شبهات وردود 3 شهادة المرأة نصف شهادة الرجل الدكتور يوسف مازي

زعم من لا علم له بمقاصد الإسلام ولا بحكمة تشريعه للأحكام، أن الإسلام أهان المرأة وجعلها ناقصة عقل ودين، لما جعل شهادتها نصف شهادة الرجل.
ولرد هذه الشبهة نقول: لقد ورد هذا في: آية الدَّيْن التي تتضمن نصاب الشهادة: التي قال الله تعالى فيها: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى} البقرة:282.
وفي قوله صلى الله عليه وسلم: (يا معشر النساء! تصدقن وأكثرن الاستغفار. فإني رأيتكن أكثر أهل النار) فقالت امرأة منهن، جزلة: وما لنا يا رسول الله أكثر أهل النار. قال: (تكثرن اللعن. وتكفرن العشير. وما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لذي لب منكن). قالت: يا رسول الله! وما نقصان العقل والدين؟ قال: (أما نقصان العقل فشهادة امرأتين تعدل شهادة رجل؛ فهذا نقصان العقل. وتمكث الليالي ما تصلي. وتفطر في رمضان. فهذا نقصان الدين) أخرجه مسلم في صحيحه؛ باب الإيمان ح:79.

وسنتناول رد هذه الشبهة من أوجه:
الوجه الأول: ينبغي أن نفرق بين الشهادة والإشهاد، لأن القرآن يقول: وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ وهذا تكليف من الله تعالى على سبيل الاستحباب كسائر ما جاء في آية الدين.

الوجه الثاني: كما ينبغي التذكير بأنه لقبول الشهادة شرطان: العدالة واليقين. ولا فرق فيها بين رجل وامرأة، ولهذا اختلفت الشهادة في أحكام الإسلام باختلاف أحوالها.

الوجه الثالث: في تفسير آية الدين، لهذا سنورد قول بعض المفسرين من السلف.
قال الطبري رحمه الله: “أن تنسى إحداهما فتذكِّرها الأخرى”.
وقال البيضاوي رحمه الله: “علة اعتبار العدد أي لأجل أن إحداهما إن ضلت الشهادة بأن نسيَتْهَا ذكَّرَتْها الأخرى”.
وقال الشوكاني رحمه الله: “قال أبو عبيد: معنى تضلّ تنسى، والضلال عن الشهادة إنما هو نسيان جزء منها وذكر آخر”.
وخلاصة التفاسير: أن العلة في جعل شهادة المرأة تعدل نصف شهادة الرجل في مجال الأموال والدماء هو عامل النسيان ليس إلا وشاهده في قوله تعالى أَنْ تَضِلَّ.
لكن الذين في قلوبهم مرض استنبطوا من الآية أن النساء ناقصات عقل، وأن نقص العقل هو نقص في القدرات العقلية، أي أن قدرات النساء على التفكير هي أقل من قدرات الرجال. بمعنى أن المرأة تختلف عن الرجل في تركيبة عقلها فهي أقل منه وأنقص… وهذا ينافي ما علل الله به هذا الحكم في مجال الأموال والدماء.
ولو تدبّروا الحديث لوجدوا أن هذا الفهم يتناقض ومدلول الحديث نفسه. ولهذا سندفع هذه الشبهة من داخل الحديث محل الاستشهاد عندهم أيضا لنقول في:

الوجه الرابع: إن هذا الحديث فيه أن امرأة منهن جَزْلة أي ذات العقل والرأي والوقار ناقشت الرسول صلى الله عليه وسلم. فهل الراوي عبد الله بن عمر رضي الله عنه لا يفهم اللغة العربية؟ أم أنه لم يصل إلى مقصود رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحديث الذي انتقص فيه من عقل ورأي النساء؟
وفي الحديث أيضا تعجب الرسول صلى الله عليه وسلم من قدرة النساء وأن الواحدة منهن؛ ولو لم تكن ذات لب تغلب ذا اللب من الرجال. فهل يا ترى ناقصة العقل تغلب كامل العقل؟
كما الخطاب في الحديث موجه لنساء مسلمات لتعلقه بأحكام الإسلام. فهل لو أن امرأة كافرة ذكية أسلمت، فهل تصير ناقصة عقل بدخولها في الإسلام لأنها لم تقصد بالحديث؟ في حين أن النصوص الكثيرة هي التي تحدثت عن ذكاء النساء المسلمات وقدراتهن وآرائهن السديدة في مواضع متعددة من الكتاب والسنة. وما قصة بلقيس وقدرتها وذكائها وحكمتها التي خلدها القرآن عنا ببعيد. وكذلك ما جاء في السنة عن حكمة خديجة أول وزيرة في الإسلام ومستشارة فيه قبل الرجال! وعن علم عائشة معلمة الرجال…
إن نصوص القرآن والسنة لا تفرق بين قدرات المرأة العقلية وقدرات الرجل، وخير شاهد الخطاب الإيماني العام لكل من الرجل والمرأة في القرآن والسنة.
إن هذا الفهم قد حصر العقل في القدرات العقلية فقط، وأما الحديث فيعلل نقصان العقل عند النساء بكون شهادة امرأتين تعدل شهادة رجل واحد، كما تعلل الآية ذلك بالضلال. ولم يصرحا بأن النساء ناقصات عقل، ولا أن الحاجة إلى نصاب الشهادة هذا بسبب أن تفكير المرأة أقل من تفكير الرجل.
فالتفكير عملية ذهنية يتفاعل فيها الإدراك الحِسّي مع الخبرة والذكاء لتحقيق هدف ما، ويحصل بدوافع معينة مع غياب موانعه. وهذا ينطبق على كل من الرجل والمرأة، لكن المرأة لها خصوصيتها من حيث أنها تتعرض لتغيرات جسدية ونفسية تؤثر على طريقة تفكيرها.
هذا بالإضافة إلى أن الحديث في أحكام إسلامية داخل مجتمع مسلم، والمرأة بحكم طبيعتها وعيشها في المجتمع الإسلامي خاصة تكون خبرتها أقل من الرجال إجمالا لا سيما في الميادين التي يقل تواجدها فيها كالأموال والدماء والأسواق…
إذن فنقصان العقل هو إشارة إلى عوامل أخرى غير القدرات العقلية التي قد تتبادر إلى أذهان من يتسرعون في إطلاق الأحكام وكيْل الاتهامات دونما تحقيق أو فهم صحيح.

وكم من عائب قولاً صحيحاً وآفته من الفهم السقيم
ولكن تأخذ الأفهام منه على قدر القرائح والعلوم

وها هو العلم يثبت جانب الإعجاز في هذا الأمر: إذ اكتُشف أن مركز الكلام عند المرأة يقع بملاصقة مركز الذاكرة خلافا للرجل، فعندما تتحدث المرأة وتتذكر في نفس الوقت فقد يشوش مركز الكلام على جودة مركز الذاكرة لقربه منه وهذا تماما كالشخص الذي يقوم بنشاطين ذهنيين في وقت واحد فقد يخطئ وقد لا يخطئ!!!
وفي دراسة حديثة أخرى قام بها علماء في سيدني بأستراليا، نشرت نتائجها على شبكة CNN وشبكة BBC الإخبارية تحت عنوان:!! Pregnancy does cause memoryloss , studys says (الحمل يجعل الذاكرة أقل، الدراسة تقول ذلك). فأثبتوا أن المرأة الحامل تصاب ذاكرتها بالضعف والاضطراب أثناء الحمل وربما تعاني من ضعف الذاكرة لمدة عام كامل أحيانا بعد الولادة أو أكثر؛ بسبب تناقص في عدد خلايا الذاكرة في مقدمتها تبدل هرمونات الجسد والتغيّر السريع في نمط العيش. ولأسباب أخرى غير معروفة لحد الآن. فكيف بهذه المرأة إذا كانت شهادتها أثناء هذه الظروف النفسية والجسدية..؟
إنها عظمة التشريع الإسلامي الذي يراعي الفروق التكوينية بين الرجل والمرأة حتى في جودة الشهادة.. لكي لا يتعرض بريء لظلم أو ينجو مجرم من عقاب.
وأما عن شهادة المرأة عموما في الإسلام فليست دائما نصف شهادة الرجل، بل تكون مثله كما في قضية اللعان فالرجل إذا لاعن امرأته في قضية القذف بخمس شهادات تنقضها زوجته بخمس أخرى مساوية تماما لشهادات الرجل. وقضية اللعان قضية أهم من الشهادة في الأموال، لأنها فريضة من الفرائض المتعلقة بحد من حدود الله.
كما تنفرد المرأة بالشهادة دون الرجل في قضية الرضاع. فعن عقبة بن الحارث أنَّهُ تزوَّجَ أمَّ يحْيَى بنتَ أبِي إِهَابٍ؛ قالَ: فجاءَتْ أمَةٌ سودَاءُ، فقَالتْ: قَدْ أرْضَعْتُكُمَا، فَذَكَرتُ ذلكَ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم فأعرَضَ عنِّي، قالَ: فَتَنَحَّيْتُ فذَكَرتُ ذلكَ لَه، قالَ: (وكيفَ وقَد زَعَمَتْ أنْ قَد أَرْضَعَتْكُمَا)، فنَهَاهُ عنهَا. صحيح البخاري الرقم: 2659.
فشهادة امرأة واحدة إذا تنقض عرى حياة زوجية بالكلية. وكذلك في العيوب الخاصة بقضايا النساء فلا شهادة إلا شهادة المرأة. ونفسه في القضايا التي تتعلق بالجنايات الخاصة بالنساء. كما أن الرجل لا يرث إلا بشهادة القابلة وهي المرأة التي تستقبل الطفل هل صرخ أم لا؟ أو تحرك؟ أو تنفس؟ فهي التي يرث بها في الإسلام أو لا يرث! ولهذا جاء عموم قول الله سبحانه وتعالى وأخذن منكم ميثاقا غليظا النساء:21. وتجدر الإشارة إلى مسائل مهمة ونحن نناقش هذا الموضوع هي:
 إن هذا النقص لا تؤاخذ عليه المرأة شرعا، وإنما هو نقص حاصل بشرع الله عز وجل رفقًا بها وتيسيرًا.
 كما لا يلزم من هذا أن يكون نقص عقلها في كل شيء ونقص دينها في كل شيء، وإنما بين الرسول صلى الله عليه وسلم أن نقص دينها من جهة ما يحصل لها من ترك الصلاة والصوم في حال الحيض والنفاس.
ولا يلزم من هذا أن تكون أيضًا دون الرجل في كل شيء وأن الرجل أفضلُ منها في كل شيء، فقد تفوقه في بعض الأحيان في مجالات كثيرة، فكم لله من امرأة فاقت كثيرا من الرجال في عقلها ودينها وضبطها، وإنما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أن نوع النساء دون نوع الرجال في العقل وفي الدين من هاتين الحيثيتين اللتين بينهما النبي صلى الله عليه وسلم فقط دون أن يتعدى بيانه صلى الله عليه وسلم محله؛ ولهذا سوى تعالى بينهما قائلا: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} الأحزاب:35.
 أن شهادة المرأة على النصف من شهادة الرجل جاء معللا في القرآن الكريم قال تعالى: أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكّرَ إِحْدَاهُمَا ٱلأخْرَىٰ البقرة:282.
 الضلال المقصود في القرآن في الآية ينشأ من أسباب كثيرة: فقد ينشأ من قلة خبرة المرأة بموضوع التعاقد، فتذكرها الأخرى إذا نسيت. وقد ينشأ من طبيعة المرأة الانفعالية، لأن وظيفة الأمومة العضوية تستدعي أن تكون المرأة شديدة الاستجابة الوجدانية والانفعالية لتلبية مطالب طفلها بسرعة وحيوية لا ترجع فيهما إلى التفكير البطيء، وذلك من فضل الله على المرأة وعلى الطفولة، وهذه الطبيعة لا تتجزأ، فالمرأة شخصية موحدة هذا طابعها حين تكون امرأة سوية، بينما الشهادة على التعاقد في مثل هذه المعاملات في حاجة إلى تجرد كبير من الانفعال، ووقوف عند الوقائع بلا تأثير ولا إيحاء، ولهذا فندب وجود امرأتين فيه ضمانة أكبر بأن تذكر إحداهما الأخرى إذا انحرفت مع أي انفعال.
 أن مجال هذا الحكم هو الحقوق المالية، أما في الأمور الأخرى التي يضعف فيها تدخل العواطف الإنسانية فإن شهادة المرأة فيها مثل شهادة الرجل، وذلك حينما يكون الاعتماد على مجرد القدرات العقلية كالذكاء والحفظ…، ومن أجل ذلك قُبِلَ إسناد المرأة لنصوص الشريعة وأخبارها، وساوتها في ذلك بالرجل، وهكذا في كل ما لا يدخله العواطف الإنسانية…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *