استثمار التطرف حامد الإدريسي

في زمن البورصات والأسواق المالية والبطاقات الذكية، كل شيء يستثمر حتى التطرف.
وفي هذه العجالة سأقوم بتعريف التطرف الذي ناقش الإسلامُ أبعادَه من قبل أن يتم تلقين الثقافة الإسلامية هذا المصطلح، ويحشر فيها منذ بضعة أعوام.
لقد جاء الإسلام بالحنيفية، والحنيفية هي الوسطية التي تنحرف عن جميع المعتقدات المتطرفة والبعيدة عن نقطة الوسط التي هي الفطرة.
نعم، لا بد كي تعرف التطرف أن تعرف نقطة الوسط، لأن التطرف يفيد بعدا مكانيا، فطرف في جهة وطرف في جهة مقابلة، وبينهما وسط، والوسط هو ما سماه القرآن الحنيفية، وهي عين الفطرة.
إذن إليك الصورة كاملة، فطرة في الوسط وابتعاد عنها إما غلوا إلى الأمام وإما تقصيرا إلى الوراء، وهو ما تشير إليه المصطلحات الشرعية بالمشاقة والمحادة والغلو والابتداع.
لكن المصطلح الجديد يحصر التطرف في التطرف الذي ينتج عنه تعنيف من ليس معك في نفس الطرف، أو بعبارة أخرى هو من يستخدم وسائل عنيفة تجاه من يقابلونه إما في الوسط وإما في الأطراف الأخرى.
نعم، هناك مسلمون غلاة، بالاصطلاح الشرعي، ومتطرفون بالمصطلح الدخيل، وقد كانوا ظاهرة قديمة قدم الإسلام، بل قدم الشرائع بل قدم التجمعات البشرية كلها.
فالتطرف أو الغلو هو مذهب فكري له أبعاد نفسية، لا ارتباط له بدين ولا بشعب ولا بفكر، بل هو طريقة في التعاطي مع الحياة نفسها في كل مظاهرها.
فكما يوجد في الإسلام غلاة ومتطرفون، يوجد في اليهودية وفي المسيحية بل وفي المذاهب الفكرية المادية كالماركسية والشيوعية، فالتطرف نتاج اجتماعي طبيعي، وليس يفيد قولي “طبيعي” أنه أمر مقبول، بل هو كالأمراض في الجسم، لا بد منها ولا بد من مقاومتها، وقد احتجت إلى هذا الاستدراك واضطررت إلى أن أقطع عليك اتصال الكلام، خوفا من أن يقتنيه مستثمروا التطرف، فيبيعونه للذين يشترونه منهم، وأصبح أنا ومقالاتي بضاعة في مستودعاتهم لفترة من السنين.
أعود فأقول إن التطرف أمر لا ينفك منه مجتمع بشري، ولا علاقة له بالإسلام ولا بغيره من الديانات.
والأنبياء هم أول من حارب التطرف، وفي مقدمتهم سيد البشر محمد عليه الصلاة والسلام، فقد قال عن المتطرفين : (لو أدركتهم لقتلتهم تقتيل عاد وإرم) وقال : (اقتلوهم فإن في قتلهم أجرا لمن قتلهم) وذلك عن الخوارج الذين يكفرون الناس ويقتلونهم بغير حق، وقد حاز أمير المؤمنين علي بن أبي طالب شرف تحقيق هذه النبوة، وخرج الخوارج في عهده، وبدأوا يسفكون دماء المسلمين ويعترضون سبيلهم، فقتلهم وأراح المسلمين منهم رضي الله عنه وأرضاه.
وقد نهى الإسلام عن التنطع فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (هلك المتنطعون، هلك المتنطعون، هلك المتنطعون) وكان صلى الله عليه وآله وسلم ينهى عن كل المظاهر التي تؤدي إلى التنطع، والكلام عن هذا يطول، لكن الذي أريد تقريره أن التطرف شيء ينمو في جميع الديانات والمذاهب ولا علاقة له بالإسلام.
هذا ما أريد أن أبينه كي أفسد على مستثمري التطرف تجارتهم التي عقدوها مع مستثمرين غربيين يدفعون لهم بسخاء كي يوجدوا ثغرات في هذا الحصن المنيع، وهذه الشريعة الربانية، التي قاومت أمثالهم وردت شبههم على مرِّ السنين.
إن هؤلاء المستثمرين هم أنذال صغار، أرادوا أن يصبحوا أنذالا كبارا، فهم يبحثون عن مظاهر التطرف ويكتبون حولها وينفخون فيها ويستثمرونها في تشنيعهم على الإسلام، فيلصقون التطرف بالإسلام ويخيطون القصص ويسردون الأحداث ويستشهدون بكلام المتطرفين ليرقعوا طرحهم البدائي.
هذا الطرح الساذج الذي يعتمد على التصوير والتهويل، وهو نفسه الذي يمارس على الأطفال الصغار حين نريد تحذيرهم من أن يثقوا بكل شخص يرونه في الشارع، فنأتيهم بقصة عن رجل شكله كذا وكذا اختطف ولدا وقتله، فيتأثر الطفل بالقصة، وكلما رأى شخصا يشبه ما رسمه في مخيلته ركب عليه القصة. وهذا أسلوب صحي في حماية الأطفال، لكنه أسلوب يتوافق مع قدراتهم العقلية.
أما الراشدون فهم أناس لديهم عقول، ويعرفون أن الإسلام ليس له علاقة بهؤلاء الغلاة الذين يقتلون الناس ويسعون في الأرض فسادا، فالله لا يحب المفسدين، والمسلمون يتبرؤون منهم ومن أفعالهم، لكن مستثمري التطرف ما زالوا يصرون على أن كل فعل متطرف فهو نابع من العقيدة الإسلامية، وما زلت أرى كتاباتهم المهترئة وهم يحاولون إيجاد نصوص شرعية كي يفسروا بها أفعال هؤلاء المنحرفين، فأقول في نفسي أليس الأجدر بهم أن يبحثوا عن نصوص شرعية تنجيهم من أفكار الضلال والإلحاد التي تؤزهم إلى فعلهم هذا أزا.
وقد كنت قرأت لأحد المهربين الكبار في هذه التجارة، وهو معروف بعدائه لكلمة التوحيد وأهلها، وغاظني ما قرأت، خصوصا حين أراد أن يسوق حديثا فقال ما نصه: “كما يقول الرسول محمد” فقررت أن أكتب عليه باسمه وأبين له كيف يكون احترام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لكنني حين نظرت إلى صورته التي يرفقها دائما في مقالاته عبر الجرائد، اكتفيت بما رأيت وقلت في نفسي:
أرى لك وجها قبح الله شكله،،، فقبح من وجه وقبح حامله
وتذكرت قوله تعالى: “يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ، هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ” التوبة، فتركت الكتابة عنه خصوصا، واكتفيت بهذه الإشارة التي أراها كثيرة في حقه، فليس لمثله ولأمثاله إلا مزبلة التاريخ التي هي منتهى أقلامهم، ومقبرة أحلامهم : “لِيَمِيزَ اللّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَىَ بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ” الأنفال.
فلتسطعي يا شريعتنا كنجم في السماء، وليخز هؤلاء وأمثالهم إلى يوم القيامة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *