نقد فكر الفيلسوف ابن رشد الحفيد نقد موقف ابن رشد من السنة النبوية و مذهب أهل الحديث و مواضيع أخرى

أولا: نقد موقف ابن رشد من السنة النبوية:
والحديث الثالث يتعلق بموضوع الرؤيا، وهو حديث صحيح يقول فيه النبي-عليه الصلاة والسلام-: (الرؤيا ثلاثا: فالرؤيا الصالحة بشرى من الله عز وجل، والرؤيا تحزين من الشيطان، والرؤيا من الشيء يحدث به الإنسان نفسه) وهذا الحديث لم يذكره ابن رشد عندما تكلم عن موضوع الرؤيا في كتابه تلخيص الحِس والمحسوس، فكان مما قاله: (وإنما كان بعض الناس أصدق رؤيا من بعض، وأكثر رؤيا في النوم من بعض، لموضع تفاضلهم في هذه القوة، أعني قوة التخيل). فهو هنا لم يذكر الحديث النبوي الذي ذكرناه، ولا الأحاديث الأخرى المتعلقة بالرؤى والأحلام، وبمعنى آخر أنه أغفل السنة النبوية تماما. وقدّم تفسيرا مغايرا لسبب صدق الرؤيا في الشرع بناء على الحديث النبوي، فهو جعل سبب صدقها قوة التخيل، لكن الحديث قسّمها إلى ثلاثة أنواع، الأولى هي الصحيحة لأنها بُشرى من الله تعالى. فابن رشد أغفل الحديث، وخالفه في التفسير، وأخطأ في تعليله لصدق الرؤيا بالتخيّل. لأن معنى كلامه أن الإنسان هو الذي يتحكم في صدق رؤياه بالتخيل، فكلما كان أقوى تخيلا كان أصدق رؤيا، وهذا مخالف للحديث، وللواقع الذي يشهد أن الإنسان لا يتحكم في صدق رؤياه بالتخيل ولا بغيره.
وأما الحديث الأخير -أي الرابع- فهو حديث صحيح يتعلق بدور المرأة في نوع الجنين من حيث الذكورة والأنوثة، يقول فيه النبي -عليه الصلاة والسلام-: (ماء الرجل أبيض وماء المرأة أصفر، فإذا اجتمعا فعلا مني الرجل مني المرأة أذكرا بإذن الله ، وإذا علا مني المرأة مني الرجل آنثى بإذن الله…). فهذا الحديث نصّ صراحة على أن كلا من المرأة يُساهم في نوع الجنين من حيث الذكورة والأنوثة، لكن ابن رشد أغفله وخالفه عندما تناول هذا الموضوع في كتابه الكليات في الطب، ونصّ على أن مني الرجل وحده هو السبب في تكوّن الجنين ونوعه، موافقا لأرسطو ومنتصرا لرأيه. فهو هنا خالف الحديث الصحيح، والأطباء الذين خالفوا أرسطو وانتقدوه فيما ذهب إليه. وقد بيّن العلم الحديث خطأ أرسطو وابن رشد فيما قالا به، ووافق ما جاء في الحديث النبوي من أن كلا من الرجل والمرأة له دور في تكوّن الجنين ونوعه، وهذا أمر أصبح من الحقائق الثابتة التي لا تحتاج إلى توثيق.
وأُشير هنا أيضا إلى أن ابن رشد لم يُخالف الحديث فقط برأيه الذي قال به، وإنما خالف أيضا القرآن الكريم، وكبار مفسري السلف. لأن القرآن أشار إلى دور الرجل والمرأة في تكوّن الجنين في قوله تعالى: (إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ) سورة الإنسان: 2، بمعنى من نطفة أخلاط، لأن المشج هو الأخلاط، ومعناه أخلاط من ماء الرجل وماء المرأة، وهذا قال به طائفة من علماء السلف الأول، كابن عباس، وعِكرمة، ومجاهد، والحسن البصري وغيرهم.
ومن مظاهر إغفال ابن رشد للسنة النبوية أيضا، أنه عندما زعم أن الشرع خاطب الجمهور بظواهر النصوص، وخصّ الفلاسفة بالتأويل البرهاني لتلك النصوص التي هي كفر يجب تأويله. أغفل سنة النبي وسيرته -عليه الصلاة والسلام-، ولم يحتكم إليها ليعرف أكان زعمه صحيحا أم باطلا؟. فلو رجع إليها لعرف أنه كان مُخطئا، لأننا نعلم أن رسول الله أقام دعوته على الصدق، والحق، والأمانة، والحكمة، والوضوح، ولم يُقمها على التدليس والتغليط وازدواجية الخطاب والشخصية في تعامله مع عامة الناس وخاصتهم، وقولنا هذا لا يحتاج إلى توثيق، فهو متواتر يشهد له القرآن الكريم، والروايات الحديثية والتاريخية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *