فرنسا على بعد خطوة من حظر النقاب

أقرَّت الجمعية الوطنية الفرنسية (الغرفة السفلى من البرلمان) الثلاثاء 13-7-2010م في قراءةٍ أولى -وبأغلبية ساحقة- مشروعَ قانونٍ يُمنع بموجِبِهِ ارتداء النقاب أو البرقع في الأماكن العامة، وتمَّ تأييد مشروعِ القانون بأغلبيةِ (335) صوتاً مقابل صوت واحد.
ويتعيَّن أنْ يُصادق مجلس الشيوخ الفرنسي (الغرفة العليا في البرلمان) على المشروع في وقت لاحق حتى يدخل حيث التنفيذ، وهو إجراءٌ شكلي؛ حيث يرى المراقبون أنَّ إقرار مجلس الشيوخ لمشروع القانون “أمر محسوم”.
ويَمنع القانون الجديد -الذي سينظُرُ فيه المجلس الدستوري- ارتداء النقاب والبرقع في الأماكن العامة دون استثناء، ويُعاقب مرتديَتَهُ بغرامةٍ قدرها (150) يورو، أو دورةٍ تدريبيةٍ على المواطنة، أو هما معاً.
أما الشخص الذي يُلزم سيدةً بارتداء النقاب؛ فعقوبته تصل إلى السجن سنةً واحدةً، مع غرامةِ ثلاثين ألف يورو.
ويأتي هذا التصويت ليضع حيِّزَ التنفيذ المبادئ الواردة في قرارٍ رسمي أصدره البرلمان وصوت عليه بالإجماع في مايو، ينصُّ على أنَّ “الممارسات المتطرِّفة على حساب الكرامة والمساواة بين الرجل والمرأة -بما في ذلك ارتداء الحجاب الكامل (النقاب والبرقع)- تتعارض مع قِيَمِ الجمهورية”.
لكنَّ مجلس الدولة -وهو أعلى محكمةٍ إداريةٍ في البلاد- أبدى تحفُّظاتٍ قانونيةٍ بشأن الحظر العام الذي اعتبره “لا يستند على أيِّ أساسٍ قانوني واضحٍ”.
وأوصى المجلس -في رأيٍ غير ملزمٍ- بحصر هذا الحظر على بعض الأماكن العامة، ويُجادل مؤيِّدو حظر النقاب في فرنسا -التي تعيش فيها أكبر أقليَّةٍ مسلمةٍ في الاتحاد الأوروبي- بأنَّ ارتداء النساء لغطاءِ الوجه ينتهكُ العلمانية والمساواة بين الجنسين، وهما من الأفكار التي قامت عليها الجمهورية الفرنسية.
ويقول معارضوه: إنَّ أقليةً صغيرةً جداً فقط من النساء هنَّ اللاتي يرتدين النقاب أو البرقع، وإنَّ مشروع القانون خطوةٌ نحو فرض قيودٍ أشدَّ على الحريات الفردية.
ويقول مراقبون للشأن الفرنسي: إنَّ حظوظ تمرير مشروع قانون حظر النقاب في مجلس الشيوخ كبيرة جداً كما كان الحال في الجمعية الوطنية الفرنسية، وأنَّ إقراره سيتمُّ بسهولة، ولن يكون مفاجأةً لأحد؛ إذ إنَّ المعارضة الاشتراكية -حتى ولو كان بعض المنتمين لها لا يجد ضرورةً لسنِّ قانونٍ يحظر النقاب- رغم معارضتهم للنقاب في حدِّ ذاته، فإنَّ كثيراً منهم لن يقف في مواجهة الحزب الحاكم الذي يُريد أن يعتمد هذا المشروع.
ويُضيف هؤلاء المراقبون أنَّ مُعارضي المشروع -سواء من الحزب الشيوعي أو حزب الحضر- لا يملكون الأصوات الكافية لإسقاط مشروع القانون”، مُشيرين إلى أنَّ قانون حظر النقاب سيدخل حيِّزَ التطبيق الفعلي بعد 6 أشهر من المصادقة عليه واعتماده بشكلٍ نهائي.
وتُظهر استطلاعات الرأي أنَّ معظم الناخبين في فرنسا يؤيِّدون حظر النقاب، لكنَّ خبراء في القانون يُحذِّرون من أنَّه قد ينتهك الدستور.
ولم تأخذ الحكومة الفرنسية برأي مجلس الدولة -وهو أعلى هيئةٍ قضائيةٍ إداريةٍ في البلاد- والذي نصح بأن يقتصر حظر النقاب على بعض المرافق العامة (مثل: الإدارات الحكومية، ووسائل النقل.. إلخ)، واعتبر أنَّ حظر النقاب في الشارع “يفتقر إلى الأساس القانوني”.
وشجبت منظمة العفو الدولية (أمنستي) إقرار الجمعية الوطنية الفرنسية قانون حظر ارتداء النقاب في الأماكن العامة.
وقال خبير المنظمة في شؤون التمييز في أوروبا “جون دلهويزن” إن حظر النقاب يعد انتهاكا لحرية التعبير وحرية الدين للنساء اللائي يخترن ارتداءه.
وقال إن “الحظر عقوبة مزدوجة لمَن يُجبرن على ارتداء النقاب، إذ إنه سيحد من انخراطهن في المجتمع وسيلزمهن بالبقاء في المنازل”.
وبالمقابل فقد نشرت للمجلة الأسبوعية الفرنسية «إيلElle » التي تعنى بشؤون المرأة استطلاعا للرأي كشفت فيه أن 74% من الفرنسيين يعارضون إصدار قانون يعاقب المشتغلات بالدعارة، بينما يؤيد 64% منهم العودة إلى نظام بيوت الدعارة المغلقة..
فكيف لمجتمع بلغت فيه نسبة الفساد والانتكاس الأخلاقي هذا الحد أن يقبل بأخلاق الحياء والعفة والطهر؛ فمصير العفيفات الطاهرات في فرنسا العلمانية هو المنع والسجن والاضطهاد؛ لأن المنطق الذي كان يحكم به جبابرة اليوم هو المنطق نفسه الذي حكم به جبابرة الأمس {أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ}.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *