عفوا محمد ضريف! لقد أسأت الأدب مع نبينا صلى الله عليه وسلم أبو عبد الرحمن ذوالفقار بلعويدي

بعيدا عن موضوع السلطة ونظام الخلافة والمعايير الشرعية في انتخاب الخليفة في زمن الخلفاء وبعد زمن الخلافة الراشدة؛ الذي حاول إقحامنا فيه المدعو محمد ضريف في مقال له تحت عنوان “المشروعية بين الإرث الجاهلي والموروث الإسلامي”(1). وبعيدا عن محاسبته على لوازم أقواله وما يُستشف من ثنايا طرحه ومضمون رأيه في طريقة نصب الإمام في زمن الخلافة، بعيدا عن كل هذا وذاك، فإن الأمر هنا أعظم بكثير وأكبر جدا، فهو يتعلق بنوع وطريقة حديث “محمد ضريف” عن نبينا عليه الصلاة والسلام. حيث كان خطابه عارٍ من كل احترام وإجلال وتقدير(2)، بأسلوب فيه شبه كبير لا يختلف عن أسلوب المنصرين والمستشرقين ومن لا يصدقون برسالة ولا يؤمنون بدين، من ملاحدة الشيوعيين والماركسين واليساريين؛ بل هو أسلوبهم عينه. خاصية من لا يمتلكون منهم الجرأة وصفتهم اللازمة التي يشتركون فيها هو أن أسلوبهم عند ذكرهم لنبينا عليه الصلاة والسلام، لا يشتمل على أدنى دلائل المحبة الصادقة ومظاهر التعظيم، ودون أن يسلكوا معه عليه الصلاة والسلام مسلك الأدب والثناء عليه بما هو أهله، الشيء الذي نجده عند محلليهم وخبرائهم وكتابهم ومفكريهم؛ وذلك كما يلقبونهم عادة في قنواتنا بقدر ما يُخدع به المتتبع؛ هالات من الخيال، تضخيما وتفخيما لحقيقتهم. هذا محلل سياسي، وذاك خبير (الجاسوسية) في الجماعات الإسلامية، وثالث مفكر، ونادرا ما تتوفر الجرأة الوقحة لبعضهم أن يجهروا بالعداء. 

بل الأخطر من هذا هو أن من أولئك قوم يحسبون علينا هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا ويتسمون بأسمائنا ويتجنسون بجنسيتنا، مهمتهم إيقاع العداوة والبغضاء بين السلطة وكل مشروع إسلامي. فالحذر الحذر من الاغترار باستعمال بعضهم لسان أهل الإسلام. فالإسلام ليس شهادة ميلاد تشهد لصاحبها بالانتماء إلى وطن دينه الرسمي الإسلام، إنما هو إيمان وطاعة واتباع وحب ونصرة واقتداء. إنه مسألة عقيدة، ومسألة دين، ومسألة ولاء؛ مسألة إيمان أو نفاق، شرع أو هوى، نصر أو خذلان، إنه مسألة صراع من أجل أن يكون الإسلام أو لا يكون، صراع مع أعدائه باختلاف لبوسهم ومظاهرهم. والتستر عنهم في هذا الموطن ينافي مصلحة صيانة عقيدة المسلمين من عبث العابثين، وأن المجاملة في معركة ما هو مقدس ليست من حسن المعاملة في شيء. بل الإسلام يمنع من هذه المجاملة التي تكون على حساب العقيدة. وصدق الله العظيم: {وَكَذَلِكَ نفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ}(3).

محمد ضريف وقلة أدبه مع نبينا عليه الصلاة والسلام
لن تجد ممن يعظم النبي صلى الله عليه وسلم يغفل عن الصلاة والتسليم عليه عند ذكره لاسمه الشريف، لكن “محمد ضريف” في مقاله المذكور سلفا، يذكر نبينا عليه الصلاة وأزكى السلام ويصفه بـ: “المؤسس القرشي” و”النبي القرشي” و”الرسول” و”صاحب الدعوة” و”محمد”.. هكذا بالاستقراء يذكره “ضريف” حاف دون صلاة عليه تذكر أو تسليم، بأسلوب فيه تغييب المكانة المقدسة التي يحتلها رسول الله صلى الله عليه وسلم في قلوب المغاربة وعامة المسلمين. وذلك بتعويد المسلمين ذكر اسم نبيهم وترديده على مسامعهم دون تعظيم أو تقدير، حتى إذا ألف الناس أسلوب القوم واطمأنوا إليه اجترؤوا على ذكر نبينا كما يذكرون آحاد الناس بلا توقير ولا تعظيم. والغاية من هذا كله هو تحطيم كل ما هو مقدس لدى المسلمين.
عجب!! ثم عجب!! يصلي عليه الله جل شأنه وتقدست أسماؤه هو وملائكته {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيّ}(4)، ويوجهنا سبحانه إلى هذا الأدب معه بقوله: {لاَ تَجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاء بَعْضِكُم بَعْضاً}(5). و”ضريف” هذا يذكره قارنا بوقاحة اسمه الطاهر باسم قبيلته “المؤسس القرشي” و”النبي القرشي” وهو المبعوث للعالمين، وكأنه يتكلم عن أيها زعيم أو آحاد الناس، في صورة تهمس بقلة أدب أن نبوته عليه السلام كانت نبوة قومية أو قبلية!
يذكره -عليه الصلاة والسلام- باسمه المجرد محمد، دون أدنى عبارة تدل على إيمانه به وتعظيمه له. لماذا؟
فلِمَ يضع نفسه هذا الموضع الذي يوحي بضعف يجعله غير قادر على اتخاذ موقف حاسم؛ إما هنا مع المسلمين في تعظيم نبيهم أو هناك مع خصومهم؟
متى سيتحرر “مثقفونا” من عقدة المناهج الغربية العلمانية؟ أهذه هي روح المفكر، وهمة المحلل، ونخوة الخبير؟
ثم لماذا هذا التذبذب؟ ألم يقرأ هذا الباحث في الجماعات الإسلامية! قول الله تعالى محذرا المؤمنين من عباده ممن هذه صفاتهم في قوله: {سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَن يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُواْ قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوَاْ إِلَى الْفِتْنِةِ أُرْكِسُواْ فِيِهَا}(6).
بل لماذا هذا الإعراض الكلي عن الصلاة والتسليم على النبي الكريم دون ما شيء تخشاه، فأنت تحظى بالحياة في بلد دينه الرسمي الإسلام، هرم كباره، ونشأ صغاره على حب النبي صلى الله عليه وسلم، وتعظيم شأنه، والرفع من ذكره، واحترام مقامه، وتقدير مكانته، والاعتراف بفضله وفضائله؛ فهو الذي ارتقى به ربه سبحانه لعلمه المسبق الأزلي أنه الأهل في زمانه لهذا الأفق العظيم والمقام الأعلى الرفيع {اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ}(7)؛ اصطفاه واختاره صلى الله عليه وسلم وبلغ به قمة الكمال الإنساني، حتى تمثل القرآن في شخصه حيا يمشي على الأرض في صورة إنسان كما قالت عائشة رضي الله عنها: (كان خلقه القرآن)(8).
أدَّبه ربه فأحسن تأديبه حتى خاطبه مثنيا عليه في كتابه المجيد بقوله: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}(9). وعلى هذا قامت دعوته وكانت سيرته صلى الله عليه وسلم الرفيعة النقية العطرة «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»(10).
كما قد رفع سبحانه ذكره في الوجود وجعل اسمه عليه الصلاة والسلام مقرونا باسمه سبحانه كلما ذكر اسمه الذاكرون «لا إله إلا الله، محمد رسول الله» مصداقا لقوله عز وجل: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ}(11).
مع كل هذه الرفعة والتكريم يستنكف “ضريف” عن الصلاة والسلام على أفضل من وطأ الحصا، ويتحدث عنه بأسلوب خال عن كل احترام أو إجلال أو تقدير.
هذا ليس بالأمر الهين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) جريدة المساء ليوم الخميس 26/8/2010.
(2) انظر قوله مثلا: “إن احتكار القرشيين للسلطة لم يكن فلتة، بل أتى نتيجة منطقية لمسلسل تم الإعداد له من قبل وبمباركة المؤسس القرشي” نفس العدد.
(3) سورة الأنعام الآية 55.
(4) سورة الأحزاب الآية 56.
(5) سورة النور الآية 63.
(6) سورة النساء الآية 91.
(7) سورة الأنعام الآية 124.
(8) انظر حديث رقم 4811 في صحيح الجامع.
(9) سورة القلم الآية 4.
(10) السلسلة الصحيحة 1/75، رقم الحديث 45.
(11) سورة الشرح الآية 4.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *