وفقاً لمعدلات القتل المستحر في ربوع الشام.. فمرور ثلاثين دقيقة على أهلنا في سورية يعني أن شهيداً قد ارتقى إلى ربه، ومن ثَم يصبح أي التأخير عن نجدتهم كارثياً.
تلك هي الحقيقة التي وضعت بين أيدي الحضور في مؤتمر “الحملة الإسلامية لنصرة سورية”، الذي انعقد في إسطنبول التركية، وحضره نحو 160 مشاركاً في فعالياته ولجانه المختلفة، وهذا هو التحدي الذي واجه العلماء والدعاة والمفكرين والنشطاء وغيرهم الذين جاؤوا من نحو 30 دولة إسلامية في يومي المؤتمر، وفرض عليهم سرعة الخلوص إلى مشاريع ومبادرات ومساهمات في شتى أوجه المساندة للشعب السوري، الذي “يقاتل نيابة عن الأمة كلها”، مثلما قال رئيس المؤتمر فضيلة الشيخ الدكتور ناصر بن سليمان العمر في كلمته الختامية.
وبطبيعة الحال؛ فإن هذا المؤتمر لا يعد صحوة من بعد غفوة، ولا انتباهة متأخرة أتت بعد عام ونيف من بدء الثورة السورية؛ فجل الحضور لديه مشاركاته المتعددة في نصرة القضية السورية العادلة، والمستمرة منذ انبلاج انتفاضة السوريين على النظام الغاصب للسلطة، لاسيما الجهتين الراعيتين للمؤتمر، وهما رابطة علماء المسلمين، وهيئة الشام الإسلامية، إضافة إلى كثير من الجمعيات والهيئات والشخصيات المشاركة، إلا أن التطور الحاصل في سورية، لاسيما مع ضراوة العدوان، وتفاقم بعض المشكلات، وتزايد الحاجة إلى إحداث نوع من الاختراق في جدار الجمود النسبي لحالة المساندة الخارجية للثورة السورية، وليس الثورة السورية ذاتها، التي تمور كل يوم محققة قدراً من التقدم لا بأس به في طريق انتصارها على الظلم والطغيان الطائفي.
هذا التطور قد أوجب على الحضور ضرورة الالتئام في ورش عمل متخصصة تهدف إلى تركيز الآراء، ووضع تصورات ينبثق عنها مبادرات فورية، تعمل لجان على إثر ذلك على وضعها على السكة الصحيحة، وتفعيل ما خلص إليه هذا الورش، من الأخذ بعين الاعتبار العبور سريعاً إلى الحالة العملية التطبيقية في برنامج النصرة المتعدد الفروع، الذي وضع على إثر استعراض أوراق بحثية معمقة استهدفت تجلية الأوضاع بشكل أكثر وضوحاً، ووضع الأرضية التي بنى عليها المشاركون مقترحاتهم ومبادراتهم، والتي أخذت بدورها حقها من النقاش، وصولاً إلى وضع خارطة متكاملة من التوصيات المزمع تنفيذها على الفور وفقاً لآليات تطبيقية تالية، تشمل ثمانية أوجه لمساندة الشعب السوري وقضيته العادلة، تتمثل في المساندة السياسية، والإعلامية، والعلمية، والإغاثية، ونصرة المقاومة السورية، جهود إصلاح ذات البين بين القوى العاملة في الثورة السورية، وغيرها، بما ورد تفصيلاً في البيان الختامي الصادر عن المؤتمر.
لقد كان المؤتمر في حقيقته تجسيداً صادقاً لحالة الجسد الواحد التي أبدت شعوراً فياضاً بالتضامن والتآخي والنصرة، تركت أثرها العميق في نفوس جميع الحضور، لاسيما حينما تقاطرت المبادرات الخيرية من جهات الإغاثة والهيئات والشخصيات التي ضربت مثالاً رائعاً للنصرة المادية، عبر ملايين الريالات التي تدفقت من المتبرعين للاجئين السوريين والأسر المتضررة والأيتام وغيرهم، ومثلت نموذجاً للتلاحم من مبادرين إلى مقترحات مبدعة لتقديم قدر من المساهمة في تحقيق واجب النصرة؛ فكانوا جميعاً تجسيداً لمقولة الداعية الأستاذ عصام العطار حين خاطب الجمع في تسجيل مصور بقوله: “اجعلوني خادماً في مشروعكم العظيم”…