“الشعر الإسلامي في المغرب: التزامه وفنيته” كتاب جديد للدكتور محمد ولالي

 

دخل في الإسلام شعراء كثر، فسوغوا شعرهم لخدمة الأخلاق السامية، والآداب العلية. واتخذ منهم النبي صلى الله عليه وسلم ثلة كانوا لسانا مفعما بالصدق، دافعا عن الحق، حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم لحسان بن ثابت رضي الله عنه: (إِنَّ رُوحَ الْقُدُسِ لاَ يَزَالُ يُؤَيِّدُكَ مَا نَافَحْتَ عَنِ اللهِ وَرَسُولِهِ). ثم قال: (هَجَاهُمْ حَسَّانُ، فَشَفَى وَاشْتَفَى).

إن المجال سانح جدا للوقوف على نظرية متكاملة للشعر الإسلامي، بكل مقوماتها الفنية والمضمونية، وإن المادة الشعرية متوافرة لمن جد في البحث، واجتهد في التنقيب.

ولقد أجاد مجموعة من النقاد المعاصرين في رصد عدد لا يحصى من النصوص الشعرية والنثرية التي يمكن أن تكون موضوعا لهذه النظرية، بل منهم مبدعون كثر، قدموا لنا نصوصا فريدة، تناولوا فيها موضوعات جديرة بالدراسة، فصارت للأدب الإسلامي بعامة، والشعر منه بخاصة مكتبة محترمة، ألف د. عبد الباسط -قبل أكثر من عقدين- جزءا سماه: “دليل مكتبة الأدب الإسلامي”، وجعل متبوعا بجزء آخر.

وهنا يبرز مسوغ آخر كان من أهم الدوافع للكتابة في هذا الموضوع، وهو نوع غفلة عن المكنوز الشعري الإسلامي المغربي، الذي لا نكاد نجد له شواهد في الدراسات الحديثة التي تنظر لهذا الشعر. وشكل ذلك غصة لبعض النقاد المغاربة الذين رأوا في هذا التوجه إجحافا بليغا بشعرنا الإسلامي الذي لا يقل جودة عن نظيره المشرقي. مما حدا بناقد مغربي كبير هو عبد الله كنون أن يجأر بهذه الشكوى، معتبا على المغاربة أنفسهم الذين لم يستطيعوا أن يعتنوا بمذخورهم تحقيقا ونشرا. يقول: (فاللوم لا يتوجه عليهم بقدر ما يتوجه علينا، نحن الذين أهملنا أنفسنا حتى صرنا كما قال القائل: (طويل)

خَرجْنا مِنَ الدنيا ونحنُ مِنَ اَهلها *** فلسنا مِنَ الأمواتِ فيها ولا الأَحْيا.

وقال -أيضا-: (فأعظمُ اللوم في هذا مردود على أولئك الذين ضيعوا أنفسهم، وأهملوا ماضيهم وحاضرهم، حتى أوقعوا الغير في الجهل بهم والتقول عليهم).

ولهذا نقول كما قال الأمير “شكيب أرسلان”: (إن للمغاربة حقا في المطالبة بمكانهم في الأدب العربي، الذي هم من جملة حملة ألويته، بل من نخبة عُمَّار أنديته، ولكن الأمر على حد ما قال الشاعر: (بسيط)

والنجمُ تَستـصغِر الأبصارُ رؤيتَه *** والذنبُ للطَّرفِ لا للنجْمِ في الصِّغرِ

فالمشارقة الذين يَعزو إليهم إخوانُهم المغاربة جهلَ مقامهم في الأدب، ليس منهم واحد يُلَزُّ في جملة العلماء المحققين، وإنما هم من صغار المتأدبة الذين علموا شيئا وغابت عنهم أشياء.

إن هذا الكتاب لبنة متواضعة في صرح نظرية الشعر الإسلامي، مشرقيه ومغربيه، تحاول وضع الأمور في مواضعها، ورد الموارد إلى مصادرها، سعيا وراء توحيد الرؤى حول أهم قضايا هذا الضرب من الشعر. والله الموفق للصواب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *