إن من أجل العلوم العلم بأسماء الله تعالى وصفاته، وكما يقال شرف العلم بشرف المعلوم، وهذا العلم موضوعه الأسماء الحسنى والصفات العلى([1]) التي إن تعرّف العبد عليها وعلمها وتعبد الله بها نال الخير بحذافره، وكيف لا والاشتغال بمعرفة أسماء الله وصفاته اشتغال بما خلق العبد من أجله ألا وهو عبادته سبحانه، إذ لا يتصور عبادة من لا نعرفه، لذا أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم -والأمر كذلك لنا- بالعلم به سبحانه فقال: “فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ”، ومن أعظم طرق العلم بأنه تعالى لا إله إلا هو: “تدبر أسمائه وصفاته وأفعاله الدالة على كماله وعظمته وجلاله، فإنها توجب بذل الجهد في التأله له والتعبد للرب الكامل الذي له كل حمد ومجد وجلال وجمال”([2]).
ولعظم شأنها فقد أكثر القرآن من ذكرها، يقول شيخ الإسلام عليه رحمة المنان: “القرآن فيه من ذكر أسماء الله وصفاته وأفعاله، أكثر مما فيه من ذكر الأكل والشرب والنكاح في الجنة، والآيات المتضمنة لذكر أسماء الله وصفاته أعظم قدرا من آيات المعاد، فأعظم آية في القرآن آية الكرسي([3])المتضمنة لذلك.. وأعظم سورة أم القرآن([4])..”([5]).
والإيمان بأسماء الله تعالى يتضمن كما يقول العلماء ثلاثة أمور([6]):
أ- الإيمان بالاسم نفسه.
ب- الإيمان بما يتضمنه من صفة أو صفات.
ج- الإيمان بآثاره.
وهذا الأمر الثالث هو الثمرة المرجوة من العلم بأسماء الله تعالى ومعرفتها، وذلك لأن غاية العلم العمل وظهور آثار هذا العلم في أخلاق الإنسان ومعاملاته بل في حياته كلها.
يتبع..
———————————–
([1]) معلوم أن توحيد الأسماء والصفات هو أحد أقسام التوحيد الثلاث التي استفادها العلماء من نصوص القرآن والسنة بالاستقراء، وقد نازع في هذا التقسيم بعض أهل البدع كالأشاعرة معتبرين إياه أمرا محدثا وبدعة، وما ذاك إلا لمخالفتهم سبيل السلف الصالح ومعارضتهم للمنهج القويم في كثير من مسائل الاعتقاد.
([3]) كما في صحيح مسلم من حديث أبي بن كعب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: أتدري أي آية في كتاب الله أعظم؟ قال: “اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ”، فضرب بيده في صدره، وقال: “ليهنك العلم أبا ذر”.
([4]) فعن أبي سعيد بن المعلى رضي الله عنه -مرفوعا-: “.. لأعلمنك أعظم سورة في القرآن قبل أن تخرج من المسجد”..”الحمد لله رب العالمين هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته” البخاري وغيره.
([5]) كتاب “درء تعارض العقل والنقل”.
([6] ) إن كان الاسم متعديا، أما الإيمان بالأسماء اللازمة كاسم الحي مثلا فيتضمن أمرين فقط: الإيمان بالاسم وبما تضمنه من صفة أو صفات.