في الحلقة السابقة تطرقنا لتقرير “منجان” حول معركة “واد محاسر”، ونواصل في هذه الحلقة التطرق لنتائج تلك المعركة والتوجه لاحتلال القلعة.
“سمحت طبيعة أرض المعركة المنفتحة للأمام بمواصلة الزحف في الوادي حيث تم الاستيلاء على بساتين زيتون جمعة انتيفة على الساعة 16 و30.
استولى فوج الاستعمار على التل الشرقي حيث قضى الليل، بينما فوج “بيرون” قضى الليل في التل الجنوبي، وأما الكوم فباتوا بينهما؛ وباقي القوات باتت في السوق وفي المركز.
وصلت مفرزة مونهافن وبيانجي على الساعة العشرين، الأولى بعدما خاضت معركة حامية في الجنوب، ثم واصلت الطريق بعد تشتت الأعداء، والثانية لم تلق أية مقاومة حقيقية بعدما استخدمت مدافعها ضد الذين كانوا يعترضونها من أعالي الجبال، فتراجعوا للشمال الغربي مثخنين.
فوج مونهافن أقام في نفس الكدية التي تتوسط منطقة غرب السوق، وفوج بلانجي احتل مرتفعات الشمال.
خسائرنا كانت كالتالي: سبعة جرحى منهم أربعة سنغاليين وثلاثة جزائريين، اثنان منهم في حالة خطيرة، وتم استهلاك 400 طلقة مدفع، و12000 رصاصة؛ وقد مر الليل دون حوادث؛ مبعوثون أعلمونا بأن الأعداء المرعبين اختفوا بصفة نهائية.
الحركة تكونت من 5000 بندقية، فيها 1000 فارس من انتيفة وتادلا والسراغنة (فرقة صنهاجة).
قضى الكولون يوم 28 في جمعة انتيفة يستقبل طاعة واستسلام فخذات انتيفة ومحيطها دون سماع أية طلقة نار.
السير نحو القلعة
الحصيلة المستخلصة من بلاد انتيفة كانت مرضية، والحركة ارتدعت وانصرفت بصفة نهائية، حيث علمنا أن ثوار تادلا عندما كانوا في الطريق لتعزيزها، انقلبوا على عقبهم بعدما علموا بهزيمتها وبالخسائر الكبيرة التي لحقت بمكوناتها.
قرار السير نحو القلعة تم اتخاذه يوم 29 نونبر 1912.
عسكر الكولون على واد تاساوت مرحلة 25 كلم، ويوم 30 كان في القلعة حوالي منتصف النهار مرحلة 24 كلم.
لم تكن هناك أية عراقيل في الطريق لأن يوم جعة انتيفة فتّت في عضد بربر الجبال وأدهشت بشكل قوي نواحي السهل، لأن دواوير المنطقة تابع سكانها المعركة السالفة على المرتفعات التي كانت مسرحا لقصف المدافع للقنابل الحارقة، والتي لم تسلم منها القصبات التي ظن أنها بعيدة عن مرمى النيران، حيث تم مشاهدتها وهي تحترق.
قضى الكولون الفاتح من دجنبر 1912 بالقلعة حيث توصل بقافلة التموين، وواصل منجان إتمام التنظيم الإداري لبلاد السراغنة، ثم دخل بنكرير في حراسة فرسان الكوم الثانية.
العودة لمراكش
يوم 2 دجنبر، جزء من القوات: فوج الجزائريين بيرون، فرقة سنغاليين من الفوج السادس، الكوكبة الثانية اصبايحية، الكوم الثانية، فصيلة 75، فصيلة إسعاف، بقيادة ليوطنا كولونيل “صافي”، عليها اجتياز الرحامنة من الشمال للاتصال في أم الربيع بحامية لبروج.
هذا الكولون أمر بالقيام بمهمة أخرى هي حماية طريق مشرع بن عبو-مراكش أثناء تنقل السلطان، فوصل يوم 3 دجنبر لواد أم الربيع بمشرع الحمري.
مفرزة لبروج شوهدت على الضفة الأخرى؛ قائدها الكومندار بتريكس اجتاز المشرع بمفرده وعاد مصحوبا بليوطنا كولونيل صافي؛ صعوبة المواصلات أعاقت التواصل بينهما سابقا.
بعدها أخذ صافي طريق مشرع بن عبو من أجل الدخول لمراكش يوم 13 بعد تأمين حماية طريق السلطان.
باقي القوات: الفوج السنغالي مونهوفن، فوج استعمار بوتلوب، فوج ازواوا، الفوج السنغالي بلانجير، بطارية 65 جاكير، وبطارية 75 بير، فرسان، قافلة إسعاف، بقيادة ليوطنا كولونيل جوزيف التحقوا مباشرة بمراكش يوم 4 دجنبر بدون حوادث عبر تامرللت يوم 2 دجنبر وكدية إيسلان يوم 3 منه.
النتائج المستخلصة
من الناحية السياسية تعززت وضعيتنا في شرق مراكش؛ مسفيوة ما يزال إخضاعها متعذرا لأن سكانها ما برحوا على علاقة بالهبة، مكونين ملاذات خطيرة في أبواب مراكش ونحن نحاول إخضاعهم، السيطرة على تاسيريموت ذات الوضع الحصين المشهور على ارتفاع 1200م.
دخول دمنات، المتمردة على المخزن منذ مدة، ترك صدى كبيرا، حضورنا في هذه المدينة ووضعيتنا في الزاوية الشرقية من منطقة نفوذنا له أهمية بالغة، يبينه تركنا مفرزة مكونة من 500 جندي كلاوي يحتمل عودتنا لدعمها بكل قواتنا إن اقتضى الأمر.
تحدي حركة البربر واحتلال جمعة انتيفة الموجودة في مؤخرة بلاد السراغنة ينزع من القبائل القدرة على العثور على ملاذ آمن لتجميع قوات من ساكنة جبال انتيفة بجوارنا، تستخدم للهجوم علينا ومحاربتنا لاحقا.
هذه العملية سهلت لنا منهجا غير متوقع لسلطتنا السياسية عند السراغنة وبدء الإدارة المنتظمة لهذه القبيلة، كل قياد السراغنة الشمالية قدموا لتحية السلطان عند مروره ببن اجرير، ورافقوه حتى دخل مراكش.
العمليات في الجبل تبين بالملموس إمكانية قيام الكولون الفرنسي بالتنقل بينها والقتال فيها، لقد تكبد الأعداء خسائر فادحة مرضية بالنسبة لنا.
الكولون لم يهاجم في ثكنات تجمعه على الإطلاق لا ليلا ولا نهارا.
أخيرا نسجل عودة ثوار تادلة الذين قدموا للمشاركة في الحرب المقدسة لدواويرهم من غير أن يشاركوا في المعارك التي خاضها الكولون في انتيفة.
بلغ عد الجنود المشاركين في الكولون الذي يعمل في حوز مراكش 3200 فردا، فيهم 1226 أوربي، 575 جزائري، و1223 سنغالي.
كولون موكادور الرئيسي قطعت قواته حوالي 415 كلم، وبعض مفارزه قطعت حوالي 540 كلم، وبعد ما أخدت بضعة أيام من الراحة بمراكش أعطيت لها التعليمات بالزحف على القلعة.
الكولون الرئيسي بقيادة صافي قطع 550 كلم، خسائرنا كانت قليلة بالنسبة للسابق، فقد بلعت منذ 15 غشت، 11 قتيلا و137 جريحا.
(الكلونيل “شارل مانجان”؛ ص:73؛ إفريقيا الفرنسية يناير 1913).
تنبيه أساسي حول تقرير منجان السالف عرضه
يعتبر هذا التقرير الشامل المركز على تسجيل عمليات الكولون الغازي لمراكش ونواحيها، والذي انطلق من غير موافقة الحكومة الفرنسية، بل قبل موافقة الإقامة العامة نفسها التي جاءت بعد تحرك قوات الغزو لملاقاة حركة الهبة في سيدي بوعثمان، ونفس الأمر يتعلق بجولاتها في حوز مراكش وتوسيع مجال سيطرتها على القبائل وتضييق مجال تحركها، وإحراق مضاربها، والاستيلاء على محاصيلها، وفرض تموين القوات المتحركة بالغذاء الطازج، وتقديم الخاضعين من الفخذات والقبائل ليكونوا دروعا بشرية للقوات الغازية، مما يفسر قلة الخسائر التي كانت تمنى بها تلك القوات عند الاشتباك.
وقد كان التقرير مرجعا لمن كتب في الموضوع من الضباط سواء المشاركين في الزحف أو المؤرخين له باعتباره وثيقة رسمية صادرة من قائد القوات المحتلة لمراكش ونواحيها، ومخطط ذلك.
جاء في كتاب (غزو المغرب) “عمليات الكولونيل منجان غشت شتنبر 1912” (ص:156)، وما بعدها: “في 15 غشت زحف منجان على سوق أربعاء الرحامنة بستة فرق من قناصة سنغاليين، وفرقتي مشاة استعمار، وفرقتي قناصة جزائريين، وفصيلتي بطارية جبال، والكوم.
يوم 16، تعرض المعسكر لهجوم نتج عنه جرح عدة جنود، يوم 17 قافلة تموين بقيادة ليوطنا صافي اعترضها 400 فارس من فرسان الرحامنة، فروا بعد المواجهة مع حرس القافلة تاركين عدة قتلى، وخسرنا قتيلين سنغاليين و20 جريحا.
يوم 19، ليوطنا كولونيل جوزيف قدم من الشاوية مع فوج زواوا وفرقتين من القناصة الجزائريين وفصيلة اصبايحي وبطارية جبال، واحتل مشرع بن عبو الذي يتحكم في أم الربيع، الذي يبعد بـ90 كلم عن مراكش، و25 كلم عن مزاكان.
عدد القوات المصاحبة لمنجان 4000 مقاتل، مقسمة لمجموعتين: واحدة بقيادة صافي توجهت للرحامنة، والأخرى بقيادة جوزيف توجهت لدكالة.
الشريف العمراني الموالي لنا يقود 600 فارس متواجد في دكالة (يوالي سرد ما سبق أن فصل بمذكرة منجان)، عندما غادر منجان سوق الأربعاء متوجها لمراكش رافقه 200 برطيزة من الشاوية والرحامنة و5000 مقاتل، وقافلة بها 2000 جمل، تحمل مؤونة 15 يوما، و500.000 رصاصة، و4500 طلقة مدفع، وكان في المقابل مربيه ربو عند معركة سيدي بوعثمان يتوفر على 10.000 بندقية، وأربعة مدافع.
وبالدخول لمراكش تم الاستيلاء على العاصمة الثانية بالغرب المسلم التي لم يسبق احتلالها منذ أن أسسها يوسف بن تاشفين منذ قرون، حيث قتل دفاعا عنها حوالي 2000 مدافع” كما جاء في كتاب لمنجان حول المدينة (ص159).
وقد تم التطرق لنفس الموضوع من قبل كورات في مجلة القوات الفرنسية، تحت عنوان: “حول احتلال مراكش في شتنبر 1912″، مستندا على نفس التقرير، مع الإشارة إلى انطباعاته باعتباره قائدا من قواد الكولون الذي احتل المدينة.