طارق بن زياد وقصة إحراق السفن

لما التقى جيش طارق بن زياد وجيش لذريق، أخذ طارق بن زياد في الاستعداد للمعركة الحاسمة، فاختار موقعًا مناسبًا في وادي لكة، يستند في أجنحته على موانع طبيعية تحميه، ونظم قواته، وقيل أنه أصدر أوامره بإحراق السفن ولكن ذلك محل خلاف لدى المؤرخين وهذا ما سنبين بطلانه في هذا المقال.
وقام في أصحابه، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثم حث المسلمين على الجهاد، ورغَّبهم فيه، واستثار حماستهم، وكان مما قاله طارق في الخطبة الشهيرة:
(أيها الناس، أين المفر؟ البحر من ورائكم، والعدو أمامكم، وليس لكم والله إلا الصدق والصبر، واعلموا أنكم في هذه الجزيرة أضيع من الأيتام في مأدبة اللئام، وقد استقبلكم عدوكم بجيشه وأسلحته، وأقواته موفورة، وأنتم لا وزر لكم إلا سيوفكم، ولا أقوات إلا ما تستخلصونه من أيدي عدوكم، وإن امتدت بكم الأيام على افتقاركم، ولم تنجزوا لكم أمرًا ذهبت ريحكم، وتعوَّضت القلوب من رعبها منكم الجراءة عليكم، فادفعوا عن أنفسكم خذلان هذه العاقبة من أمركم بمناجزة هذا الطاغية (يقصد لذريق) فقد ألقت به إليكم مدينته الحصينة، وإن انتهاز الفرصة فيه لممكن، إن سمحتم لأنفسكم بالموت..”.
فهذا الحادث باطل لعدة أمور نتناول بعضها:
أولا: هذه الرواية لم تثبت بسند صحيح ولم تذكر إلا عند المؤرخين الأوربيين.
الأمر الثاني: أنه لو حدث حرق بلا شك سيكون هناك رد فعل إما من موسى ابن نصير أو من الوليد بن عبد الملك أو سؤال عن هذه الواقعة، لأن هذا الأمر غريب أن يقدم قائد على حرق سفنه دون استشارة، أو دون تعليق من موسى بن نصير، أو من الوليد بن عبد الملك، أو من علماء المسلمين، أو دون بيان جواز هذا الفعل أم لا، كما لا نجد أي رد فعل بعد هذه الحادثة مما يعطي شكا في حدوثها.
الأمر الثالث: أن المصادر الأوربية أشاعت هذا الخبر لسبب واضح ألا وهو أن المصادر الأوربية والمحللين الأوربيين لا يستطيعون أبدا أن يفسروا كيف يستطيع اثنا عشر ألفا من الرجال الذين هم رجَّالة ليس معهم خيول الانتصار على مائة ألف فارس في بلادهم وفي عقر دارهم وفي أرض عرفوها، وأرض ألفوها كيف ينتصر هؤلاء القلة على هذه الكثرة العظيمة جدا من البشر، فقالوا إن طارق بن زياد حرق سفنه حتى أصبح أمام المسلمين حل واحد هو القتال ولذلك استماتوا في القتال فانتصروا لكن لو كانت الظروف طبيعية لقاموا بالانسحاب من البلاد وركبوا السفن وعادوا إلى بلادهم.
هذا لأن الأوربيين لا يستطيعون أن يفقهوا القاعدة الإسلامية المشهورة والمعروفة والمسجلة في كتاب الله سبحانه وتعالى: “كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ”، ولهذا أشاع الأوربيون هذه الإشاعة ليوهموا الناس أن المسلمين ما انتصروا إلا لظروف خاصة جدا.
الأمر الرابع: أن المسلمين لا يحتاجون إلى تحميس بحرق السفن وأنهم جاؤوا إلى هذه الأماكن راغبين في الجهاد في سبيل الله، طالبين للموت في سبيل الله، وأن القائد لا يحتاج إلى حرق السفن كي يشجعهم على القتال، هناك من يعترض على هذا ويقول إن حرق السفن قد مر في التاريخ كما فعل الفرس، نقول أن هذا الأمر طبيعي عند أصحاب الدنيا كما هو الحال في موقعة ذات السلاسل التي رُبط الجنود فيها بالسلاسل كي لا يفروا من المعركة.
الأمر الخامس: هو أن قائدا محنكا مثل طارق بن زياد يحرق سفنه ويحرق خط رجوعه إلى دياره، ماذا لو هزم في المعركة وهذا أمر وارد جدا، والأيام دول قد تحدث الكرة على المسلمين فترة من الفترات والله عز وجل يقول: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفاً فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاء بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ” أي أن هناك احتمال أن ينسحب المسلمون إما تحيزا إلى فئة، وفئة المسلمين كانت في المغرب فكيف يحرق طارق بن زياد سفنه ويقطع على نفسه الانحياز إلى فئة المسلمين أو يقطع على نفسه التحرك إلى قتال جديد.
الأمر السادس: هو أن طارق بن زياد لا يملك كل السفن لأن بعض السفن مؤجرة من يولين، فليس من حق طارق بن زياد أن يحرق هذه السفن.
لكل هذه الأمور نقول أن هذه الرواية في غالب الأمر مختلقة ليهون الأوربيون أمر فتح المسلمين للأندلس.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *