تعد السينما من الأدوات والوسائل الإعلامية الفعالة في التأثير على الرأي العام وتوجيهه؛ وقد أصبحت اليوم صناعة وسلاحا فكريا فتاكا بيد من يملكه ويوجهه. ورغم الأزمة التي أصابت هذا القطاع بسبب ظهور بعض الوسائل الإعلامية الأكثر تطورا؛ إلا أن السينما لا زالت تحظى بجانب كبير من التأطير والتوجيه تستطيع من خلالهما التأثير في عقول متابعيها وأفكارهم وتوجه سلوكهم.
ولا يجب أن نخدع أكثر مما خدعنا بخطاب العلمانيين واليساريين الذين يسيطرون على هذا الحقل، ويعتبرون الأفلام السينمائية التي تستفز وتثير مشاعر الملايين من المغاربة المسلمين؛ بسبب ما تطبعه من انحرافات عقدية وسلوكية وضلالات فكرية ومعارك وهمية؛ مجرد أعمال فنية!! الغاية منها كشف ظواهر المجتمع المختلفة في قالب عمل فني، وإخراج سلوكات وظواهر منتشرة في المجتمع من طابع السرية إلى العلنية.
فشتان بين من يتطرق إلى انحراف أو ظاهرة استشرت في المجتمع ويسلط الضوء عليها قصد تطبيعها؛ وبين من يطرحها لمعالجتها أو الحد منها، فمرجعية كلا الطرفين هي التي تحكم وتحدد هدف تناول الظاهرة وتسليط الضوء عليها.
والسينما المغربية -للأسف الشديد- يسيطر عليها فئة من المفسدين المستغربين ذوي المرجعية العلمانية/اللائكية؛ وهو ما جعل منها ورشا ومشتلا علمانيا بامتياز، ويكفي أن يلقي الناظر إطلالة سريعة على مضمون ومحتوى الأفلام التي يمولها -من أموال الشعب- المركز السينمائي المغربي؛ ليتبين له بيقين صحة هذا الأمر.
وماذا كنا نتوقع أن ينتجه هذا المركز ومن يشرف على تسييره هو من ما كان يشرف على تسيير القناة الثانية2M ، القناة التي يغني ذكر اسمها عن ذكر مضمون مادتها الإعلامية؟
القناة الثانية التي كانت تفتح أذرعها بسخاء وترحاب لزوجة نور الدين الصايل نادية لارجيت؛ لتعبث في الإعلام العمومي بما لا يمكن أن يتصوره المشاهد المغربي من خلال برنامجEntr’act ، وتفتخر -كما صرحت في استجواب مع جريدة ليكونومست- أنه: مع قدوم الرئيس الجديد للقناة -الصايل- كل شيء تغير؛ يمكننا أن نبث من يقول بصراحة للشباب استعملوا العازل الطبي!!
فما عسانا نتوقع من رئيس المركز السينمائي التغريبي نور الدين الصايل؛ الذي صرح في ندوته الصحفية يوم اختتام المهرجان الوطني بطنجة في نسخته الأخيرة: “أن الذين يعانون من الكبت الجنسي هم الذين يرون في تعرية المرأة على الشاشة السينمائية نوعا من التصوير البورنوغرافي..”؟
الطبيعي والمنتظر من شخص كهذا هو ما فعلته زوجته نادية لارجيت؛ حين تعرت بالكامل على الصفحة الأولى من مجلة نساء المغرب في نسختها الفرنسية.
فهذا هو المنتظر من شخص يحمل هذا الفكر المتطرف المناقض لمرجعية المغاربة وثقافتهم وأعرافهم؛ هذا الفكر الذي انعكس بصورة واضحة على ما ينتجه المركز السينمائي المغربي من أفلام؛ حيث أعطى الصايل من خلال تعر زوجته رسالة واضحة؛ بل رسم خارطة الطريق التي يجب أن يلتزم بها كل من أراد الاشتغال في مجال السينما والفن؛ وكان يحلم أو يطمح في يوم ما في السير على البساط الأحمر!!
وكأني بهؤلاء الناس يعيشون خارج زمنهم؛ أو في بلد آخر غير بلدهم، تلمس ذلك في طريقة تفكيرهم وعيشهم وكلامهم؛ يعيشون في بحبوحة عيش؛ وينظرون إلى الحياة الدنيا من منظور آخر غير منظورنا؛ ويحصرون همهم في محاربة الإسلاميين؛ وتخريب النظام القيمي الوطني، والتمكين للنموذج الفرنسي الفرانكفوني الفاشل في المغرب.
إلا أن الأخطر من ذلك كله هو ارتباط مشاريع وأهداف حاملي هذا الفكر بالفكر الصهيوني والفكر الغربي؛ الرامي إلى مسخ الهوية وزرع نمط ثقافي جديد يغير العقلية ويشوه الفهم ويمكن للاستلاب الثقافي.
وقد وجه الناقد والمخرج السينمائي حسن بنشليخة؛ الحاصل على شهادة عليا في العلاقات الدولية من جامعة أوهايو الأمريكية، وشهادة تخصص في الإخراج السينمائي من أحد المعاهد مدينة بوستون، نقدا لاذعا إلى موجة الأفلام السينمائية المغربية الأخيرة.
ووصف بنشليخة هذا الصنف من الأفلام المغربية بكونها شكل من أشكال الغزو الثقافي المُنظم، وبأنها فقيرة من الناحية الإبداعية، وتنقصها أبسط التقنيات الاحترافية، فضلا عن امتلائها بالكلام الساقط، والعري الفاضح، والأفكار الخبيثة. وأن الجميع يدرك ما آلت إليه الأفلام المغربية من أزمة ثقافية باتت تعتقد أن في وسعها تخطيها بعرض سيقان العاهرات السمينات اللواتي جُلبن من الحانات الليلية..
وسمى بنشليخة هذا النوع من السينما بـ: “سينما الاغتراب”، الذي تموله شركات صهيونية مستقرة في أوربا تعتمد سياسة الإنتاج السينمائي المشترك لاستقطاب المخرجين العرب أو المغاربة على الأخص لتبني طموحات وسياسات الغرب عموما، وسياسات إسرائيل خصوصا..
حيث قصفتنا أفلام نرجس النجار، وفوزي بنسعيدي، وإسماعيل فروخي بأفلام دعائية فارغة المحتوى، وهي في حد ذاتها تحريف وشكل من أشكال الغزو الثقافي المنظم الذي يداهمنا في عقر دارنا لخدمة أهداف الحركة الصهيونية ودعم مقولاتها ومزاعمها.
فثُلثا الأفلام -كما يقول بنشليخة- التي شاهدناها في مهرجان طنجة عالجت موضوع التطرف الديني على حساب الحداثة، ونعتقد أنها كتبت تحت تأثير الجهل العميق ولا تحمل هذه الأفلام في جوفها إلا الزيف.. ويشعر المشاهد بالانهيار الكامل أمام هذه الأعمال الغبية واليائسة التي لا تحمل شيئا من المعرفة ولا القيمة الثقافية..
والخطير في الأمر أن هؤلاء المخرجين يفكرون بلغة وعقلية أجنبيتين، ويتبنون خطابا يتحكم فيه مبدأ الاستغلال من أجل الربح المادي.. يخافون ويخشون أن توصد أبواب شركات الإنتاج الصهيونية في وجههم، أكثر مما يتطلعون إلى إيصال الصورة الحقيقية عن العرب والمسلمين. اهـ
وهو أمر طبيعي وعادي جدا؛ لكون أغلب هؤلاء المخرجين عاش ردحا من الزمن في أوروبا أو أمريكا وتشبع بالثقافة الغربية على عجرها وبجرها، كما حصل تماما لعزيز السالمي مخرج فيلم حجاب الحب، الذي اشتكى من المعاناة التي واجهها خلال تصوير اللقطات الخليعة في الفيلم المذكور بقوله: “هاديك اللقطات ففرنسا تمثل بشكل عادي جدا، كتعطي الممثلين السيناريو وكيديرو اللي عليهم بكل مهنية”!!
إن المرحلة الزمنية الفاصلة والحساسة التي يمرُّ بها المغرب لا تسمح بتاتا بمزيد من العبث؛ خاصة على مستوى المؤسسات الإعلامية التي توجه وتؤطر الرأي العام؛ ولا بالسماح لمن عرف عنهم الفساد ومحبة إشاعة الفاحشة؛ واشتهروا عند القاصي والداني بأنهم نشاز في هذا المجتمع؛ أن يستمروا على رأس هذه المؤسسات.
فلا مناص أن تطال رياح التغيير هذه المراكز، وتجتث جذور الفساد والمفسدين من أصلها، وتخضع من كان يتولى هذه المسؤولية بالأمس للمحاسبة والمساءلة.