بين مقام الإسلام في محاربه وآخر صف من صلاة التراويح مسافة مترامية الاطراف شاهدة على ذلك اللفيف المقرون بعز هذا الدين، والشهادة المحسوسة للمنتمين له الفخورين بوسام الانتساب والرد الكاسر على كل رويبضة يريد أن يغتصب هذا الحق ويروم أن يحجب شمس هذه الحقيقة بمناخل شفافة وأسمال كشافة، ولذلك لن يُنسى يوم تزامن عيد الأضحى مع مناسبة رأس السنة الميلادية يوم بقيت حلوة العم سام وحيدة شريدة تحكي لصلبانها حكاية أوبة أهل الحق إلى فطرهم السليمة، وإعراضهم عن إشعال شموع الباطل والتهام خليط السحت، وتلك ولا شك قضية الحق حين يصادم الباطل فيدمغه بسهام الكاسرة ويقرر فيه حكم الله الحاسم الذي مفاده أن “الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء” وأن “مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ”.
فهل يا ترى قرأ هؤلاء المفرقعون الذين يسمع لأقلامهم الممسوخة صريخا على صفحات تلك الخرق البالية الناضحة بأعمدة المسخ المليئة بأطياف الزور وألوان المقذور، هل قرأ هؤلاء الصبية عن أسلافهم من الفلاسفة وصعالكة الشعر وصناديد الرواية وكتاب المقالات الملغومة، الذين نذروا حياتهم لمواجهة الإسلام والمنتسبين لظلاله المحتمين بحصونه، بغيتهم إخماد بؤرة الموقد، وإطفاء نور الحق، واستعملوا لذلك الشعر الحصيف واللغة الراقية اللفظ والفلسفة الساحرة اللحظ، وما استكانوا ساعة وما وهنوا يوما بل عاشوا مصرين على ذلك حتى تخطفتهم يد الردى وبقي وراءهم ومن بعدهم نور الإسلام ساطعا يكاد سنا برقه يأخذ الأبصار فمات “قاسم” وازداد الحجاب وانتشر النقاب وهلك “أتاتورك” ورفع بعده الأذان وعاد الناس إلى شِرعة الواحد الديان، وشيع الموحدون كل أفاك معاند بأربع تكبيرات وبقي ديننا الحنيف يرفل في ثياب الباقيات الصالحات بقاء الأعلام الراسيات.
والحقيقة أن مكر أولئك كادت تزول منه الجبال..
فأين أولئك الهلكى من هؤلاء الحمقى أصحاب الأعمدة التي تزامن ظهورها مع ظهور شبكة الكلمات المتقاطعة، ثقافة إله الشمس “رع” والطائر الخرافي “رخ” و”خف” مقلوبة “فخ”؟
فأين أولئك من هؤلاء الذين يتكلمون عن فتاوي الأسياد ودين الأجداد بلغة هابطة ساقطة، يجبرون كسورها بكل لفظ معلول ونثر مخبول، ولأن أقلامهم تخدم أعتاب نفوسهم المريضة فهم لا يرون الوطن إلا بعين تتحسس كل مقذور من السفور والفجور واللواط والسحاق والنفاق، وأكلة رمضان وعمار الكباريهات ومريدي الخمارات وسراق المال العام، وبين قدح أهل الثغور والتغني بمدح أهل الفجور وبين الدعوة إلى كل منكر ومسكر، والتحذير من كل فاضل ومناضل، ينساب حبر السب والشتم وتترادف ألفاظ النقد ونعوت الضغينة، والحقد، صِبْية نضبت شيم المروءة من بين جوانحهم وماتت خصال الغيرة على الدين والعرض في نفوسهم.
فما أبأس حياتهم وما أضنكها ولكنها فتنة الله وخذلانه، وتخليته بينهم وبين نفوسهم الأمارة التي اختارت ما يشاكلها، وذلك محض قوله تعالى: “قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ” فكما أنك لن تجد نحلة ترعى في قمامة فكذلك لن تجد بعوضة تقتات على شهدة عسل، ولذلك وجدناهم والنفوس الزكية العطرة مستبشرة بفريضة الصيام وسنة القيام قد آثروا الكلام عن العلب الليلية ونوادي الظلام وعن أذيال الغاسق إذا وقب وقوب البغي والجحود وُقوبا يروم تعكير مطالع نهار الإمساك المقبل.
فإلى هؤلاء الصبية نهمس ونقول: إن الإسلام دين فضيلة وملة عفاف، وهو كذلك أقوى من أن يعترض سبيله أحد، وهو أبعد من أن تنال منه أفواه التافهين أو أن تنتقص من قيمته كتابات الطائشين، ثم إننا به قد رضينا بالله ربا وبمحمد نبيا ورسولا، وإننا بمنة الله لن نتوانى على أن نعادي من يستهدف هذا الفهم بأفكارنا ومشاعرنا لأننا تعلمنا أن الإسلام دين ميزته التمرد على الباطل والإفك ومحاربة الضلال والشرك، وسنعادي ونحن نعتقد وبيقين أن الله غالب على أمره وهو الذي ارتضى لنا هذا الإسلام شرعة ومنهاجا، وهو سبحانه قادر على أن يرد كيد الذين تناولوا دينه بالهمز واللمز والطعن والتجريح وأن يستأصل شأفة هذه العصابة المأجورة التي ما فتئت تنشط وتمشط غايتها النيل من تراثنا الإسلامي وصرف حوارييه عن إعزاز شأنه والأخذ بأحكامه، إنا نعلم أن العاقبة للمتقين، أما ما دونهم من أحفاد المستشرقين وأذناب الاستعمار والمغرورين فسينقلبون على أعقابهم خاسرين يصرهم الخزي وتتناول أقفيتهم صفعات الأيدي المبسوطة أيدي الملائكة وهم في غمرات الموت يصطرخون، فهل تنفعهم يوما شفاعة من لقح طرازهم واحتضن فكرهم، وسمع لسمفونيتهم في منابر الورق ومحافل الصوت ومحاريب الصور القميئة وهياكل النظرات الخاسئة الحسيرة، ويومها فقط يدخل القرآن إلى مغانيهم ليشنف آذان جثامينهم المسجاة بعد سنتي الغسل والتكفين، آذان كانت لا تسمع لهذا القرآن وتلغو فيه، يومها فقط سيُزج بخشبة الجسد إلى محراب الصلاة لتسمع أربع تكبيرات بغير ركوع ولا سجود، فأما أولاهن فالله أكبر منك أيها الميت يوم ولدت ثم الله أكبر منك يوم تموت ثم الله أكبر منك يوم تبعث حيا ثم الله أكبر منك وأنت واقف بين يدي رب العزة للسؤال عن عمرك فيما أفنيته وعن شبابك فيما أبليته وعن علمك ماذا عملت به وعن دراهم دنياك من أين اكتسبتها وفي أي الأودية أنفقتها فلا ظلم يومها ولكن قد خاب من حمل ظلما.