قدرا ولا يقيمون له وزنا، القرآن أنزله الله تبارك وتعالى ليتدبره الناس، فالغاية من قراءته وسماعه تدبره وفهمه والعمل به والائتمار بأوامره والانتهاء عن نواهيه.
بعض الناس يعتقدون أن التغني بالقرآن عند القبور وعند الأموات وفي البيوت وعند الجنائز هذه هي الغاية من القرآن، بل الغاية الأسمى والمثلى أن القرآن أنزله الله تعالى ليتحاكم الناس إليه، وليعمل الناس به، وما الترنم والتغني بالقرآن إلا وسيلة من وسائل إيصال هذا القرآن للناس لكي يسمعوه ويفهموه، فتحسين الصوت بالقرآن مطلوب كما وردت السنة بذلك، وكما قال النبي عليه الصلاة والسلام لأبي موسى الأشعري: “كيف بك لو علمت أني أنصت إليك البارحة وأنت تقرأ؟”، قال: “يا رسول الله، لو علمت أنك تنصت إلي لحبرته لك تحبيرا”.

3- نحن نعيش في أيام رمضان ونعيش نسائم ليالي هذا الشهر المبارك مع كتاب الله عز وجل، ما هي العلاقة بين رمضان والقرآن الكريم؟
– هو عقد وثيق جعله الله تعالى بين القرآن ورمضان، ذلك أن القرآن أنزله الله في شهر رمضان، وفي ليلة القدر، كما قال تعالى: “إنا أنزلناه في ليلة القدر”، وفي آية أخرى قال تعالى: “إنا أنزلناه في ليلة مباركة”، فعلاقة القرآن برمضان، أنه شهر زينه الله تعالى بالقرآن، وبعض العلماء يسمونه بشهر القرآن، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعارضه جبريل القرآن في رمضان.
فالقرآن ليس ترنما في مضان، ولكن هو أحكام، يأمرنا بأن نصوم رمضان صياما تاما، نمسك عن شهوة البطن والفرج، نمسك ألسنتنا عن الغيبة والنميمة، نكف أيدينا عن إيذاء الناس، وعن غشهم، وهكذا.. كما أن رمضان فرصة لنعيش مع القرآن حتى نوطد أنفسنا في المسير والاستمرار مع القرآن.

4- مررتم شيخ مصطفى بابتلاء السجن، كيف كان القرآن معكم في ذلك الابتلاء، هل كان القرآن بالنسبة لكم نعم المؤنس، ونعم المثبت في تلك المحنة؟
– الابتلاء أو البلاء يعلم الإنسان أشياء لم يكن يعيشها، نعم يعلمها، يقرؤها، يستمع إليها من أفواه العلماء، ولكن هناك أشياء لا يتحقق الإنسان منها إلا بأن يعيشها وهو في البلاء، والله العظيم إن القرآن هو خير مؤنس، وصدق الإمام الشاطبي الرعيني رحمة الله عليه عندما قال وهو يصف القرآن، في منظومته الطيبة الزكية “حرز الأماني”:
وَإِنَّ كِتَابَ اللهِ أَوْثَقُ شَافِعٍ….وَأَغْنى غَنَاءً وَاهِباً مُتَفَضِّلاَ
وَخَيْرُ جَلِيسٍ لاَ يُمَلُّ حَدِيثُهُ….وَتَـرْدَادُهُ يَزْدَادُ فِيهِ تَجَمُّلاً
بمعنى أن الإنسان كلما أكثر من قراءته إلا ويزداد أنسا بعد أنس بالقرآن.

5- بماذا تنصحون الشباب حتى يرتبطوا بكتاب الله عز وجل، وكيف توجهون الآباء ليربوا أبناءهم ويربطوهم بالقرآن حفظا وعملا وتدبرا؟
– أولا أبدأ بالشباب، يا شباب اعلموا أن خيركم وهداكم ومستقبلكم وعزكم في كتاب الله تعالى، لا يغرنكم من يقول إن القرآن ليس له مستقبل؛ كنا بالأمس القريب نسمع الناس يقولونها كثيرا، ولكن انظر الآن إلى المحاكم مثلا تجد فيها القضاة ووكلاء الملك ورؤساء محاكم، وقد كان السبب الذي أهلهم لهذا الأمر هو أنهم قرأوا القرآن، ثم بعد ذلك دخلوا إلى المعاهد العتيقة، ثم أخذوا المعادلة، ثم درسوا في الكلية، ثم تهيأوا ومروا بامتحانات إلى أن صاروا ما هم فيه من الفضل والخير الآن، هذا في الدنيا؛ أما في الآخرة فجزاء القرآن وثوابه معروف.
إذن، نحفز الشباب على أن يلتزموا بالقرآن حفظا وفهما وتدبرا وعملا، ونوصي الآباء والأمهات بأن يشمروا على ذراعيهم ليحفزوا أبناءهم على أن يقبلوا على القرآن، فإن الإقبال على القرآن فيه خير كثير.

6- أنتم من الجيل الأول في المغرب الحديث من القراء المشاهير، ترون في الساحة -والحمد لله- كثر القراء من الشباب في بلدنا بلد القرآن، فهل من كلمة لهؤلاء الخلف الذين أنتم سلفهم؟
– نحمد الله العلي القدير، وكل شيء إنما منه سبحانه وتعالى، وليس للعبد فضل على نفسه بأن كوّن لنفسه شيئا، وإنما نقول الحمد لله الذي بفضله يهيء للإنسان ما لم يكن يعلمه؛ نحمد الله ونقولها بكل افتخار: أننا -إن شاء الله- لا أقول كنا النواة الأولى ولكن كنا ممن أنشأ وزرع هذه البذور في الناس والحمد لله تعالى؛ فنحن ننصح بأن يصير الناس على هذا المنوال، والقرآن كما ذكرنا أن فيه الخير والبركة والهدى والنور، خصوصا ونحن في ذاك الوقت لم تكن هذه الإمكانيات الموجودة، فقط كنا مثلا تأخذ مذياعا صغيرا، ومن أين لك المذياع؟ ومن أين تكسبه إلا بعد جهد جهيد، وتستمع إلى الشيخ عبد الباسط وإلى الشيخ المنشاوي وإلى الشيخ مصطفى إسماعيل وإلى الشيخ البهتيمي رحمهم الله جميعا، أما الآن فإمكانك تمسك بيدك الحاسوب الآلي فتدخل نفسك في كل القراء وفي كل القراءات، وهذا دافع وحافز للناس وللشباب خصوصا بأن يقبلوا على القرآن؛ وكذلك هناك قنوات وهناك إذاعات، ولا ننسى ما تفضل به أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس، حيث أنشأ -حفظه الله- إذاعة وقناة محمد السادس للقرآن الكريم وكان لهذه الإذاعة والقناة فضل بعد الله سبحانه وتعالى على الكثير من الناس حيث استفادوا، فجزاه الله خيرا، وجعل ذلك في ميزان حسناته، وهذه من الحجة التي تقام علينا.

. كلمة لهؤلاء القراء الشباب؟
– القراء الشباب عليهم أن يعلموا أن القرآن هو غنيمة، هو شرف، ولكن لا ينبغي لأي قارئ شاب كبير أو صغير أن يفتخر عندما يسمع كلمة “يا شيخ، يا شيخ”، يشعر وكأنه قد ملأ الدنيا، فمن أراد أن يصعد على ظهر القرآن وضعه القرآن، ومن وضع رأسه وطأطأه للقرآن، رفعه القرآن؛ فإياكم والغرور إياكم والغرور مهما بلغ صوتكم، ومهما بلغ حفظكم، ومهما اكتسبتم من القراءات، فإياكم أن تغتروا، فإن القرآن إما خير وإما شر، وصدق الحبيب عليه الصلاة والسلام إذ يقول: “والقرآن حجة لك أو عليك”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *