التصهين «العربي» ذ.الحسن العسال

«إبان العدوان الصهيوني على غزة، تجاوزت الأنظمة العربية مسألة التطبيع مع العدو الصهيوني، لتدخل في مرحلة ما بعده، وهي مرحلة التصهين، وبات واضحاً أن مصطلح التصهين سيستقر في الأدبيات السياسية الحديثة، بعد هذا العدوان، ليحل محل التطبيع، الذي تجاوزه الزمن، ولكن هذا التصهين لم ينشئه العدوان، بل كشف عنه فقط، وإن كان لم يبدأ في الظهور صراحة، إلا أنه قديم» 1.
تصهين النظام «المصري»:
كشف البيان الصادر في ختام اجتماعات مجلس التعاون الخليجي في جدة عن الإشادة بالدور المصري في «إنهاء» العدوان الصهيوني على غزة.
وكل المراقبين يعلمون أن نظام السيسي أتى على أنقاض ثورة 25 يناير، برغبة ودعم صهيونيين، وما المبادرة «المصرية»، إبان العدوان على غزة، إلا دليل آخر على أن نظام السيسي لم يكن له من دور فيها إلا أنه نقلها من نتن ياهو نقلا، دون أدنى تصرف.
إن التصهين العربي المعلن، وخاصة المصري، بدأ مع البائد أنور السادات، الذي كسر الحاجز النفسي بين العرب وبين الصهاينة، لدرجة أنه قبل طفو التصهين للسطح لم تكن تجرؤ أي محطة رسمية عربية على إظهار أي صهيوني عبر شاشتها، لكن عنترية الأنظمة العربية ضد الخطوة الساداتية المتصهينة لم تدم طويلا، لأنها لم تكن حقيقية، بل كانت مسايرة لنبض الشعب العربي الرافض، آنذاك، لأي اتصال باللقيطة الصهيونية، وقد أرخ لهذه الانتكاسة شاعر الثورة الفريد أحمد مطر في رائعته: «الثور والحظيرة».
الثور فر من حظيرة البقر، الثور فر،
فثارت العجول في الحظيرة،
تبكي فرار قائد المسيرة،
وشكلت على الأثر،
محكمة ومؤتمر،
فقائل قال: قضاء وقدر،
وقائل: لقد كفر
وقائل: إلى سقـر،
وبعضهم قال امنحوه فرصة أخيرة،
لعله يعود للحظيرة؛
وفي ختام المؤتمر،
تقاسموا مربطه، وجمدوا شعيره
وبعد عام وقعت حادثة مثيرة
لم يرجع الثور، ولكن ذهبت وراءه الحظيرة

ثم أتت مرحلة أوسلو ليتصهين بعض الفلسطينيين وعلى رأسهم عباس ودحلان، وفي مرحلة ثالثة، شكل انقلاب سيسينياهو أعتى مظاهر التصهين، بمؤازرة الإمارات العربية والمملكة العربية السعودية.
لقد أصبح هدف تصهين بعض العرب هو الحفاظ على وجود أنظمة وتيارات «عربية»، أي أن الوجود الصهيوني والوجود العربي المتصهين متلازمان، مما يحذو بالأخير إلى أن يكون أكثر تصهينا من الصهاينة أنفسهم.
دور حكام الإمارات المتصهين:
كان حكام الإمارات يدعمون نظام مبارك/المخزون الاستراتيجي للصهاينة، سنويا بـ12 مليار دولار، أكثر من نصفها من المواد البترولية، وقد هددوا بقطعها بعد الثورة، ثم نفذوا تهديدهم بعد وصول الرئيس مرسي للحكم.
وكلنا يتذكر أن حكام الإمارات لم يتخلوا عن مبارك حتى آخر لحظة، إذ حل المبعوث الإماراتي إلى القاهرة قبيل سقوط مبارك، معلنا عن مليارات الدولارات لإنقاذه.
وإذا كان حكام الإمارات قد قاموا بدور عسكري ومالي لإسقاط القذافي، فإن ذلك لم يكن دعما للثورة، بل لاحتوائها، بدليل تحالفهم مع الانقلاب المصري دعما لعدو الثورة اللواء خليفة حفتر.
وتتميما للدور المؤامراتي الذي يضطلع به حكام الإمارات، فقد أصبحوا ملجأ للفارين من العدالة مثل أحمد شفيق، والسفاحين مثل دحلان وأسرة بشار.
وإن الوجه الخيري الذي روج له حكام الإمارات ما هو إلا رشى، أو في أحسن الأحوال ذرا للرماد في العيون، كي لا ينكشف الدور الخبيث والقذر الذي يقومون به، والذي تجلى واضحا في التواطؤ على قطاع غزة، والتورط بفضائح تمويل العدوان اليهودي على الفلسطينيين، وضبط طاقم «الهلال الأحمر» الإماراتي في مهمة تجسسية داخل غزة لصالح العدو، في الوقت الذي منعت كل الوفود المتضامنة مع غزة من دخولها عبر معبر رفح.
وفي المقابل فقد كان حكام الإمارات أسخياء مع أغنى وأعظم دولة في العالم؛ إذ قدموا دعما لأمريكا في أزمتها المالية سنة 2010 بعقود تسليح فاقت الـ200 مليار دولار.
كما أنهم تبرعوا لولاية أريزونا الأمريكية بعد الإعصار الشهير سنة 2008، بأكثر من 10 مليار دولار، وتولوا إعادة إعمار معظم مدارسها.
في حين كان حظ «الأشقاء» المسلمين عاثرا مع أمراء النفط هؤلاء، إذ قاموا بتمويل الحملة الصليبية الفرنسية على مالي بحوالي 7 مليار دولار.
وقد صرح الرئيس الفرنسي هولاند قائلا: «لقد حصلنا على دعم الإمارات المادي للعملية العسكرية في مالي، ولدينا ذات التوجهات فيما يخص الوضع هناك»، معلنًا من دبي أن بلاده قد أصبحت جاهزة مالياً لبدء حربها في مالي. وأفاد بأن «دعم الإمارات العسكري للعمليات الفرنسية في مالي يشمل استخدام القاعدة الفرنسية الموجودة في أبو ظبي».
وبالنظر للدور المتصهين الذي لعبه النظام الإماراتي في العدوان على غزة، فإن اغتيال المبحوح القيادي الحمساوي في دبي، لم يكن خارجا عن هذا الإطار القذر، خصوصا وأن كل تفاصيل القضية، فضلا عما سبق، يدعم هذا التحليل.
فالمبحوح تم اغتياله في نفس يوم وصوله 19 يناير 2010، بالرغم من أنه كان يحمل جواز سفر مزور، دون حراسة خاصة، لعدم لفت الانتباه، مما يجعل من المستحيل كشفه على أي جهة، ما لم يكن لديها معلومات أصلية عن الوثيقة المزورة.
إضافة إلى زيارة وزير الطاقة الصهيوني «عوزي لانداو» للإمارات، قبل أيام من عملية الاغتيال، للمشاركة في اجتماعات الوكالة الدولية للطاقة الجديدة والمتجددة، وقد جاء على متن طائرة خاصة، وكانت تلك فرصة لإدخال ستة من رجال الموساد إلى بطن الطائرة من ضمن الوفد الأمني والإعلامي المرافق للوزير، وقد أيد محللون صهاينة ما أعلنته حركة حماس من أن عملاء الاستخبارات الخارجية (الموساد) تمكنوا من اغتيال القيادي المبحوح في دبي بعد أن وصلوا إلى أبو ظبي برفقة وزير البنى التحتية «عوزي لانداو» الذي شارك في مؤتمر بيئي في الإمارات العربية المتحدة قبل أيام من عملية الاغتيال.
وآخر المعلومات التي تشير إلى تواطؤ النظام الإماراتي، هي استخدام عناصر الموساد لجهاز إلكتروني لفك شفرة مفتاح غرفة المبحوح، للتمكن من الدخول إليها قبل وصوله.
والسؤال الذي طرحه، في تلك الفترة، رجال الاستخبارات في فلسطين وفي عواصم أخرى المتمثل في: لماذا اختار الموساد «دبي» بالذات، مع أنه كان في خطة المبحوح الذهاب إلى الصين والسودان؟ يجد جوابه بوضوح الآن.

دور النظام السعودي المتصهين:
إن مساندة النظام السعودي للسيسي الصهيوني واضح وضوح الشمس في رابعة النهار، وهذا ما اتضح في بيان مجلس التعاون الخليجي، وتنديده بما سماه الإرهاب في عدة مناسبات، وصمته المطبق خلال العدوان على غزة، وتحاشي الحديث عن إعمارها، ولو بالكلام، كما فعل في عدوان 2008، في حين قدم المليارات لسعد الحريري دون ضجيج، ونقدا دون تأخير، وقبله أغدق على سيسينياهو، دون تحفظ.
وإن المتابع للإعلام الموالي لآل سعود، سواء الرسمي أو «الخاص»، والمتمثل في قناة العبرية، التابعة لمجموعة الإم بي سي، التي أسسها الملك فهد، تحت إدارة أخوال ابنه عبد العزيز، ليلحظ الكم الهائل من الحقد الذي يكنون لأهل غزة، علاوة على تعظيم أمريكا، ودعم سياستها في المنطقة والعالم، وشيطنة الحركات الإسلامية، والتلميح للتطبيع مع اللقيطة، والموقف المناهض للثورات العربية.
والملفت في قضية العلاقة السعودية الصهيونية هو أن أول مبادرة عربية رسمية تعترف بالكيان الغاصب جاءت من السعودية في قمة فاس عام 1982م، طرحها الملك السعودي الراحل فهد، ولا أدري ماذا فعلت بالحديث النبوي الذي يبشر بانتصار المسلمين على اليهود، وهي التي تلعب دور الوصي على إسلام المسلمين.
ومن بين إنجازات النظام السعودي ضد القضية الفلسطينية، ما تم الكشف عنه، من أن هذا النظام هو الذي وقف خلف قرار تأجيل النظر في تقرير «غولدستون»، في محاولة منه لإنقاذ اليهود من محاكمتهم على ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وجريمة الحرب ضد الفلسطينيين في غزة، وذلك عبر إصدار قرار من الرياض إلى صائب عريقات ثم إلى أحمد خريشة بموافقة الرئيس عباس.
الدور العربي المتصهين:
إذا كان قائد القطيع متصهينا، فلأن القطيع كذلك، فهذا نبيل العربي، الأمين العام للجامعة العربية التي أسسها البريطانيون بعد الحرب العالمية الثانية، كان أحد أعضاء مؤامرة العار، كامب ديفيد، فكيف يرجى منه ومن جامعته الخير لهذه الأمة؟
إن المتتبع البسيط، فضلا عن الخبير، لاحظ الصمت العربي المخزي، حتى من عبارات التنديد والشجب الجوفاء، إبان العدوان على غزة، بله اجتماع جامعهتهم، لمناهضة العدوان.
لكن، وانجرارا خلف نزوات سيدتهم أمريكا، اتفق وزراء الخارجية العرب، في ختام أعمال المجلس الوزاري لحظيرتهم بالقاهرة، على اتخاذ كل الإجراءات الضرورية لمواجهة تنظيم الدولة الإسلامية، والتعاون مع كل الجهود الدولية والإقليمية والمحلية لمحاربة الجماعات «المتشددة».
كما طالبوا بتفعيل اتفاقية «الدفاع العربي المشترك» من أجل مواجهة مخاطر الحركات المسلّحة التي تهدد وجود وسيادة الدول العربية، لأن الأمن القومي العربي تهدده الشعوب العربية، وليست اللقيطة أو أمريكا، أو الغرب بشكل عام.
كما اجتمعت دول الخليج إضافة إلى تركيا والأردن ومصر، بحضور الويلات الأمريكية في شخص وزير خارجيتها جون كيري، لبحث وضع استراتيجيا مكافحة ما يسمى الإرهاب بشكل عام، والدولة الإسلامية بقيادة أبي بكر البغدادي بشكل خاص، بعد ساعات من إعلان أوباما عن خطته لنفس الأمر، وكان ذلك يوم الخميس 11 شتنبر، في دلالة واضحة على تثبيت الغطرسة والعدوان الأمريكيين، وبصم الدول المشاركة بعشرة أصابع على خطة أوباما.
————————-
1- “التصهين العربي ليس جديداً”،أحمد قاسم البياهوني (مصر)بتصرف.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *