كثر الكلام في الآونة الأخيرة عن الخطوات والتدابير الجادة والمتتالية لهيكلة الحقل الديني ببلدنا، وذلك للحد من فوضى طبعت أنشطة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية منذ زمن بعيد، ولقد عملت هذه المؤسسة وغيرها من المؤسسات الدينية على احتواء العلماء قصد توجيههم وفق سياسات الضغط الحكومي الذي يمارسه اللوبي العلماني.
إن تقزيم دور العالم في مؤسسة حكومية يضيق عليه هامش الحرية في الاجتهاد والتمرس في فقه الخلاف خوفا من مخالفة مذهب المؤسسة الدينية، لذا أصبحنا نجد الكثرة الكاثرة من أهل العلم يتم احتواؤهم في هذه المؤسسات، وبذلك يصير عمل العالم تبعا لمتغيرات ومصالح الدولة والحكومات..
وإنه لمن أجلِّ الوظائف التي يقوم بها العالم بعد تفقيه الناس في دينهم مسايرة وقيادة واقعهم على نور من الوحيين، حيث يعيش فرحهم وحزنهم ويشارك في صياغة حلول مشاكلهم، وإذا ألمَّ بهم خطب كان السباقَ لغور كنهه، وحلِّ مشكله، وصدِّ خطره، بحماية عقائدهم من التحريف والتأويل، وعبادتهم من التشويه والتبديل، وسلوكهم من طغيان المعاصي والذنوب، ومعاملاتهم من الزيغ عن طريق العدل والقسط، قال النبي صلى الله عليه وسلم: “يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين”.
ومن عظيم ما يُفرِح المغاربةَ أن يجدوا مؤسساتهم الدينية من وزارة الأوقاف ومجالسها العلمية، ومجلسها الأعلى، والرابطة المحمدية للعلماء، خير حام لهويتهم وقيمهم التي يدعو إليها دينهم، فكما اعتبرت العمل بفتوى زواج الصغيرة خطرا على مؤسسة الزواج وأن من أفتى بها منتحلا لصفة عالم إذ يفتي دون انخراط في مؤسسة من المؤسسات المعتبرة عند الدولة، وأن فتواه خالفت مقدسات الدولة، فإنهم ينتظرون من هذه المؤسسات أن تتحمل المسئولية الملقاة على عاتقها والتي يزيد ثقلَها عظم نُبلها.
فهم ومنذ ردح من الزمن ينتظرون من علمائها الكلام على أمور أقضت مضاجعهم، وهم يرون مجتمعا مسلما ينسلخ من دينه وقيمه عروة عروة.
انتظروا منهم أن يقفوا وقفة رجل واحد في مواجهة الغزو العلماني والخطط والبرامج الفرنكفونية والصهيو-أمريكية والماسونية..، التي تستهدف براءة التزامهم وتدينهم في المدارس والشوارع ووسائل الإعلام..
انتظروا منهم الشجب والاستنكار لشيوع الرذيلة والمنكر بشتى أصنافه وصوره!
فقد انتشر العري مع آخر الصيحات الموضة، وصار شرب الخمر عيدا يحتفل به، وأقيمت مهرجانات الموسيقى المائعة والفن الساقط بربوع الوطن، وصارت مدن بالمغرب عواصم للسياحة الجنسية، بل وتجرأت شركات أجنبية لتصوير أجساد العرايا والعاريات في أفلام أو مجلات “بورنغرافية”، وظهر الشواذ وعبدة الشيطان، وشنت صحف ومجلات الحرب على المقدسات الدينية..، لكن أين تلك المؤسسات؟
انتظروا منهم بلاغا أو بيانا ضد من لعنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن استهزأ بالله وملائكته ورسله، ومن يحارب العفة والفضيلة!
انتظروا منهم محاربة التنصير بحراك يضاهي على الأقل حراك المنصرين الذين يعيثون في عقائد الموحدين بشرك التثليث!
انتظروا منهم صدَّ التشيع القادم من بلدان الرفض وعبدة الأئمة!
انتظروا منهم القيام بواجبهم في الدفاع عن مقدساتهم وحماية قيمهم وهويتهم!
ولمَّا لم يكن منهم شيء من هذا، صار سبُّ الله عادة اجتماعية، ونودي بحق الكفر والارتداد وتبديل الشريعة وعلمنة البلاد والعباد، وكان آخر النفخات من كير الخبث والتولي المناداة بتغيير نظام الإرث الذي حكم فيه العليم الخبير!
فأين وزارة الأوقاف؟
وأين المجلس العلمي الأعلى؟
وأين الرابطة المحمدية للعلماء؟
لصدِّ هذا السيل الجارف والمنحدر من ميزاب العلمانية العفن، حتى تطمئن القلوب ويفرح المؤمنون بالعزة التي كتبها الله لهم، فوالله إننا لمع العلماء، لكن الربانيين منهم!
ودام المغرب دولة إسلام.