آيات تفهم على غير وجهها – سورة التوبة – إبراهيم الصغير

– قوله تعالى: {وَأَذَانٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ} (الآية: 3)
كلمة {الْحَجِّ الأَكْبَرِ} تفهم على غير وجهها.
قال الطبري: وأما قوله {يوم الحج الأكبر}، فإن فيه اختلافا بين أهل العلم.
قال بعضهم: هو يوم عرفة؛ قاله: عمر، وعلي، وابن عباس، وأبو جحيفة، وعطاء، ومجاهد، وغيرهم.
وقال آخرون: هو يوم النحر؛ قاله علي رضي الله عنه في رواية عنه، وابن أبي أوفى.
وقال آخرون: معنى قوله: {يوم الحج الأكبر}، حين الحجّ الأكبر ووقته، وذلك أيام الحج كلها، لا يوما بعينه؛ قاله مجاهد.
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصحة، قولُ من قال: “يوم الحج الأكبر: يوم النحر”، لتظاهر الأخبار عن جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عليًّا نادى بما أرسله به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرسالة إلى المشركين، وتلا عليهم “براءة”، يوم النحر.
هذا، مع الأخبار التي ذكرناها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال يوم النحر: “أتدرون أيّ يوم هذا؟ هذا يوم الحج الأكبر”.
قال ابن القيم: وهو الصواب، لأنه ثبت في الصحيحين أن أبا بكر وعليّا رضي الله عنهما، أذّنا بذلك يوم النحر، لا يوم عرفة.
وفي سنن أبي داود بإسناد صحيح أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: “يوم الحج الأكبر يوم النحر”، وكذلك قال أبو هريرة وجماعة من الصحابة.
قال ابن كثير: {يوم الحج الأكبر} وهو يوم النحر الذي هو أفضل أيام المناسك وأظهرها وأكثرها جمعا.
– قوله تعالى: {وَلَمْ يَتَّخِذُواْ مِن دُونِ اللّهِ وَلاَ رَسُولِهِ وَلاَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} (الآية: 17)
كلمة {وَلِيجَةً} تفهم على غير وجهها.
قال الطبري: هو الشيء يدخل في آخر غيره، يقالُ منه: “ولج فلان في كذا، يلِجه، فهو وليجة”.
وإنما عنى بها في هذا الموضع: البطانة من المشركين، نهى الله المؤمنين أن يتخذوا من عدوهم من المشركين أولياء، يفشون إليهم أسرارهم.
قال البغوي: {وليجة} بطانة وأولياء يوالونهم ويفشون إليهم أسرارهم. وقال قتادة: وليجة خيانة. وقال الضحاك: خديعة. وقال عطاء: أولياء. وقال أبو عبيدة: كل شيء أدخلته في شيء ليس منه فهو وليجة، والرجل يكون في القوم وليس منهم وليجة. فوليجة الرجل: من يختص بدخيلة أمره دون الناس، يقال: هو وليجتي، وهم وليجتي للواحد والجمع.
والوليجة: فعيلة من ولج، كالدخيلة من دخل.
قال القرطبي: {وليجة} بطانة ومداخلة من الولوج وهو الدخول، ومنه سمي الكناس الذي تلج فيه الوحوش تولجا، ولج يلج ولوجا إذا دخل؛ والمعنى: دخيلة مودة من دون الله ورسوله.
وقيل: وليجة بطانة، والمعنى واحد، نظيره قوله تعالى: {لا تتخذوا بطانة من دونكم} (آل عمران: 118). وقال الفراء: وليجة بطانة من المشركين يتخذونهم ويفشون إليهم أسرارهم ويعلمونهم أمورهم.
– قوله تعالى: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ اللّهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (الآية: 19)
كلمة {سِقَايَةَ الْحَاجِّ} تفهم على غير وجهها.
قال القرطبي: قوله تعالى: {أجعلتم سقاية الحاج} التقدير في العربية: أجعلتم أصحاب سقاية الحاج أو أهل سقاية الحاج مثل من آمن بالله وجاهد في سبيله. ويصح أن يقدر الحذف في {من آمن} أي أجعلتم عمل سقي الحاج كعمل من آمن. وقيل: التقدير كإيمان من آمن؛ والسقاية مصدر كالسعاية والحماية. فجعل الاسم بموضع المصدر إذ علم معناه، مثل: إنما السخاء حاتم، وإنما الشعر زهير.
قال أهل اللغة: السقاية بالكسر والضم موضع السقي. وفي “التهذيب”: هو الموضع المتخذ فيه الشراب في المواسم وغيرها.
وفي “التاج”: سقاية الحاج ما كانت قريش تسقيه للحجاج من الزبيب المنبوذ في الماء، وكان يليها العباس رضي الله عنه في الجاهلية والإسلام.
قال الأستاذ رشيد رضا: والسقاية في اللغة: الموضع الذي يسقى فيه الماء وغيره، وكذا الإناء الذي يسقى به، ومنه: {جعل السقاية في رحل أخيه} سميت سقاية، لأنها يسقى بها، وصواعا لأنها يكال بها كالصاع وهو يؤنث ويذكر.
قال في “اللسان” (كغيره) والسقاية: الموضع الذي يتخذ فيه الشراب في المواسم وغيرها. (ثم قال) وفي الحديث: “كل مأثرة من مآثر الجاهلية تحت قدمي إلا سقاية الحاج وسدانة البيت” هي ما كانت قريش تسقيه للحجاج من الزبيب المنبوذ في الماء، وكان يليها العباس بن عبد المطلب في الجاهلية والإسلام.
– قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (الآية: 103)
كلمة {صَلاَتَكَ} تفهم على غير وجهها.
قال الطبري: {وصل عليهم} يقول: وادع لهم بالمغفرة لذنوبهم، واستغفر لهم منها، {إن صلاتك سكن لهم} يقول: إن دعاءك واستغفارك طمأنينة لهم.
وقد ورد في تفسيرها قولان: أحدهما: استغفر لهم، قاله ابن عباس؛ والثاني: ادع لهم، قاله السدي.
قال النحاس: وحكى أهل اللغة جميعا فيما علمناه أن الصلاة في كلام العرب الدعاء، ومنه الصلاة على الجنائز.
قال صاحب المنار: ومعناها الأصلي (أي الصلاة) الدعاء، وهو المراد من الآية، وسميت العبادة الإسلامية المخصوصة صلاة من تسمية الشيء بأهم أجزائه، فإن الدعاء مخ العبادة وروحها، وقيل في التعليل غير ذلك.
– قوله تعالى: {إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ} (الآية: 111)
كلمة {اشْتَرَى} تفهم على غير وجهها.
قال القرطبي: قوله تعالى: {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم} قيل: هذا تمثيل، مثل قوله تعالى: {أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى} (البقرة: 16).
وقيل هذه الآية دليل على جواز معاملة السيد مع عبده، وإن كان الكل للسيد لكن إذا ملكه عامله فيما جعل إليه. وجائز بين السيد وعبده ما لا يجوز بينه وبين غيره، لأن ماله له وله انتزاعه. وقيل: أصل الشراء بين الخلق أن يعوضوا عما خرج من أيديهم ما كان أنفع لهم أو مثل ما خرج عنهم في النفع، فاشترى الله سبحانه من العباد إتلاف أنفسهم وأموالهم في طاعته، وإهلاكها في مرضاته، وأعطاهم سبحانه الجنة عوضا عنها إذا فعلوا ذلك، وهو عوض عظيم لا يدانيه المعوض ولا يقاس به، فأجرى ذلك على مجاز ما يتعارفونه في البيع والشراء.
قال ابن عاشور: والاشتراء: مستعار للوعد بالجزاء عن الجهاد، كما دل عليه قوله: {وعدا عليه حقا} بمشابهة الوعد: الاشتراء في أنه إعطاء شيء مقابل بذل من الجانب الآخر.
والله تعالى أعلى وأعلم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *