سبق أن نشرت في العدد (211) من جريدة السبيل موضوعا بعنوان؛ علامات النفاق وأوصاف المنافقين الاعتقادية في القرءان الكريم، وتتميما للفائدة وتعميما للنفع خصصت هذا المقال لعلامات النفاق النفسية من خلال جملة من آيات كتاب الله العزيز، تبصيرا للمسلم بهذه العلامات ليتطهر منها أولا، وليحذر من الطائفة المتصفة بها ثانيا، خاصة وأن مجتمعنا كثرت فيه ظواهر النفاق حتى التبس الأمر على المسلمين، ولم يعودوا يميزون بين المؤمن الحق والمنافق المراوغ المخادع الذي لا يهمه سوى مصالحه المادية العاجلة، ولو كان تحقيقها على حساب تشتيت الأمة وزرع الفتنة والطائفية فيها. ومن تلك الأوصاف والعلامات كما ذكر كتاب الله سبحانه:
-1- الفساد والإفساد في الأرض؛ إن نفسية المنافقين كما يشهد بذلك كتاب الله نفسية فاسدة مفسدة، وآية ذلك؛ انقلاب القيم لديها، بحيث صار الصلاح عندها فسادا والفساد صلاحا. قال تعالى: (وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون)[1]، وإفسادهم المنطوية عليه نفوسهم يكون بأمرين اثنين كما شهد بذلك القرءان العظيم:
* خيانة المسلمين الذين ينعمون بالعيش في مجتمعهم، وذلك بالتحالف مع غير المسلمين إفشاء الأسرار لهم، وخاصة منها ما يتعلق بمكامن القوة ومكامن الضعف. قال تعالى: (ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب لئن أخرجتم لنخرجن معكم ولا نطيع فيكم أحدا أبدا وإن قوتلتم لننصرنكم والله يشهد إنهم لكاذبون لئن أخرجوا لا يخرجون معهم ولئن قوتلوا لا ينصرونهم ولئن نصروهم ليولن الأدبار ثم لا ينصرون)[2].
* إفساد الصف الإسلامي بزرع أسباب الفتنة والصراع داخله قصد إضعافه وتوهينه. قال تعالى: (لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم والله عليم بالظالمين)[3].
-2- الرياء؛ وهو ترك الإخلاص في العمل بقصد غير الله فيه، وقد حذر القرءان الكريم المومنين من الرياء فقال: (يا أيها الذين ءامنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كالذي ينفق ماله رئاء الناس ولا يومن بالله واليوم الآخر)[4]، والرياء نوع من أنواع الشرك الخفي، والشرك محبط لثواب أعمال الإنسان. قال سبحانه: (لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين)[5]. والرياء صفة نفسية لازمة للمنافقين الذين لا يقصدون بعملهم وجه الله ولو تعلق الأمر بالصلاة. قال تعالى: (وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا)[6]، وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من صلاة المنافق، فقال عليه السلام كما في صحيح مسلم؛ “تلك صلاة المنافق، تلك صلاة المنافق، تلك صلاة المنافق، يجلس يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني الشيطان قام فنقر أربعا لا يذكر الله فيها إلا قليلا“[7].
-3- الحسد؛ وهو تمني زوال النعمة التي أنعم الله بها على المحسود، والمنافقون انطوت نفوسهم على تمني زوال الخير عن المومنين حسدا وبغضا لهم. قال تعالى: (وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر ويقولون إنه لمجنون)[8]، فهم يبطنون من البغضاء أكثر مما يظهرون بأفواههم. قال تعالى: (ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر)[9].
-4- الخوف؛ إن الخوف وصف نفسي لا ينفك عن كيان المنافق وشعوره وإحساسه، ذلك أن المنافقين هم خائفون جبناء خاصة في المواطن الحاسمة، كوقت الحرب والجهاد والقتال والدفاع عن الدين والنفس والعرض والمال، فقد وصفهم القرءان الكريم أنهم في هذه المواطن يفقدون تماسكهم واستقرارهم النفسي، ويقعون تحت تأثير الانفعالات حتى حد الهلوسة. قال تعالى: (ويقول الذين ءامنوا لولا نزلت سورة فإذا أنزلت سورة محكمة وذكر فيها القتال رأيت الذين في قلوبهم مرض ينظرون إليك نظر المغشي عليه من الموت)[10]، وقال: (أشحة عليكم فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك نظر المغشي عليه من الموت فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد أشحة عليكم)[11]، وقال: (يحسبون كل صيحة عليهم)[12]، كما أنهم في هذه المواطن لا يصمدون فهم سرعان ما يهربون ويفرون، قال تعالى: (ويحلفون بالله إنهم لمنكم وما هم منكم ولكنهم قوم يفرقون لو يجدون ملجئا أو مغارات أو مدخلا لولوا إليه وهم يجمحون)[13]، وقال: (يسألون عن أنبائكم ولو كانوا فيكم ما قاتلوا إلا قليلا)[14].
-5- سوء الظن بالله؛ إن المنافقين دائما يظنون أن الله لا يقدر على نصر المسلمين، وعلى أن يحقق لرسوله عليه السلام وأتباعه المومنين ما وعدهم من التأييد والتمكين، ويرجعون أسباب النصر والتمكين إلى عوامل بعيدة عن الإرادة الإلهية والقدر الإلهي. قال تعالى: (ويعذب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات الظانين بالله ظن السوء عليهم دائرة السوء وغضب الله عليهم ولعنهم وأعد لهم جهنم وساءت مصيرا)[15]، وقال: (وطائفة قد أهمتهم أنفسهم يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية يقولون هل لنا من الأمر من شيء قل إن الأمر كله لله يخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك يقولون لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم وليبتلي الله ما في صدوركم وليمحص ما في قلوبكم والله عليم بذات الصدور)[16].
-6- الخداع؛ وهو التمويه والتضليل، وهو دليل على سوء النية وفساد الطوية وخبث النفس. فالمنافقون أينما وجدوا مصلحتهم مالوا إليها، وسلكوا المسلك الذي يوصلهم إليها، فإن كانت مصلحتهم في الدين سلكوا مسلكه خداعا ومراوغة، وإن كانت في نقيضه سلكوا ذلك المسلك تمويها وتضليلا. قال تعالى: (يخادعون الله والذين ءامنوا وما يخادعون إلا أنفسهم وما يشعرون في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون)[17]، وقال: (وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون وإن يكن لهم الحق ياتوا إليه مذعنين)[18].
-7- الاستكبار؛ وهو التعالي والترفع عن سماع دين الحق وهو الإسلام والإصغاء إليه والانقياد لتعاليمه، وهو من أبشع أمراض النفوس التي انطوت عليها نفسية المنافقين. قال تعالى: (وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لووا رؤوسهم رأيتهم يصدون وهم مستكبرون)[19].
-8- الشح والبخل؛ وهو الحرص المبالغ فيه على المال، ونفسية المنافقين مطبوعة على البخل، فهم لا يعطون الصدقات والنفقات التطوعية. قال تعالى: (المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يامرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويقبضون أيديهم نسوا الله فنسيهم إن المنافقين هم المفاسقون)[20]، وهم كذلك يبخلون ولا يخرجون الزكاة المفروضة. قال تعالى: (ومنهم من عاهد الله لئن ءاتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين فلما ءاتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون فأعقيهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون)[21].
-9- الشماتة؛ وهي الفرح بمكروه أصاب الغير، ولقد نفى رسول الله صلى الله عليه وسلم تمام الإيمان وكماله على الذي لا يحب لإخوانه المومنين ما يحبه لنفسه، فقال؛ “لا يومن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه“[22]. أما المنافقون فنفوسهم مطبوعة على الشماتة، فهم مستاؤون إذا أصابت المسلمين حسنة، ومستبشرون إذا أصابتهم سيئة. قال تعالى: (إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها)[23]، وقال: (إن تصبك حسنة تسؤهم وإن تصبك مصيبة يقولوا قد أخذنا أمرنا من قبل ويتولوا وهم فرحون)[24].
وقد علم النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين أن يتخلصوا من الشماتة، لأنها قد تتحول إلى ابتلاء وامتحان فقال كما جاء في سنن الترمذي؛ “لا تظهر الشماتة لأخيك فيرحمه الله ويبتليك“[25].
تلك أيها القارئ الكريم أهم علامات النفاق وأوصاف المنافقين النفسية، كما نطقت بذلك عبارات الذكر الحكيم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. صدق الله رب العالمين.
——————-
– البقرة/ 11.[1]
– الحشر/ 11-12.[2]
– التوبة/ 47.[3]
– البقرة/ 263.[4]
– الزمر/ 62.[5]
– النساء/ 141-142.[6]
7- صحيح الإمام مسلم. كتاب المساجد ومواضع الصلاة-باب استحباب البكير بالعصر. رقم؛ 1422. دار صادر-بيروت. دون ذكر الطبعة وتاريخ الطبع. ج/ 1. ص/ 219.
– القلم/ 51.[8]
– آل عمران/ 118.[9]
– محمد/ 21.[10]
– الأحزاب/ 19.[11]
– المنافقون/ 4.[12]
– التوبة/ 56.[13]
– الأحزاب/ 20. [14]
– الفتح/ 6.[15]
– آل عمران/ 154.[16]
– البقرة/ 8-9.[17]
– النور/ 46-47.[18]
– المنافقون/ 5.[19]
– التوبة/ 67.[20]
– التوبة/ 76-78.[21]
22- صحيح البخاري. اعتنى به؛ الدكتور محمد تامر. كتاب الإيمان-باب من الإيمان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه. رقم؛ 13. دار التقوى، دون ذكر الطبعة والتاريخ. ج/ 1. ص/ 14.
– آل عمران/ 120.[23]
– التوبة/ 50.[24]
25- سنن الإمام الترمذي. حكم على أحاديثه وآثاره وعلق عليه؛ الشيخ محمد ناصر الدين الألباني، واعتنى به؛ أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان. كتاب الزهد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. رقم؛ 2506. ط/ 1. دون تاريخ. مكتبة المعارف للنشر والتوزيع-الرياض. ص/ 564.