من يشعل فتيل الفتنة الطائفية في نيجريا

منذ ظهور الإسلام وتنامي قوته وعلى مستوى العلاقة بين المسلمين والنصارى، لم يحدث في أثناء قوة المسلمين وسيطرة جيوش الخلافة والدول أو الممالك الإسلامية أية فتنة طائفية في أي بلدة أو مدينة، ولم يسمح الإسلام بوقوع أذى لأصحاب الديانات الأخرى حسبما أوصانا نبينا صلى الله عليه وسلم.
فلم يكن من الصعب في فترات حكم امتدت قوتها إلى أكثر من عشرة قرون متفرقة كان فيها الجيش الإسلامي يجوب أنحاء الأرض ويواجه أقوى الجيوش، لم يكن من الصعب حينها أن يباد أي عدد من أصحاب الديانات الأخرى المخالفة لو كانوا يريدون ذلك، فلم يمنعنا سوى ديننا الذي فرض علينا معاملة الجميع بالعدل، وحرم الظلم أيا كانت جنسية المظلوم أو عقيدته أو حتى سلوكه الشخصي.
فعاش أصحاب الديانات الأخرى في ظل الإسلام قرونا طويلة، بل ترقوا في مناصب الدولة ونالوا أكثر مما كانوا يحلمون به من الأمن الذي تحقق لهم في ظل المسلمين، ما لم يتحقق لهم في ظل سيطرة أبناء ديانتهم من أصحاب الملل الأخرى.
هذه مقدمة لابد منها حينما نتناول وجود فتنة طائفية في منطقة من المناطق، حيث لا تظهر مطلقا إلا إذا كان للنصارى لهم فيها قوة داخلية أو دعم خارجي قوي، حينها فقط تبرز الفتنة الطائفية وتطل برأسها.
وفي نيجريا أكبر بلد إفريقي من حيث عدد السكان المسلمين ظهرت فيها مؤخرا فتنة طائفية بين نصارى ومسلمين، ظهرت بعد تمكن رئيس نصراني من حكم البلاد، حيث حكمت الأقلية النصرانية الأكثرية المسلمة، وحيث ساعدت الدول الغربية وساندت النصارى في كل قضاياها ضد المسلمين.
وحتى اليوم لا زالت أزمة الفتنة الطائفية تتفاقم في نيجريا، فأحرقت مساجد وكنائس إثر اشتباكات اتسمت بالطائفية الدينية، وفي غالب أحوالها يبدؤها نصارى ثم يشتكون ويصرخون للعالم وهو تصرف يطبع كل الفتن الطائفية.
فقال عدد من السكان المحليين للوسائل الإعلامية: “إن عددا من المساجد والكنائس قد أحرقت في بلدة “كاتشيا”، الواقعة في ولاية “كادونا” شمال غرب نيجيريا، إثر اندلاع اشتباكات طائفية بين شبان مسلمين ومسيحيين”، وقال هؤلاء الشهود أن هذه الاشتباكات بدأت عندما هدم سور أقيم حول منطقة مخصصة لصلاة المسلمين هدد النصارى قبلها بهدمه وهدموه بالفعل وأعاد المسلمون بناءه.
وقال المتحدث باسم الشرطة، “لاوال أمينو” للصحفيين أنه: “لم تسفر أعمال العنف عن وقوع إصابات”، وتم “فرض حظر التجول على البلدة لمدة 24 ساعة، وعادت الحياة إلى طبيعتها الآن، ونشرنا رجالنا بالكامل هناك، ولم تقع خسائر في الأرواح، ولكن ليس لدينا أرقام دقيقة حول عدد دور العبادة التي أحرقت”.
وقال أحد شهود العيان: “إن العنف اندلع، عندما اكتشف شباب مسلمون، أن السياج الذي أعادوا بناءه في وقت سابق إثر أضرار لحقت به، قد هدم مرة أخرى، وأنه “قبل أسبوعين، أقام بعض الشبان المسلمين سياجا حول قطعة أرض مخصصة للصلاة، لمنع تعدي الناس على الأرض، لكنهم لم يستطيعوا إنهاء العمل في ذلك اليوم، وعندما عادوا اكتشفوا أن جزء من السور تم هدمه من قبل أشخاص مجهولين”.
واتخذ المسلمون السبل القانونية حيال ذلك الاعتداء فأبلغ الشباب رئيس الحكومة المحلية بيتر أغايتي، الذي وعد بدوره بإصلاح الجزء التالف من السياج، لكنه فشل في القيام بذلك بسبب إصرار النصارى على عدم بنائه، فعندما ذهب الشباب إلى مواصلة العمل، رأوا أن جزء آخر من السور تهدم مجددا فقامت إثر ذلك أحداث العنف بعد يأسهم من تمكن الحكومة من نصرة قضيتهم أو الوقوف في وجه النصارى، فعلى إثر ذلك قام النصارى بهدم مسجد فثارت الفوضى متبادلة.
ولم تعقب الحكومة على هذه الأحداث وكأنها تريد لها الاستمرار والتصاعد، فلم يكن حرق مسجد وكنيسة وإصابة 6 أفراد سببا كافيا ولا مزعجا للحكومة لكي تتحرك وتعطي كل منهما حقه وتوقف كل معتد عند حده، بل تصرف الحكومة ينبئ بنيتها إشعال الموقف أكثر من ذلك لمصالح أخرى غير معلومة على الأقل مؤقتا.
والسؤال هنا من يشعل فتيل الفتنة الطائفية في نيجريا أو من ينفخ في نيرانها ولمصلحة من؟
وستكشف بحول الله تعالى الأيام القادمة المستفيد من جراء هذه الفتنة الطائفية التي بالطبع لن يكون خاسرا فيها إلا النيجيريون أنفسهم، فما من شك أن الاحتلال الأجنبي لن يتركهم وخاصة بعد بروز عدة مصالح اقتصادية للدول الكبرى في المنطقة، وبعد الصراع الجديد الذي سيكون ميدانه الأول أفريقيا بين الصين من جهة وبين الولايات المتحدة والعالم الغربي من جهة أخرى.
مركز التأصيل للدراسات والبحوث

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *