على هامش الذكرى 23 لتأسيس القناة الثانية (2M) أحمد السالمي

في مثل هذا الشهر؛ وبالضبط في الثالث من شهر مارس 1989م تأسست القناة الثانية (2M) على يد مجموعة (ONA) أمنويم شمال إفريقيا، ومنذ ذلك الحين رسم المشرفون على القناة؛ من خلال ما تم بثه من أعمال وبرامج ومسلسلات وأفلام؛ خطهم الإعلامي والمرجعية التي يصدرون عنها.
إلا أن القناة التي كانت آنذاك قناة خاصة فشلت في تجربتها؛ ما أدى إلى إفلاسها. فقامت الدولة بضمها إلى القطب الإعلامي العمومي؛ ليصبح بعد ذلك المواطن الذي يؤدي فاتورة الماء والكهرباء أحد أبرز ممولي هذه القناة.
وبعد التأميم حافظت القناة الثانية على خطها الإعلامي ذي المرجعية العلمانية المصادم للهوية المغربية؛ الأمر الذي أثار حفيظة عدد كبير من أبناء هذا الشعب؛ فعبروا بشتى الوسائل التي يمكن من خلالها إيصال الخطاب عن شجبهم ورفضهم لهذا الطرح؛ لكن احتجاجاتهم -في ظل الحكومات السابقة- كانت بمثابة صيحة في واد أو نفخة في رماد.
ولا زالت القناة الثانية إلى اليوم تسلك السبيل نفسه؛ بل أكثر من هذا ففي ظل الظروف العصيبة التي يمرُّ بها المغرب وباقي الشعوب العربية والشعب السوري على الخصوص؛ لم تستح القناة -على الإطلاق- من إحياء السهرات الليلية والبرامج المخزية والمهرجانات الموسيقية؛ ولم تتوانى في بث عروض مهرجان الضحك الذي أقيم بمدينة مراكش، في فترة تزامنت وارتفاع عدد المجازر الوحشية التي يقترفها الطاغية بشار وشبيحته ضد الشعب السوري الأعزل، ضاربة بمشاعر ملايين المغاربة المكلومين من مناظر الدماء والأشلاء عرض الحائط؛ وضاحكة على جراح شرائح واسعة من أبناء الشعب المغربي التي تعاني من الهشاشة والفقر والتهميش والإقصاء.
ولا أظن القارئ الكريم في حاجة كبيرة إلى عرض مفصل لبرامج القناة؛ ولا إلى الحيز الكبير الذي تحظى به برامج التغريب والتتفيه والتمييع.. !! والأفلام والمسلسلات المكسيكية المدبلجة التي تستحوذ وحدها على ما يقرب من 7 ساعات و23 دقيقة من وقت البث اليومي، حيث يتم بث سبعة أفلام كل يوم من الإثنين إلى الجمعة؛ وذلك في الساعة 8:د52، وفي الساعة 11:د48، وفي الساعة 11:14د ، وفي الساعة 17:د22، وفي الساعة 18:د46، وفي الساعة 19: د39، وفي الساعة 12: د06؛ فصار بذلك المشاهد المغربي المسكين محاصرا من كل جانب بالأفلام المكسيكية وغير المكسيكية المدبلجة.
وفي السنوات الأخيرة لم تكتف القناة الثانية بترسانتها من الأفلام المكسيكية المطبعة للفاحشة، بل استعانت بالأفلام التركية والكلومبية والكورية أيضا الأمر الذي انعكس سلبا على منظومة الأخلاق وأثر بصورة واضحة على الفرد والأسرة والمجتمع.
ونحن نتساءل: لماذا الإصرار على هذا النوع من الأفلام التي تخالف مرجعيتنا وتغتال هويتنا؛ وتجعل شبابنا تائها بين فخذيه؛ مهرولا وراء إشباع شهواته ورغباته الجنسية؟
إن هذا النوع من الإعلام الذي يسبح ضد التيار؛ لا يعير أي اهتمام لدين أو قيم أو أخلاق هذا البلد؛ فهمه محصور في ترويج فكر وتطبيع سلوك يحصر الإنسان في الجانب المادي؛ ولا يعير اهتماما لجوانب أخرى أكثر أهمية، تؤثر تأثيرا عميقا في حياته وآخرته، وهذا يتضح بجلاء في أعمال وإنتاجات هذه القناة، وفي الفواصل الإعلانية ذات الهدف الاقتصادي وتوظيفه المرأة والجنس لترويج السلعة، أي أن هذه الإمبريالية الإعلامية لا ترى الإنسان إلا من خلال هذين البعدين (الاقتصادي؛ والجنسي/الشهواني).
فهذه القناة منذ نشأتها وهي تعمل على إرساء قواعد التيار العلماني في المغرب؛ ويكفي قارئَ هذهِ الأسطُر أن يستحضر موقف القائمين عليها من التدين والحجاب والإجهاض والمهرجانات والحرية الفردية والتنصير.. والقائمة طويلة جدا..
فهي مثال حقيقي للقناة التي عشش فيها الفساد وفرخ..
مثال لقناة سيطر عليها أفراد مدعومون من أحزاب وجهات تدين بالمرجعية العلمانية وتسعى إلى تطبيع النموذج الغربي وصناعة أمة شهوانية بعيدة عن الدين والأخلاق والقيم؛ (وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا) النساء: 27..
ونحن كمغاربة؛ نأمل في إطار الحراك وفي ظل التغيرات التي تشهدها بلادنا أن تسند إدارة هذه القناة -التي تمول بأموال الشعب- إلى أطر كفأة؛ تعتز بهويتها وتعي جيدا مخططات أعدائها، وتعكس صورة الإعلام المغربي المتميز، وتستغل هذه الوسيلة لخدمة هذا البلد انطلاقا من مرجعيته.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *