تهديد “القاعدة” للمغرب.. وضرورة التوعية الشرعية (أهمية الحوار العلمي في مواجهة أدعياء الجهاد ودعاة الإفساد) حمّاد القباج

عادت أخبار ما يسمى “تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي” لتطفو على سطح الاهتمام بعد الأعمال التخريبية التي استهدفت مؤخرا موريتانيا، والتحركات التنظيمية والقتالية في الساحل الإفريقي، وظهور عصابات من أمثال (كتيبة الملثمين) و(كتيبة طارق بن زياد)، وما يرتبط بذلك كله من توسع نفوذ القاعدة في الصومال..

وهذا كله يزيد من تهديد القاعدة وحلفائها للمغرب، سيما مع وجود سرطان الانفصاليين الصحراويين في جسده، وتزايد القرائن على وجود تنسيق بين بعضهم وبين أفراخ الخوارج، وما يتردد من أنباء تفيد بأن هؤلاء يستغلون ما تعرفه منطقة الساحل الإفريقي الممتدة جنوبي الجزائر وموريتانيا، شمالي مالي والنيجر؛ من رواج لشبكات تهريب المخدرات والهجرة السرية وتجارة الأسلحة، الشيء الذي يوفر مصادر تمويل وموارد بشرية للمفسدين، مع صعوبة مراقبتها من طرف الأجهزة الأمنية الرسمية..
فهذا يمثل مدخلا خطيرا لأدعياء الجهاد يفتح لهم طريقا لتهديد أمن المغرب، الذي يشكل عندهم هدفا مهما بالنظر إلى موقعه الاستراتيجي في خريطة صراعهم القتالي مع الغرب.
وقد تأكدت هذه التخوفات بما كشفت عنه الداخلية -هذه الأيام- من تفكيك شبكة من (24) شخصا كانت تخطط للقيام بأعمال إرهابية بالمغرب بالتنسيق مع القاعدة.
.. وفي المقابل يلاحظ تراجع حدة تهديد المتأثرين بفكر القاعدة في الجزائر وليبيا، والتي يبدو أن بادرة المصالحة والحوار لعبت فيها دورا بارزا.
أجل؛ لم تقتصر هاتين الدولتين في الحد من غلواء ذلك النشاط التخريبي على المقاربة الأمنية، بل عززت بفتح أبواب النقاش والحوار؛ وهو ما أدى إلى تراجع العشرات من المتأثرين بفكر الخوارج في الجزائر، على رأسهم زعيم الجماعة الجزائرية الذي أعلن توبته مؤخرا من فكر التكفير والتفجير.
كما ترددت أنباء عن حصول مراجعات عن فرع القاعدة في ليبيا، المسمى: “الجماعة الليبية للدعوة والقتال”، والذي يقال أن الجماعة المغربية المقاتلة -المتهمة بتفجيرات 16 ماي- نشأت في كنفه، وقد بث زعماء ذاك التنظيم مراجعاتهم في كتاب سموه: (دراسات تصحيحية في مفاهيم الجهاد).
ويعتبر هذا امتدادا للتجربتين الناجحتين في مصر والسعودية:
فقد أسفرت حوارات ونقاشات العلماء والدعاة مع الجماعة الإسلامية المقاتلة في مصر عن إصدار بعض قياداتها لبيان عام 1997 يعلنون فيه إيقاف جميع العمليات العسكرية التي كانت تهدد الأمن المصري، كما أصدروا مجموعة كتب تحت عنوان “سلسلة تصحيح المفاهيم”، وكان منهم كرم زهدي أشهر قاداتهم، وقد بينوا في تلك الكتب التخلي عن الفكر الضال وما يدعو إليه من تغيير المنكر بالعنف والتكفير واستحلال دماء السائحين والمفكرين المنحرفين وغيرهم.
وفي السعودية أدت حملة الحوار والتوعية التي قادها العلماء إلى تراجع عدد كبير من أتباع بن لادن، وجندت الدولة طاقات إعلامية في الأنترنيت والصحافة والإعلام المرئي والسمعي لإنجاح هذه الحملة التي أطلق عليها اسم “الحوار الوطني”، بل إن هذه البادرة أثبتت نجاحها مع عدد من المعتنقين لفكر القاعدة في أوروبا وغيرها، كما تميزت التجربة السعودية بأنها تعامل دعاة العنف على أساس الرحمة بهم والشفقة عليهم مصداقا لقول الله تعالى: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت (34)].
ومن هنا فإن المسؤولين وضعوا برنامجا شاملا يتضمن الوقاية، والحوار، وإعادة الإدماج والتأهيل.
.. إن من المهم أن أبين هنا بأننا نجد ما يؤسس لهذا المسلك ويؤكد أهميته في فجر تاريخ الأمة وأول اصطدامها بأصحاب هذا الانحراف:
فأول من ثبت عنه مناقشة الخوارج؛ علي وابن عباس رضي الله عنهم، واستمر ذلك من الصحابة في مناسبات مختلفة؛ منها القصة التي رواها مسلم في صحيحه عن يزيد الفقير قال: “كنت قد شغفني رأي من رأي الخوارج، فخرجنا في عصابة ذوي عدد نريد أن نحج ثم نخرج على الناس، قال: فمررنا على المدينة فإذا جابر بن عبد الله يحدث القوم جالس إلى سارية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فإذا هو قد ذكر الجهنميين، فقلت له: يا صاحب رسول الله ما هذا الذي تحدثون؟! والله يقول: {إنك من تدخل النار فقد أخزيته}، و{كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها}؛ فما هذا الذي تقولون؟
فقال: أتقرأ القرآن؟
قلت: نعم.
قال: فهل سمعت بمقام محمد عليه السلام يعني الذي يبعثه الله فيه؟
قلت: نعم.
قال: فإنه مقام محمد صلى الله عليه وسلم المحمود الذي يخرج الله به من يخرج، ثم نعت وضع الصراط ومر الناس عليه قال وأخاف أن لا أكون أحفظ ذاك، قال غير أنه قد زعم أن قوما يخرجون من النار بعد أن يكونوا فيها قال يعني فيخرجون كأنهم عيدان السماسم قال فيدخلون نهرا من أنهار الجنة فيغتسلون فيه فيخرجون كأنهم القراطيس.
فرجعنا، قلنا: ويحكم أترون الشيخ يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرجعنا فلا والله ما خرج منا غير رجل واحد”اهـ.
وقد تعددت حوارات ونقاشات السلف لهؤلاء، ولعب ذلك دورا مهما في تقليص شرهم.
وهذا كله يرشد إلى ضرورة توظيف الحوار والنقاش لمحاصرة فكر الغلو والتخريب الذي يحمله أفراخ الخوارج، وعدم الاقتصار –في مواجهتهم- على المقاربة الأمنية وسياسة القمع والتعذيب.
إلا أن ثمة معالم في هذا الطريق أراها أساسية في تفعيل هذه الوسيلة؛ منها:
1- تكوين علماء ودعاة مطلعين على فكر الخوارج والتكفيريين وشبهاتهم، ومتصفين بكفاءات علمية وثقافية وخلقية للبيان وكشف الشبه.
وانظروا إلى فقه جابر في الحوار والجدال؛ ومنه انتقاله بهم من النص المتشابه العام إلى المحكم المبين.
2- ينبغي لهؤلاء أن يناقشوا مرضى التطرف والغلو بتحليل عميق يستوعب الأسباب الكاملة ويعالج الإشكاليات، وعدم الاقتصار على عمومات شرعية أو تصريحات صحافية وخطوات مترددة.
3- ضرورة تعديد المخاطِبِين من حيث انتماؤهم؛ لأن انتماء المخاطِب يؤثر في قبول خطابه، وقد يُرفض كلامه –ولو كان حقا- لمجرد خلفيته ونوعية انتمائه.
وتأملوا قول يزيد الفقير -المتقدم-: “أترون الشيخ يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم”؛ فكون جابر من الصحابة جعله يتقبل حجته.
وإنني أعتقد أن حصر الخطاب الدعوي في المؤسسات الرسمية وإقصاء غيره باسم الخصوصية وصيانة الثوابت سوف يعمق إشكالية الإرهاب والتطرف، ويحدث انفصاما بين صانعي الخطاب الدعوي وكثير من أفراد المجتمع، سيما ونحن في زمان الفضائيات والشبكة العنكبوتية التي تطفح بأنواع من الخطاب الدعوي تضعف أثر الخطاب الرسمي وتجرده من سلطانه الروحي على النفوس.
ولا يصح ما زعمه بعضهم من تخطئة منهجية الإشراك، وأنه كان سبب فوضى أدت إلى التمكين لأحداث 16 ماي؛ فإن المغرر بهم في هذه الأحداث أشخاص معروفون بنقمتهم على المجتمع واستعدادهم لركوب أي ريح مدمرة ينتقمون بها منه، والفكر التكفيري الذي تأثر به هؤلاء كان معروفا، ولم يزل العلماء والدعاة من مختلف المشارب يحذرون منه ومن أصحابه الذين كانوا معروفين جدا عند السلطات الذين شرعوا في اعتقالهم بالمئات بعد الأحداث الإجرامية ..
4- التوعية الشرعية ينبغي أن تكون كاملة أيضا من حيث المخاطَب ووسائل الإقناع؛ تشمل: مناقشة حاملي فكر الخروج والثورة، والمتأثرين بهم والمتعاطفين معهم، والمستهدفين بخطابهم، وتوعية عامة المسلمين، ومحاورة السجناء، وتأليفهم بمعاملتهم بالرحمة والرفق ..إلـخ.
5- محاربة ظاهرة المجاهرة بالفساد ومظاهر الإخلال بالتدين؛ لأنها تنمي روح الكراهية والحقد في نفوس حماسية أو ناقمة لم يتحصن أصحابها بالعلم.
.. وهذا يستدعي تحرير أيدي العلماء من القيود التي تعطل أو تحجم فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والضبط الشرعي لباب الحريات، وإحياء مؤسسة الحسبة للضرب على أيدي المجاهرين بالموبقات الداعين إليها؛ فهؤلاء يجلبون الفتن والاضطرابات والمصائب للمجتمعات التي ينشطون فيها، ومن ذلك فتن أدعياء الجهاد ..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *