سلسلة منطلقات الخلاف بين أطياف السلفية المعاصرة (ج12) خريطة الجماعات الجهادية وأهم جيوبها السرية إعداد مراد أمقران

«القطبيون»
تكونت جماعة القطبيين في السجن بعد انتهاء محاكمات قضية الإخوان المسلمين في عام 1965م، والتي تعرف عند البعض بـ”تنظيم سيد قطب”، وقد تشكلت في أول ظهورها من مجموعة صغيرة من قادة وأعضاء الإخوان المسلمين، وكان على رأسهم الأستاذ محمد قطب شقيق سيد قطب، وكان من ضمنهم أيضا كل من عبد المجيد الشاذلي ومصطفى الخضيري والدكتور محمد مأمون، وقد اختلفوا مع الإخوان في عدة قضايا وأهمها إستراتيجية العمل الإسلامي.
والاستراتيجية التي اعتمدها القطبيون للتغيير الإسلامي قد دونها مؤخرا بشكل متكامل” محمد قطب” في كتابه: “واقعنا المعاصر” وتتلخص في أنه يتحتم تربية أغلبية الشعب على العقيدة الإسلامية الصحيحة حتى إذا قامت الدولة الإسلامية الحقيقية أيدها وتحمل الصعاب التي ستترتب على قيامها من قبل القوى الغربية التي ستقاوم أي نهضة إسلامية حقيقية في العالم الإسلامي، وستضرب حصارا ظالما على الدولة الإسلامية الناشئة يطال كل شيء من أول منع استيراد القمح والمواد الغذائية، إلى منع استيراد أي مواد صناعية، وانطلاقا من هذه الرؤية فالقطبيون يرون أنه يتحتم بجانب تربية الشعب قبل إقامة الدولة الإسلامية اهتمام أبناء الحركة الإسلامية بالتفوق في تعلم العلوم والتكنولوجيا الغربية الحديثة حتى تتوافر لهم فرص إيجاد الحلول العلمية والعملية الحديثة للتغلب على هذه الصعاب المترتبة على إقامة الدولة الإسلامية.
ورغم أن إستراتيجية القطبيين في التغيير لها رونقها ووجاهتها بالنسبة للكثير من الإسلاميين إلا أنهم لم يضعوا تكتيكات وأساليب واضحة ومناسبة لتحقيقها مما جعلها تبدو وكأنها نوع من الترف الفكري.
وبصفة عامة فإن القطبيين عددهم صغير، ومعدل التجنيد لديهم يعد بطيئا جدا وذلك كله يعكس الخلل في تكتيكات جماعة القطبيين، ولذلك فرغم أنهم بدأوا مسيرتهم الدعوية في نفس الوقت الذي بدأ فيه الإخوان في منتصف السبعينات، فإن عدد القطبيين الآن لا يزيد عن ثلاثين ألف واحد يتمركزون بنسبة كبيرة في مصر.
كما يلاحظ أن القطبين ليس لهم نشاط في الجامعات، ولا المعاهد ولا النقابات بعكس كل من الإخوان والسلفيين والجهاد والجماعة الإسلامية سابقا، وهذا أيضا يعد مظهر من مظاهر الخلل في أساليب عمل جماعة القطبيين.
ورغم ذلك كله فإن التيار القطبي مازال تيارا مؤثرا وموجود في معظم دول العالم خاصة العالم العربي، لكنهم في كل مكان لهم نفس الخصائص الموجودة فيهم في مصر من حيث البطء وعدم الفاعلية، وقد أدى ذلك في بعض الحالات إلى تململ عناصر فاعلة داخل الجماعة، ومن ثم الانشقاق عنها جراء الملل من جمود المنهج الحركي للجماعة.
«جماعة شباب محمد»
الجماعة المرادفة لحركة الإخوان المسلمين من حيث تاريخ النشأة هي “جماعة شباب محمد” التي أسسها مجموعة من قادة وشباب الإخوان الذين انشقوا عن جماعة الإخوان المسلمين عام 1939م وعلى رأسهم محمود أبو زيد عثمان، وحددوا خلافهم مع الإخوان في عدة نقاط أبرزها عدم أخذ قيادة الإخوان بمبدأ الشورى في اتخاذ القرار وذلك بالمخالفة لتعاليم السياسة الشرعية الإسلامية، وكذلك عمل جماعة الإخوان المسلمين تحت لواء الحاكمين بغير ما أنزل الله، ويقصدون بهذا رضا جماعة الإخوان بالعمل السياسي في إطار القانون الوضعي السائد والذي يحكم العمل الحزبي والنقابي.
وقد طرحت جماعة شباب محمد في مسألتي “الحكم بما أنزل الله” و”وسيلة تغيير الواقع” أطروحات تشبه في مضمونها ما تم طرحه بعد ذلك بأكثر “من 25 سنة” من قبل تنظيم الجهاد مما دعا أحد أبرز منظري تيار الجهاد “أسامة عبد الحميد” إلى اعتبار أن جماعة شباب محمد هي اللبنة والمرحلة الأولى في تاريخ التيار الجهادي.
وكانت جماعة “شباب محمد” تؤمن أنه لا سبيل لنهضة الأمة الإسلامية والخلاص من مشاكلها إلا بإقامة الخلافة الإسلامية، والعودة إلى الإسلام الصافي، وتتفق في هذا التطلع مع سائر الجماعات الإسلامية السابقة واللاحقة.
وقد بلغت”جماعة شباب محمد” مبلغا لا بأس به من الانتشار والحشد والقوة أيام حرب فلسطين عام 1948م؛ إذ أرسلت في إحدى المرات ما يعادل نحو 20% من كتائب المتطوعين الذاهبين لفلسطين بينما أرسل الإخوان المسلمون نحو 70% من هذه الكتائب، واشتركت جميع الأحزاب و الجمعيات الأخرى في 10% الباقية.
وما إن استتب الأمر لجمال عبد الناصر ووصوله إلى سدة الحكم بعد انقلابه الشهير على محمد نجيب حتى عجل بالتضييق على جماعة “شباب محمد” وتقليص مساحة عملها وسجن رموزها.
حتى لم يعد منها شيء في نهاية السبعينات من القرن العشرين سوى بعض الكتيبات والمنشورات التي تصدرها من حين لأخر تحت إشراف المحامي ورئيس الجماعة حينئذ “محمد عطية خميس” وبوفاة الأخير في أوائل الثمانينات انتهى أي ذكر لـ”جماعة شباب محمد” في الشارع السياسي والإسلامي بمصر وخارجها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *